مؤخراً أصبحت السياسة الأوروبية عرضاً كوميدياً من نوع ما، وذلك عندما نلاحظ كيف يتعامل قادة فرنسا وألمانيا مع مشكلة حرب أوكرانيا -التي يريدون بشدة إنهاءها- وكذلك التعامل مع الرئيس زيلينسكي، الذي ترى النخب الغربية أكثر فأكثر أنه جزء من المشكلة لا الحل.
تحدث الزعيمان مؤخراً مع زيلينسكي وحثَّاه على بدء محادثات سلام مع بوتين. كان رده وفق وسائل التواصل الاجتماعي: "لا شيء للتفاوض عليه ولا أحد في موسكو للتفاوض معه".
بالكاد يخفي الرئيسان الفرنسي والألماني حقيقة أنهما بحاجة الآن إلى زيلينسكي لبدء محادثات سلام مع الرئيس الروسي. المشكلة تكمن بمنطقهم المتناقض إذ يريدون السلام لكن يريدون أيضاً خروج أوكرانيا أقوى من قبل حتى يزعموا أنهما السبب عندما تضع الحرب أوزارها.
من نواحٍ عديدة قد يقارن بعض الخبراء العسكريين هذا الوضع بالهجوم البريطاني على Arnhem في هولندا خلال الحرب العالمية الثانية، حيث اصطحب الجنود حينذاك كثيراً من العتاد وكان حملهم أكبر من اللازم. كان فيلم A Bridge Too Far فيلم هوليوودي لخص تلك المغامرة المتحمسة التي فشلت في دفع الألمان إلى الوراء والاستيلاء على الجسور. إنها قصة مشابهة لما يسعى عمالقة الاتحاد الأوروبي إلى تحقيقه بالحرب الروسية-الأوكرانية.
كان زيلينسكي وسيظل دائماً حجر العثرة عندما يتعلق الأمر ببدء محادثات السلام. فلم يتغير شيء كبير في الآونة الأخيرة باستثناء شعور الرئيس الأمريكي جو بايدن بالذعر بواشنطن، فمن الواضح أن المبلغ الفادح للأموال التي أرسلت سابقاً إلى أوكرانيا سيتباطأ عام 2023، لسيطرة الجمهوريين على مجلس النواب وبدء السباق الانتخابي.
سيضعه هذا بكمين من العمال ذوي الياقات الزرقاء عندما يسألونه كيف تبخرت 100 مليار دولار على بلد لا يمكنهم العثور عليه على الخريطة في الوقت الذي تتسبب أزمة غلاء المعيشة المتزايدة في سقوط مزيد من الضحايا، ودفع مزيد من العائلات إلى الشوارع وقتل كبار السن منهم.
حذر بايدن وحلفاؤه زيلينسكي من أن الوقت ينفد وأن الدفعة الأخيرة من الأموال يجب أن تحقق نتائج ملموسة على الأرض. تفكيرهم هو أنه إذا تمكن من تحقيق مزيد من المكاسب في ساحة المعركة فإن هذا سيضعه بوضع جيد للتفاوض لاحقاً. السيناريو الأسوأ لبايدن أن الانتخابات الرئاسية لعام 2024 تدور حول قضية واحدة هي أوكرانيا، وأن هذا يصب بصالح ترمب أو أي شخص آخر يختاره الحزب الجمهوري رسمياً.
في هذا السياق، يتخذ الأمريكيون وجهة نظر مختلفة قليلاً عن الجدول الزمني وما يتوقعونه مقارنةً بالاتحاد الأوروبي.
إنه شكل من أشكال التعذيب المطول لماكرون وشولتز. يُتعامل مع زيلينسكي بطريقة سيئة للغاية لدرجة تثير الضحك. لقد قُدم حافز لزيلينسكي، الذي كان منزعجاً من هذا الموقف المتحدي من طرف حلفائه. عند النظر إلى هذا الحافز بشكل مباشر، فإنه يوفر للمحللين والمراقبين فكرة عن كيفية تمكُّن الغرب من إيقاع نفسه بمستنقع أوكرانيا وكيف أن العقوبات الغربية تنعكس سلباً على مواطني الاتحاد الأوروبي بالفعل أكثر من مواطني روسيا.
عرض شولتز وماكرون على زيلينسكي تزويده بدفعات جديدة من الأسلحة وبـ"اتفاقية دفاع" من الناتو إذا بدأ محادثات سلام مع بوتين. كيف يعتقد شولز وماكرون أن الحوافز ستقود إلى التفاوض على اتفاقية سلام مع بوتين؟ ولو أخذنا بالاعتبار موقف بوتين الآن، فإن التفاوض مع زيلينسكي سواء مع أو بدون هذه "الحوافز" يتطلب معجزة على أي حال.
بالنسبة إلى أوكرانيا، حتى إذا أردنا مجاراة الغرب بتفاؤله المضحك توجد فرصة سانحة لإحداث تأثير صغير على ساحة المعركة، ربما نهاية الصيف حال وصلت الـ100 دبابة الموعودة. لكنها وجهة نظر متفائلة بالنظر إلى أنه حتى أطقم الدبابات ستكون لا تزال مبتدئة وأن "الحدود" البالغة 2000 كيلومتر بين القوات الروسية والأوكرانية أكبر من أن تجعل لهذه الدبابات أي تأثير حقيقي.
الحقيقة وراء الدبابات المبالغ بها أنها لن تستخدم إلا للدفاع. حتى لو وصلوا فالمراقبون متشككون بأن بايدن سيسلم الـ30 دبابة M1 Abrams. يعتقد كثيرون هذا غشاء دخانياً آخر صنعه الرئيس الأمريكي الذي يدرك أن الشحنة الأخيرة من المساعدات العسكرية يحتمل أن تكون الأخيرة.
بناء عليه سيغتنم الكرملين الفرصة للمضي بهجوم الربيع بدبابات جديدة تأتي من خطوط الإنتاج. توجد حقيقة أساسية حول الدبابات: الغرب يعاني نقص عدد وفترة تسليم طويلة. لا تعاني روسيا من ذلك، إذ تنتج نحو 200 دبابة سنوياً. الآن ومع دور الصين وإيران بتعزيز المساعدات لروسيا في شكل شراء الطاقة الروسية والتخلي عن الدولار وتوفير معدات عسكرية لروسيا في حال صدقت التقارير، فلا عجب في وجود حالة ذعر لدى قادة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
يتوقع ماكرون وشولتز أن تكون المملكة المتحدة التي سيضطر رئيس وزرائها ريشي سوناك إلى خفض الإنفاق على أوكرانيا قبل وصول الشتاء المقبل إلى المملكة المتحدة في نوفمبر/تشرين الثاني، أول بطاقة تسقط في القارة. وهو الأمر الذي سيضعهما في موقف محرج.
في الوقت نفسه تقريباً وعندما تعرض روسيا دباباتها الروبوتية المصغرة من طراز "بوستر"، والتي تصل الآن إلى دونباس، فمن المحتمل أن يجد المسؤولون الغربيون صعوبة بشرح للناخبين كيف سيعاني الفقراء أكثر لأن خطة الدبابات فشلت فشلاً ذريعاً.
وماذا عن دبابات ليوبارد 2 وتشالنجر؟ من سيشتريها بعد كارثة العلاقات العامة هذه؟ ستكون النتيجة مزيداً من الأموال والوظائف المفقودة في الغرب. بناء على ما تقدم تحتاج خطة ماكرون-شولتز للسلام بالتأكيد إلى إعادة التفكير.
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن TRT عربي.