لوقوعها فوق صدوع وفوالق زلزالية نشطة قادرة على توليد زلازل كبيرة، استمرت الزلازل العظيمة عبر التاريخ في ضرب الأناضول وتدمير أيقوناتها الحضارية والمعمارية. كما جعلت هذه الزلازل عديداً من المدن التي كانت تعتبر "قديمة" غير صالحة للسكنى أو مدمَّرة بالكامل.
وكثير من المدن، التي توصف اليوم بأنها "قديمة"، مستوطنات تاريخية قديمة دمرته الزلازل وتركت بصمات واضحة على الجزء المتبقي من معمارها وصروحها، فيما يقع معظم هذه المدن في مناطق بحر إيجة والبحر الأبيض المتوسط. إليكم أشهرها:
1- طروادة: لعنتا الحصان والزلزال
طروادة واحدة من أشهر مدن الأناضول التي دمرتها الزلازل، والتي كانت من بين المدن القديمة التي ظنها المعظم أنها من محض خيالات الشاعر الإغريقي هوميروس وملحمته الشعرية الشهيرة المعروفة باسم الإلياذة والتي تحكي قصة حرب طروادة، إلى أن أعيد اكتشافها على يد عالم الآثار الألماني هنريك شليمان عام 1871.
وتقع طروادة مباشرة على خط صدع الأناضول الغربي، وهو أنشط صدع زلزالي في تركيا، وأُسست مدينة ساحلية منذ الألف الثالثة قبل الميلاد على ساحل بحر إيجة في ولاية جناق قلعة حالياً. وخلال فترة الحضارة المعروفة باسم طروادة، أعيد بناء المدينة في أوقات مختلفة عبر التاريخ بعد أن دمرتها الزلازل أكثر من مرة، إلى أن جرى التخلي عنها تماماً في النهاية وتُركت لتختفي تحت تل الطمي الذي يجلبه نهر كارامينديريس.
في الواقع، كان تمثال الحصان الذي استخدمه الإغريق القدماء لدخول المدينة واحتلالها هو رمز بوسيدون، الذي كان مسؤولاً عن الزلزال في العقيدة الوثنية، وزُعم أنه جرى استخدامه بالفعل استعارة لوصف الزلازل العنيفة. كُشف عن آثار الزلازل في كل فترة من فترات المدينة، والتي أعيد بناؤها 8 مرات.
2- أسوس: ضحية الزلزال
مدينة أسوس القديمة الواقعة في منطقة قريبة من طروادة، هي من بين مدن الأناضول الأخرى التي دمرها زلزال. دُمرت المدينة حيث أسس أرسطو أول مدرسة فلسفة بزلزال شديد وقع قبل 1300 عام.
استمرت المدينة التي أعيد بناؤها في التعرض للزلازل الشديدة وجرى التخلي عنها في العصور الوسطى. تقع على خط (جناق قلعة- أيفاجيك) المتفرع من صدع غرب الأناضول. ولا تزال مخاوف بشأن تدمير القطع الأثرية المتبقية في المدينة القديمة بسبب الزلزال. وقع آخر زلزال كبير ضرب المنطقة في عام 1944.
3- أوليمبوس
كانت مدينة أوليمبوس القديمة، الواقعة داخل حدود ولاية أنطاليا حالياً، من بين المواني المفضلة المطلة على البحر الأبيض المتوسط. كانت مدينة غنية ومليئة بالأعمال الفنية والمعمارية. لكن كما هو الحال مع بقية مدن الأناضول التاريخية الأخرى، أصبحت المدينة غير صالحة للاستعمال بسبب الزلازل في القرنين السادس والسابع الميلادي. في القرون التالية، لم يستخدم أحد المدينة باستثناء القراصنة، وبمرور الوقت تُركت للزمن الذي أجهز عليها.
4- أفسس: أهم مدن غرب الأناضول قديماً
تعد أفسس واحدة من أعظم المدن الإغريقية القديمة في الأناضول، وتقع في ولاية إزمير غربي تركيا حالياً. أُسست في القرن العاشر قبل الميلاد على يد الإغريق القدماء. اشتهرت المدينة بأعمال معمارية بديعة مثل المسرح الكبير ومكتبة سيلكوس وتمثال أرتميس.
تعرضت المدينة لزلازل كبيرة بين عامي 23 و47 ميلادي. وفي القرون التالية، تسببت الزلازل الكبيرة في انهيار المدينة بشكل كبير. حدثت الزلازل الكبرى الأخيرة في 1360-1361، لكن الزلزال الأكثر تدميراً في تاريخ المدينة هو زلزال جنوب غرب الأناضول عام 262.
5- هيرابوليس
تأسست مدينة هيرابوليس خلال فترة بيرغامون في جنوب غرب الأناضول المجاورة لمدينة باموكالي الحديثة، وهي مدينة قديمة ذات اسم يوناني يعني "المدينة المقدسة".
تضررت هيرابوليس، التي تقع على خط الصدع في دنيزلي، من الزلزال العظيم الذي وقع عام 60 ميلادي. ولكن جرى التخلي تماماً عن المدينة القديمة، التي دُمرت مرة أخرى في الزلزال العظيم في القرن السابع وفقدت هويتها، بعد الزلزال الذي ضربها في القرن الرابع عشر.
تشير التقديرات إلى أن المدينة، التي يعود تاريخها إلى 2000 عام، شهدت 33 زلزالاً كبيراً على فترات تاريخية متفرقة.
6- كيكوفا: المدينة التي دفنها الزلزال في البحر
غرقت مدينة كيكوفا، الواقعة بالقرب من منطقة ديمرية في أنطاليا، في البحر بسبب زلزال مدمر ضربها في القرن الثاني الميلادي. كانت ذات يوم مدينة ساحلية شهيرة، لكنها لا تزال تجذب الانتباه اليوم بقطعها الأثرية القديمة المدفونة في البحر. كان الاسم القديم للمدينة هو "Dolkisthe" وابتلع البحر معظم معالمها.
7- أفروديسياس
مدينة أفروديسياس، التي تقع داخل حدود مقاطعة آيدين اليوم، تأثرت أيضاً بعديد من الزلازل على مدار تاريخها. جعلت الزلازل الكبرى في القرنين الرابع والسابع الميلادي من هذه المدينة الشهيرة والكبيرة غير صالحة للسكن. جرى بناء المدينة على خط صدع وفقدت كثيراً من سحرها بعد الزلزال في القرن السابع.
إعادة بناء إسطنبول وأرزينجان
تعرضت إسطنبول، التي تقع في منطقة زلزالية نشطة فوق صدع الأناضول الشمالي، للدمار عدة مرات بسبب الزلازل عبر التاريخ. ولكن لموقعها الفريد، استمرت في الوجود مدينة أعيد بناؤها أكثر من مرة، ولم يُتخلَّ عنها. كان أعنف هذه الزلازل هو الزلزال الذي أطلق عليه اسم "القيامة الصغرى" في عام 1509. بعد هذا الزلزال، كان لا بد من إعادة بناء المدينة بأكملها تقريباً وإصلاح وترميم آيا صوفيا.
من ناحية أخرى، شهدت أرزينجان زلازل شديدة عبر التاريخ بسبب موقعها على خط صدع شمال الأناضول. جرى التخلي عن المدينة فقط بعد الزلزال الذي بلغت قوته 7.9 درجة في 27 ديسمبر/كانون الأول 1939، وجرى تغيير منطقة الاستيطان. توجد بيانات تظهر أن مدينة أرزينجان تغير موقعها ما بين 3 و7 مرات عبر التاريخ.