تشهد الولايات المتحدة منذ أسابيعَ عدةٍ نقصاً حادّاً ونادراً في مسحوق حليب الأطفال، في أزمة أثارت قلق العائلات الأمريكية وزادت الضغط السياسي على إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن وحزبه السياسي الذي يستعدّ لخوض انتخابات نصفية، وسط فشل حكومته في إدارة ملفات كبرى، مثل التضخم وكورونا والحرب الأوكرانية.
وبينما اندلعت الأزمة بالأساس بسبب المشكلات التي ضربت سلاسل التوريد العالمية ونقص الأيدي العاملة بسبب تداعيات جائحة كورونا، أدّى إغلاق شركة "أبوت نيوترشن" الأمريكية مصنعاً لها بولاية ميشيغان، وسحبها الطوعي لمنتجاتها بسبب الاشتباه في تسبّبها بوفاة طفلين، إلى تفاقم الأزمة وتشعبها إلى أزمات صحية واقتصادية وسياسية.
ومع تحوُّل الأزمة إلى مصدر صداع سياسي لإدارة بايدن بعد سيل الانتقادات الحادَّة التي أطلقها أعضاء الكونغرس من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، تناقلت وسائل الإعلام الكورية الشمالية إشراف الزعيم كيم جونغ أون بنفسه على إنتاج وصفة حليب أطفال جديدة ومتطورة، ستُقدَّم لأطفال بلاده، في لفتة قرأ الخبراء أنها انتقاد لنقص حليب الأطفال في الولايات المتحدة، وفقاً لما نشره موقع (Business Insider) الأمريكي الاثنين.
الأمر الذي دفع بايدن إلى الخروج في مقطع فيديو نُشر على تويتر قال فيه: "أعلم أن الآباء في جميع أنحاء البلاد قلقون بشأن العثور على ما يكفي من حليب الأطفال لإطعام أطفالهم. كوالد وكجَدّ، أعرف مدى إرهاق ذلك".
أزمة حليب حادة
في منتصف فبراير/شباط الماضي قرّرَت شركة "أبوت نيوترشن" الأمريكية إغلاق منشأة تصنيع حليب الأطفال بولاية ميشيغان، وذلك بعدما "قررت طوعياً" سحب منتجاتها من الرفوف، بينها حليب "سيميلاك" المستخدم لدى ملايين العائلات الأمريكية، إثر أصابة أربعة أطفال بالعدوى البكتيرية، ووفاة اثنين منهم، فيما قالت "أبوت" إن الأدلة تنفي الصلة بين منتجها والمرض.
يُذكر أن الأزمة كانت اندلعت في الأساس بسبب مشكلات في التوريد ونقص في الأيدي العاملة جراء جائحة كورونا، لكن إغلاق "أبوت" منشأتها وما تبعه من سحب منتجاتها فاقم الأزمة وحوّلها إلى مسألة وطنية في عموم الولايات المتحدة، بسبب تأثيرها الخاص في الأمهات غير المرضعات، فضلاً عن الأطفال الذين يعانون مشكلات صحية يجبرهم على الاعتماد على حليب الأطفال بصفة أساسية.
وعلى الرغم من كل الجهود التي تبذلها الإدارة الأمريكية لحلّ أزمة حليب الأطفال الحادَّة التي تشهدها البلاد منذ عدة أشهر، مما أثار قلقاً عميقاً لدى الآباء، لا بوادر حقيقية حتى الآن على تلافي الأزمة قبل عدة أسابيع، فبحسب شركة "داتا سمبلي" المتخصصة في خدمات البيانات، بلغت نسبة انقطاع مخزون مسحوق الحليب المخصَّص للرضّع 43% نهاية الأسبوع الفائت، بارتفاع 10% على معدل شهر نيسان/أبريل.
جسر حليب جوي
حسب أسوشيتد برس، قرّر الرئيس الأمريكي جو بايدن الأربعاء، إنشاء جسر جوي وتفعيل قانون قديم تعود جذوره إلى حقبة الحرب الباردة، في محاولة منه لحلّ أزمة نقص حليب الأطفال التي تعاني منها الولايات المتحدة حالياً، فيما قالت الرئاسة الأمريكية في بيان لها إنّ "وزارة الدفاع ستستخدم عقودها مع شركات طيران تجارية كما فعلت خلال الأشهر الأولى من جائحة كوفيد، لنقل منتجات من مصانع في الخارج، بما يتّفق مع معايير السلامة الأمريكية".
وأطلقت الرئاسة على الجسر الجوي الذي دشنته لتسريع استيراد حليب الأطفال وتوزيعه على العائلات الأمريكية المحتاجة، اسم "عملية طيران حليب الأطفال". وبموجب الخطة التي طرحها البيت الأبيض مساء الأربعاء، يمكن للوكالات الحكومية التقدُّم بطلب لاستخدام الطائرات التجارية المملوكة لوزارة الدفاع لجلب حليب الأطفال من الخارج ووضعه على الرفوف بسرعة أكبر.
فيما أكّد البيت الأبيض أنه سيقدّم دعماً لمصنّعي هذا المنتج الأساسي من أجل زيادة إنتاجهم، فيما قرّر بايدن أيضاً الاستعانة بـ"قانون الإنتاج الدفاعي" الذي أُقِرّ عام 1950، لمطالبة الموردين "بتوجيه الموارد اللازمة إلى مصنّعي حليب الأطفال قبل أي عميل آخر قد يكون طلب ذلك".
تداعيات سلبية
حذّر الخبراء من أن زيادة الطلب الأمريكي على منتجات حليب الأطفال على مستوى العالم من شأنه أن يخلق بيئة عدم استقرار في هذه السوق تصاحبها بالطبع زيادة بالأسعار على الصعيد العالمي، بما سينعكس مباشرةً على وفرة هذه المنتجات وأسعارها في البلدان الأخرى.
وإلى جانب التداعيات السلبية، على المستوى الصحي أو الاقتصادي، تتعرَّض حالياً لتداعيات سياسية أكبر وأكثر تأثيراً، الإدارة الأمريكية برئاسة بايدن وحزبه الديمقراطي الذي يعاني بالأساس مشكلات أكثر تعقيداً، مثل التضخم وجائحة كورونا التي راح ضحيتها حتى الآن قرابة مليون شخص في الولايات المتحدة فقط.
وما إن بدأت أزمة الحليب الأمريكي تأخذ منحىً سياسياً حتى بدأ الحزب الجمهوري زيادة الضغط على إدارة بايدين التي فشلت في التعاطي مع الأزمة منذ البداية. فيما وصف الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب الأزمة بـ"العار الوطني" الذي لا يتحدث عنه أحد، وأضاف: "في الوقت الذي تعاني فيه الأسر الأمريكية لإطعام أطفالها، يرسل الديمقراطيون 40 مليار دولار أخرى إلى أوكرانيا".