مع تزايد المشاكل في العالم الإسلامي، بين تنامي الإرهاب والعنف من جهة وانطلاق ثورات شعبية تطالب الأنظمة الحاكمة بحقوقها، من جهة أخرى، أصبح من المهم التعاون من أجل السعي لإيجاد حلول للتحديات التي تواجه هذه الدول، وإنصاف الشعوب وتحسين القوة الاقتصادية، وهو ما دفع رئيس الوزراء الماليزي، مهاتير محمد، إلى إعلان بلاده استضافة قمة إسلامية مصغرة، تضم 5 دول (ماليزيا وتركيا وإندونيسيا وباكستان وقطر)، بين 18-21 كانون الأول/ديسمبر المقبل.
وتشكل الدول الخمس نواة لبداية تعاون أوسع يشمل مجالات عدة تواجه العالم الإسلامي، مثل التنمية الاقتصادية والدفاع والحفاظ على السيادة وقيم الثقافة والحرية والعدالة ومواكبة التكنولوجيا الحديثة، بالإضافة إلى أن القمة ستبحث استراتيجية جديدة لمواجهة القضايا التي تواجه الدول الإسلامية، بما في ذلك أسباب عدم قدرته على وضع حد للعدوان الإسرائيلي المتواصل على الشعب الفلسطيني.
القمة المصغرة هي عبارة عن مبادرة صغيرة كما وصفها مهاتير محمد في حفل تعريفي بـ"قمة كوالالمبور 2019"، وهي ليست بديلاً عن منظمات دولية، مثل منظمة التعاون الإسلامي.
وقال مهاتير إنها ستسلط الضوء على مشاكل العالم الإسلامي، وتقترح حلولاً لها. وأبدى رغبته في أن يدعم المسلمون هذه المبادرة، ليتمكنوا من توصيل رسالة إلى العالم، حسب وكالة الأناضول.
"450 من القادة والمفكرين والمثقفين من العالم الإسلامي سيشاركون في القمة، التي ستتمحور حول دور التنمية في الوصول إلى السيادة الوطنية"
وعن أسباب اختيار خمس دول فقط، لفت مهاتير إلى أن تركيا وباكستان وقطر وإندونيسيا وماليزيا، لديها هواجس ومشاكل مشتركة، لذلك ستشكل النواة المؤسِّسة للقمة. وأضاف "لقد أردنا البداية مع عدد قليل من الدول، لمناقشة مشاكلنا وإيجاد حلول، لذا اخترنا 5 دول".
أسباب ضعف المسلمين
يؤكد رئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد في تصريحات لوكالة الأنباء الوطنية الماليزية "برناما" أن "المسلمين كانوا في الماضي رواداً وخبراء في مجالات العلوم والتكنولوجيا، واكتسبوا شهرة ومجداً لما بذلوه من جهود استفادت منها بقية الحضارات"، لكنه يستدرك قائلاً "بعد عقود، وجد المسلمون أنفسهم في وضع محزن جداً، منهم من طُردوا من بلادهم ووُصفوا بأنهم إرهابيون، وبلادهم متورطة في الحرب والصراع إلى درجة لا يمكن السيطرة عليها، وأصبحوا مستهدفين من قبل الإسلاموفوبيا".
ولهذه الأسباب "تقود ماليزيا مع بعض الدول الإسلامية الأخرى، الجهود المبذولة لإيجاد حلول جديدة، أملاً في استعادة شهرة العالم الإسلامي ومجده من خلال تنظيم قمة كوالالمبور 2019"، إذ وصف مهاتير محمد القمة بأنها "الخطوة الأولى نحو إعادة بناء حضارة إسلامية عظيمة".
وجاء اقتراح عقد القمة بعد نقاش دار بين مهاتير محمد ونظيره الباكستاني عمران خان والرئيس التركي في مدينة نيويورك على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول الماضي، إذ خططوا وقتها لتأسيس قناة تلفزيونية للتغلب على ظاهرة الإسلاموفوبيا ونشر التوضيحات حول دين الإسلام.
"تباحثنا حول المشاكل التي يواجهها العالم الإسلامي والمسلمون، وفي نهاية المطاف، لاحظنا أن العالم يسيء فهم المسلمين، وسوء الفهم هذا يأتي من الدعاية السلبية من هؤلاء الذين لا يؤيدون الإسلام"
وحدة العالم الإسلامي
ترى ماليزيا أنه بتوحيد عقول وقدرات العالم الإسلامي يكمن النهوض بالحضارة الإسلامية التي كانت موجودة يوما ما، ويتحقق ذلك بالعمل المشترك بين ماليزيا وتركيا، وبالتعاون مع باكستان ودول إسلامية أخرى في الوقت ذاته، حسب تصريحات لمهاتير محمد في مؤتمر صحفي عقده مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في أنقرة، إذ قال إنه على هذه البلدان الإسلامية أن تكون جميعها متطورة، وينبغي على دولة ما أن تحقق هذا الهدف، مرشِّحا تركيا لتتولى هذا الأمر.
وأبدت السفيرة التركية لدى ماليزيا مروة صفاء قواقجي سعادتها لكون تركيا جزءاً من تلك المبادرة، وقالت "نحن، باسم دولة تركيا، نرحب بالمبادرة التي تتخذها ماليزيا لجمع رؤساء الحكومات والعلماء من شتى أرجاء العالم الإسلامي لمناقشة قضايا مختلفة والبحث عن سبل حل وأهداف".
ووصفت السفيرة التركية في تصريحات لوكالة الأنباء الوطنية الماليزية، قمة كوالالمبور بأنها منصة رئيسية للمسلمين لمناقشة أجندة دولية مهمة وضرورية.
وسبق لتركيا أن أولت أهمية كبرى للنهوض بالعالم الإسلامي بالتعاون مع ماليزيا، إذ صرح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قائلاً "في إطار شراكتنا الحوارية مع رابطة دول جنوب شرق آسيا، نولي أهمية كبيرة لماليزيا، لأننا نتبنى مواقف مشتركة حيال العديد من القضايا أهمها القضية الفلسطينية ومعاناة مسلمي الروهينغيا في ميانمار، وسنعزز تعاوننا مع ماليزيا لإيجاد حلول لتلك الأزمات".
ولا تختلف وجهة نظر باكستان بشأن توحيد الأمة الإسلامية والنهوض بها مجدداً، إذ ردت وزارة الخارجية الباكستانية على المبادرة التي طرحها رئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد، خلال زيارته لأنقرة، وقال وزير الخارجية شاه محمود قريشي، في تغريدة نشرها على تويتر "أرحب ترحيباً حاراً بالمبادرة التي تدعو ماليزيا وتركيا وباكستان إلى التعاون، من أجل النهضة الإسلامية وتوحيد العالم الإسلامي".
واعتبر وزير الخارجية الباكستاني أن "المبادرة الثلاثية مهمة وسوف تقطع شوطاً طويلاً في تعزيز الوحدة والتعاون والتنمية في جميع أنحاء العالم الإسلامي".
ومنذ زمن تحاول بعض الدول الإسلامية مواجهة التحديات والنهوض بالأمة، عن طريق مبادرات طموحة، إذ سبق وقررت دولة قطر تنفيذ مبادرة بالاشتراك مع ماليزيا وتركيا، تهدف إلى إنشاء 3 مراكز مالية عالمية تشمل الدوحة وإسطنبول وكوالالمبور، لتغطية جميع المعاملات المالية الإسلامية حول العالم.
ويتولى المركز المالي في قطر مسؤولية التمويل الإسلامي في الشرق الأوسط، فيما تهتم تركيا بالتمويل في أوروبا، وتركز ماليزيا على قارة آسيا، حسب اتفاق جرى التوصل إليه بين الدول الثلاث، إذ تبلغ قيمة الاستثمار بالمراكز المالية الثلاثة تريليوني دولار، وفق ما ذكرته مجلة "نيكيا" الآسيوية.
فلسطين.. العامل المشترك
تشغل فلسطين أولوية كبيرة في هذه القمة، ويتبنى قادة الدول المشارِكة موقفاً مناصراً للشعب الفلسطيني وحقوقه.
ومن المقرر أن تخرج هذه القمة بمقترحات حول القضية الفلسطينية، وهذه الجهود ليست بالجديدة على تلك الدول ومواقفها على مستوى العالم، فقد سبق وأقرت الأمم المتحدة، بأغلبية 128 صوتاً، مشروع قرار، قدمته تركيا بصفتها رئيسة لمنظمة التعاون الإسلامي واليمن (نيابة عن المجموعة العربية لدى الأمم المتحدة)، يؤكد اعتبار مسألة القدس من قضايا الوضع النهائي، التي يتعين حلها عن طريق المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وفقاً لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة.
وجاء هذا القرار الذي كان بمبادرة من تركيا بعد إعلان الرئيس الأمريكي، دونالد ترمب اعتراف بلاده بالقدس المحتلة عاصمة مزعومة لإسرائيل القائمة بالاحتلال، والاستعداد لنقل السفارة الأمريكية إليها، في 6 ديسمبر/كانون أول الجاري، وسط تنديد ورفض عربي ودولي.
كما سبق وأثار خطاب الرئيس التركي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بخصوص القضية الفلسطينية تفاعلاً كبيراً، ولقي ترحيباً فلسطينياً وعربياً، وحمل أردوغان خارطة فلسطين خلال خطابه موضحاً تلاشيها بسبب سياسة الاستيطان، قائلاً "حدود إسرائيل تتوسع على حساب فلسطين، وقد وصلنا إلى درجة انعدام حدود فلسطين، وإسرائيل لم تشبع بعد".
ولم يتوقف الرئيس التركي عن دعم القضية الفلسطينية وتسليط الضوء على معاناة الفلسطينيين وفضح الممارسات الإسرائيلية بحقهم، مذ كان رئيساً للوزراء في تركيا، بدءاً من انسحابه من منتدى دافوس الاقتصادي عام 2009 إثر مشادة حادة مع الرئيس الإسرائيلي على خلفية أحداث غزة، متهماً إسرائيل بقتل الفلسطينيين، وصولاً إلى مواقفه الراهنة التي يدافع فيها عن حقوق الشعب الفلسطيني.