يدخل تعليم مادة "التربية الإسلامية" مرة أخرى منعطف الجدل في ألمانيا، بعد أن خطا برلمان ولاية بافاريا خطوة إقرار تعليمها، إلزامية واختيارية، للتلاميذ المسلمين بمدارس الولاية. خطوة تسوق لها الحكومة المحلية على أنها دفعة كبيرة في سبيل "إدماج المسلمين"، لكنها لم تخلُ من معارضين يتبنون نفس الخطاب المشكك في الإسلام والمسلمين، والذين خاضوا ضدها معارك قضائية، وصلت حد تحكيم المحكمة الدستورية. فيما على الجانب الآخر، جانب الجاليات المسلمة، ينقسم الرأي بين مرحب، وبين من يرى في الأمر "خدعة" وتضييقاً آخر على حرياتهم وحقوقهم الدينية.
بافاريا تقرُّ تعليم الإسلام!
في خطوة وصفها على لسان وزيرته للإدماج، غودرون بريندل-فيشر، بـ"العلامة الفارقة والجديدة بالنسبة إلى اندماج مواطناتنا ومواطنينا المسلمين"، أقرَّ برلمان ولاية بافاريا، السادس من يوليو/تموز، تعديله على القانون المُنظم للتعليم الديني في مدارس الولاية، بإدماج مادة "التربية الإسلامية" في المقررات الدراسية الرسمية للولاية.
حيث جاء في التعديل المذكور أن "تلاميذ المدارس الذين اختاروا عدم متابعة دروس التعليم الديني ملزمون بالمشاركة إما في دروس الأخلاق وإما في دروس التربية الإسلامية بمنطق عقائدي إيماني". وبالتالي تم تغيير وضعية تلقين تعاليم الإسلام إلى مادة دراسية عادية، تنضم إلى قائمة الاختيارات بين المواد الأخرى، كمادة الأخلاق، كي تكون ضمن الاختيارات بالنسبة إلى التلاميذ المسلمين، الذين يعمِّرون نحو 350 مدرسة داخل الولاية.
بالمقابل، كان التلاميذ المسلمون في ما سبق هذا التعديل يخيَّرون بين دراسة تعاليم المسيحية، بروتستنتية كانت أو كاثوليكية، وبين مادة الأخلاق كبديل. أصبح اليوم بإمكانهم اختيار مادة "التربية الإسلامية" التي أصبحت إلزامية، أي خاضعة للتنقيط ولامتحان فيها.
في حين قالت وسائل إعلامية ألمانية بأنه "في بافاريا وعكس ولايات شمال الراين - ويستفاليا أو بادن فورتمبيرغ، على سبيل المثال لا الحصر، لم يتم إشراك الجمعيات الممثلة للمسلمين في تحديد محتوى التعليم واختيار وتدريب معلمي التربية الإسلامية". علَّق مايكل بيازولو، وزير التربية والتعليم في ولاية بافاريا، والموكل إليه بحكم نظام الحكم الفيدرالي الألماني التقرير في المقررات الدراسية داخل ولايته، قائلاً بأن "هذا العرض يتيح للتلاميذ المسلمين بديلاً عن دروس مادة الأخلاق، حيث يتعلمون أيضاً أسس تعاليم الإسلام وقيمه".
إقصاء، وخدعة ومحاكم..
مقابل هذا الإقرار الأخير، يبقى تعليم الدين الإسلامي في المدارس الألمانية محط جدل، بالنسبة إلى بلد يضم أقلية مسلمة تتخطى 6.5 ملايين نسمة. حيث لا زال ينظر لتدريس هذه المادة، كحق مواطناتي لهذه الأقلية، أسوة بنظيرتها المسيحية التي يتعلَّم أبناؤها تعاليم دينهم في المدارس، بعين التشكيك حتى عند أصحاب القرار، الذين يضيِّقون على هذا التعليم.
ومع احتفاء الجهات الرسمية البافارية بقرارها ذاك، تبقى الجالية المسلمة متحفظة، واعتبر علي أيكن عنان، المتحدث باسم "المجلس التنسيقي للطوائف الإسلامية في بافاريا"، الأمر "خدعة" لا تصب في مصلحة مسلمي بافاريا. موضحاً أن ما وقع عبارة عن إقصائهم كمسلمين عن تحديد محتوى التعليم الديني الخاص بهم، مقابل الدولة الألمانية التي أعطت لنفسها حق التقرير في ذلك عكس ما يحدث بالنسبة إلى التعليم الديني البروتستانتي أو الكاثوليكي، حيث تقرر الكنائس المحتوى بنفسها.
الأمر الذي يؤكده هاري هارون بير، أستاذ التعليم الإسلامي في مدينة إرلانغن، مضيفاً: أن "طريقة بلورة مادة "التربية الإسلامية" لا تتوافق مع الدستور الألماني"، الذي ينص في الفقرة الثالثة من مادته السابعة على ضرورة توافق مناهج التعليم الديني مع مبادئ الطوائف الدينية التي ينتمي إليها. وبالتالي، فإن الدولة ملزمة بتقديم تعليم ديني إسلامي "يتوافق مع مبادئ الدين الإسلامي والهويات الإسلامية"، يقول هارون بير.
ويذكر في هذا الصدد بأنه سبق للمحكمة الألمانية أن حسمت في هذا الجدل، سابقاً سنة 2020، حينما أوقفت وزارة الثقافة في ولاية هيسن التعاون مع الاتحاد الإسلامي التركي في ألمانيا "ديتيب" في تعليم "التربية الإسلامية"، مبرِّرة ذلك بشكوك حول "ديتيب" كشريك خصوصاً بشأن استقلاليته تجاه الدولة التركية. الأمر الذي حكمت المحكمة ببطلانه وإلزامية استئناف ذلك التعاون.