في خطوة مفاجئة، أعلن الجنرال الليبي الانقلابي خليفة حفتر موافقته على استئناف إنتاج وتصدير النفط الذي تسيطر المليشيات التابعة لحفتر على حقوله منذ يناير/كانون الثاني الماضي، لكنه في الوقت نفسه جدّد تمسكه برفض جميع المبادرات السياسية لحل الأزمة الليبية.
ورقة سياسية
بعد ساعات من إعلان المؤسسة الوطنية للنفط الليبية (رسمية) اعتراضها على "تسييس القطاع النفطي واستخدامه كورقة مساومة لتحقيق مكاسب سياسية"، أعلن حفتر الجمعة في كلمة متلفزة، أنه "تقرر استئناف إنتاج وتصدير النفط مع كامل الشروط والتدابير الإجرائية اللازمة التي تضمن توزيعاً عادلاً لعائداته المالية".
واستدرك بأن ذلك سيحدث "مع ضمان عدم توظيفها (عائدات النفط) لدعم الإرهاب أو تعرضها لعمليات السطو والنهب، كضمانات لمواصلة عملية الإنتاج والتصدير".
وجدد حفتر في كلمته التشديد على موقفه الرافض لجميع مبادرات حل الأزمة الليبية، في إشارة إلى تمسكه بالتصعيد العسكري، دون التطرق إلى مبادرة وقف إطلاق النار التي تسود البلاد منذ نحو شهر.
وزعم أن "جميع المبادرات التي أُعلِن عنها سابقاً لحل الأزمة انتهت بالفشل الذريع، تلك المبادرات التي أُعلِن عنها تحت شعارات التسوية الشاملة، ركّزت على تقاسم السلطة دون اهتمام بالمواطن"، مؤكداً أنه "لا تفريط في المكاسب التي دفع الجنود أرواحهم ثمنًا لها. سنقاتل من أجل الحفاظ على وحدة ليبيا ولا نتردد في تقديم التنازل بكامل الثقة والرضا في ما دون ذلك".
في الوقت الذي تجتمع فيه الأطراف الليبية المسؤولة في حوار سلمي (بالمغرب) تسيره الأمم المتحدة، تشعر السفارة الأمريكية بالارتياح حول ما يبدو أنه اتفاق ليبي سيادي لتمكين المؤسسة الوطنية للنفط من استئناف عملها الحيوي وغير السياسي
ومنذ إغلاق حقول ومنشآت نفطية شرقي ليبيا، على أيدي مليشيات وعشائر موالية لحفتر المدعوم من روسيا والإمارات، في 17 يناير/كانون الثاني الماضي، تراجع إنتاج البلاد من الخام إلى أقل من 100 ألف برميل يومياً، متراجعاً من نحو 1.2 مليون برميل يومياً قبل الإغلاق.
وبخصوص ملابسات الإعلان الأخير لحفتر، أشارت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية إلى محادثات سرية جرت بينه وبين نائب رئيس المجلس الرئاسي الليبي أحمد معيتيق، موضحة في تقرير لها أن "حفتر وافق على الدخول في تلك المباحثات فقط بعد فشل حملته العسكرية في الاستيلاء على طرابلس" مقر حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دولياً.
على الرغم من ذلك لم تلقَ المباحثات المذكورة، على ما يبدو، استحساناً من المؤسسة الوطنية للنفط التي طالب رئيسها مصطفى صنع الله بإنهاء "المفاوضات غير المجدية التي لا تهدف إلا إلى تحقيق مكاسب سياسية محدودة"، وفقاً لما نقلته عنه "واشنطن بوست".
انخفاض أسعار النفط
أعقب إعلان حفتر عزمه فك الحصار الذي تفرضه مليشياته على حقول ومنشآت نفطية ليبية منذ نحو تسعة أشهر، انخفاض كبير في أسعار النفط العالمية، فبعد دقائق من كلمته، عكست أسعار الخام اتجاهها نحو الهبوط لتخسر نحو 1.5%، بعدما كانت حققت مكاسب تراوحت بين 0.5 و1% منذ بدء تعاملات اليوم.
وبحلول الساعة 12:00 بتوقيت غرينتش، هوت عقود خام برنت القياسي لبحر الشمال، تسليم نوفمبر/تشرين الثاني بمقدار 75 سنتاً، بنسبة 1.73%. وهبطت عقود خام غرب تكساس الوسيط الأمريكي، تسليم أكتوبر/تشرين الأول، بمقدار 61 سنتاً أو بنسبة 1.5%.
وكان الخامان القياسيان ارتفعا في وقت سابق من الجلسة، بأكثر من واحد بالمئة، مستفيدين من تزايد مخاوف نقص المعروض في الأسواق العالمية، وتعطّل نحو ربع إنتاج الخام في خليج المكسيك بسبب العاصفة "سالي" التي تقترب من السواحل الجنوبية والجنوبية الشرقية للولايات المتحدة.
في السياق نفسه، حذّر تقرير نشرته وكالة بلومبرغ الأمريكية حول إعلان حفتر، من أن الإمدادات النفطية الليبية المرتقبة ستدخل السوق في وقت صعب، إذ قد تتسبب تلك الإمدادات في انخفاض كبير في أسعار النفط، في وقتٍ يحاول فيه القطاع التعافي من الركود الكبير الذي تسبب فيه وباء كورونا، فضلاً عن عوامل أخرى.
على الرغم من ذلك لفت التقرير إلى أن ليبيا التي تمتلك أكبر احتياطيات نفطية في إفريقيا، "قد تواجه صعوبات في الوصول إلى معدلات إنتاجها السابقة، بسبب تدهور صناعتها النفطية وإهمال عمليات الصيانة" على مدار السنوات التسع الأخيرة التي شهدت خلالها البلاد حرباً أهلية طاحنة، عقب الثورة الشعبية التي أطاحت بنظام معمر القذافي في 2011.
ضغوط أمريكية؟
يأتي إعلان حفتر استئناف إنتاج وتصدير النفط، بعد أيامٍ من إعلان السفارة الأمريكية في ليبيا أن الجنرال الانقلابي أبلغ واشنطن التزامه الشخصي إنهاء الإغلاق النفطي، لافتة في بيان أصدرته الخميس، إلى أن قيادة مليشيات حفتر "نقلت إلى الحكومة الأمريكية التزامه الشخصي السماح بإعادة فتح قطاع الطاقة بالكامل في موعد أقصاه 12 سبتمبر/أيلول".
وذكر البيان أنه "في الوقت الذي تجتمع فيه الأطراف الليبية المسؤولة في حوار سلمي (بالمغرب) تسيّره الأمم المتحدة، تشعر السفارة الأمريكية بالارتياح حول ما يبدو أنه اتفاق ليبي سيادي لتمكين المؤسسة الوطنية للنفط من استئناف عملها الحيوي وغير السياسي"، مشيراً إلى مراسلات مع حفتر وقادة ليبيين.
في هذا الصدد قال الباحث السياسي جمال عبد المطلب لـTRT عربي، إن "المجتمع الدولي ضاق ذرعاً بتصرفات خليفة حفتر"، معتبراً أن البيان الأمريكي يأتي في هذا السياق، لا سيما وأن "ليبيا لا تمتلك موارد أخرى غير النفط"، مشيراً إلى عوامل أخرى مثل المظاهرات التي شهدتها المنطقة الشرقية مؤخراً بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية.
على صعيدٍ آخر، لا يأتي بيان السفارة الأمريكية بمعزلٍ عن الضغوط المستمرة التي تمارسها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب على الدول الغنية بالنفط، من أجل زيادة إنتاجها.
ففي مايو/أيار الماضي نشرت وكالة بلومبرغ الأمريكية مقالاً للكاتب الصحفي بوبي غوش، قال فيه إن ترمب هدّد ولي العهد السعودي في محادثة هاتفية في أبريل/نيسان الماضي، بأنه سيسحب جميع القوات الأمريكية من السعودية ويتركه وحيداً أمام ضغوط الكونغرس، "حال لم يستجب لمطالبه" بخفض إنتاج المملكة من النفط. وأشار غوش في مقاله إلى أنه "لم تمضِ على المكالمة 10 أيام، قبل أن تتفق السعودية مع روسيا على إنهاء حرب الأسعار وبدء خفض الإنتاج".