تستذكر تركيا ذكرى وفاة القائد العثماني نوري كليجيل والمعروف بنوري باشا الذي قاد الجيش الإسلامي القوقازي، الذي أنشئ من قبل ناظم الحربية العثمانية "أنور باشا" إبان الحرب العالمية الأولى، حيث أرسل أخاه على رأس الجيش إلى أذربيجان التي طلبت المساعدة من العثمانيين، وكذلك بناء على طلب داغستان لحمايتها. وحقق الانتصار الأخير للجيش العثماني عام 1918 على القوات الأرمنية والبلشفية التي احتلت أذربيجان.
ولد نوري كليجيل في مانستر شمال مقدونيا عام 1890، واختار أن يكون عسكرياً مثل أخيه الأكبر أنور باشا. وعمل في الجيش العثماني حتى حصل على رتبة الجنرال في حرب الاستقلال.
جرى تعيين نوري باشا، الذي رُقّي إلى رتبة عقيد بسبب نجاحه البارز في جبهة طرابلس، قائداً للجيش الإسلامي القوقازي وقاتل جنباً إلى جنب مع الأتراك الأذربيجانيين ضد العصابات الروسية والأرمينية. حرر باكو من الاحتلال في 15 سبتمبر/أيلول 1918. وقد جرت الإشارة إلى اسمه على أنه فاتح باكو في أذربيجان بسبب هذا الإنجاز.
"ارقد بسلام نوري باشا "
النائبة في البرلمان الأذربيجاني غانير باساييفا تتحدث عن نوري كليجيل الذي له أهمية كبيرة لدى الأتراك الأذربيجانيين:"نوري باشا هو قائد عظيم للأتراك الأذربيجانيين. لقد هُزمت الإمبراطورية العثمانية في الحرب العالمية الأولى وكانت تمر بأوقات صعبة للغاية. وعلى الرغم من ذلك، جاء دعم الجيش الإسلامي القوقازي التركي إلى أذربيجان بقيادة نوري باشا. جاء شعبنا إلى أذربيجان للمساعدة".
وأضافت: "بعد عودته من أذربيجان، ضحى نوري باشا من أجل تركيا وأسس أول مصنع للأسلحة، وذلك لأنه كان يعرف مدى حاجة العالم التركي إلى هذا. نوري باشا سوف يعيش دائماً في قلوبنا. ستعيش في قلوب كل شعوب العالم التركي. لن يموت أبداً. الناس الذين ضحوا بأرواحهم من أجل أمتهم لا ينسون أبداً".
وضع أسس الصناعات العسكرية التركية
بعد سنوات من القتال على خط الجبهة وعودته إلى تركيا، استخدم خبرته العسكرية في تأسيس قطاع التصنيع العسكري، وكانت أول خطوة تثير انتباه الغرب تأسيسه أول مصنع للأسلحة عام ١٩٣٣، في منطقة زيتنبورنو في إسطنبول، لتكون خطوة مهمة في مجال التصنيع العسكري التركي.
وأنتج المصنع المسدسات والرصاص والقذائف والقنابل اليدوية وقنابل الطائرات، ومع النجاح وزيادة الطلب افتتح مصنعاً آخر في سوتولجي بمدينة إسطنبول. وصدّر السلاح إلى فلسطين ومصر وسوريا وباكستان.
ولكن مع ضغوطات لوبي السلاح العالمي لعرقلة كليجيل جرى إغلاق أحد المصنعين. وبعد احتلال فلسطين وقيام إسرائيل زادت الضغوط لمنع تصدير السلاح إلى الدول العربية.
وفاة غامضة
في الثاني من مارس/ آذار عام 1949 سُمع دوي انفجار كبير في مدينة إسطنبول، ليتبين أن الانفجار في مصنع نوري كليجيل في سوتولجي، ما أدى إلى وفاته مع 28 عاملاً من عمال المصنع. ولم يُعثر على جثمان كليجيل من شدة الانفجار. وما زالت التساؤلات قائمة حول مدى وجود تدخل خارجي لعرقلة مشروع نوري كليجيل للتصنيع العسكري حتى اليوم.
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يؤكد أن مشروع نوري كليجيل مازال في الذاكرة الوطنية، ويعلق عليه قائلاً: "كل هذه المشاريع الحاسمة والمهمة جرى تعطيلها من قبل مسؤولي تلك الفترة الزمنية بلا أفق ولا رؤية، وتُركت تركيا محكومة للخارج في مجال التصنيع العسكري بشكل متعمد ومخطط. لو جرى دعم نوري ديميراغ ووجيه هركوش ونوري كليجيل لكانت تركيا اليوم في مرتبة أخرى من الصناعات الدفاعية".
وبعد سنوات طويلة من تعطيل مشاريع نوري كليجيل ووفاته بطريقة غامضة، استطاعت الصناعات الدفاعية التركية تطوير قدراتها، وحولت أحلام كليجيل بإنشاء مصانع الأسلحة إلى حقبة من التطور التكنولوجي العسكري بقدرات محلية.
ومنذ عام 2002، حققت تركيا قفزات كبيرة، يشير إليها ارتفاع ميزانية الدفاع إلى 60 مليار دولار مقابل 5.5 مليار فقط عام 2002، كما ارتفع عدد الشركات العاملة في الصناعات الدفاعية خلال الفترة نفسها من 56 إلى 1500 شركة، وأكدت وزيرة التجارة التركية روهصار بكجان أن الصناعات الدفاعية حققت عام 2019 صادرات قاربت 2.5 مليار دولار، مقابل نحو 250 مليون دولار فقط عام 2002.
وبرزت المسيرات التركية والمدرعات والأنظمة الصاروخية والسفن الحربية، لتنافس في مجال الصناعات العسكرية العالمية، وتعطي الجيش التركي أفضلية في المنطقة وظهر ذلك جلياً في عدد من العمليات العسكرية التي خاضتها تركيا في محاربة الإرهاب في السنوات الأخيرة.