خلال سنوات من الحرب الطاحنة في اليمن التي أدخلت أكثر من 20 مليون يمني في دائرة الفقر والمجاعات، تكشّفت العديد من الانتهاكات والجرائم للدول المشاركة في الحرب، وأماطت تقارير دولية اللثام عن تورط أطراف إقليمية بانتهاكات جسيمة للقانون الدولي.
الإمارات من بين الدول التي كان لها حظ وافر من الانتهاكات لحقوق الإنسان وجرائم التعذيب والإخفاء القسري كما كشفت تقارير منظمات حقوقية، مستغلة عضويتها في التحالف العسكري الذي تقوده السعودية في اليمن منذ عام 2015.
وقُدرت حصيلة القتلى المدنيين جراء الحرب المستمرة هناك منذ عام 2015 بعشرات الآلاف، أي أكثر بكثير مما تظهره الأرقام الرسمية، حسب تصريحات عضو الفريق الأممي المعني برصد انتهاكات حقوق الإنسان باليمن ميليسا باركي لوكالة الأناضول، والتي أكدت توثيق حالات تعذيب واغتصاب تورطت فيها الإمارات والقوات التي تدعمها.
آخر الانتهاكات الإماراتية في اليمن، ما كشفته صحيفة "لوموند" الفرنسية عن وجود سجن سري في قاعدة عسكرية أقامتها الإمارات منتصف عام 2017 على جزء من حقل للغاز جنوبي اليمن، متسترة بمجموعة توتال الفرنسية لتكون جزءاً منه.
سجن في حقل غاز
السجن الإماراتي الذي كشفت عنه صحيفة "لوموند" الفرنسية يقع في قاعدة عسكرية أقامها الإماراتيون على جزء من حقل لاستخراج الغاز في مدينة بلحاف جنوب اليمن، والذي جرت السيطرة عليه بطلب من الحكومة اليمنية.
وأكد تقرير صدر عن ثلاث منظمات غير حكومية (مرصد التسلح وسموفاس وأصدقاء الأرض) أن الموقع يضم مصنعاً للتسييل ومحطة لتصدير الغاز الطبيعي المسال، ولكنه توقف عن العمل في 2015 بسبب الحرب في اليمن.
وقالت المنظمات في التقرير إنه "حسب مصادر متاحة وشهادات، فإن السجن يؤوي منذ 2016 مليشيا قوات النخبة في شبوة، تحت إشراف الإمارات، والشهادات تتحدث عن معاملات غير إنسانية ومهينة تتمثل في الحرمان من الرعاية والتعذيب، ارتكبها جنود إماراتيون".
وأشار إلى أن "الأشخاص المسجونين فيه متهمون بصورة عامة بالانتماء إلى تنظيم القاعدة في جزيرة العرب" بالاستناد "غالباً إلى شبهات لا أساس لها أو إلى انتقام شخصي".
توتال الفرنسية تتستر
تستغل الموقع الذي يوجد فيه السجن الإماراتي، الشركة اليمنية للغاز الطبيعي المسال التي تملك توتال 39.6% منها، بالإضافة لشركات أمريكية وكورية.
وتنصلت مجموعة توتال الفرنسية في بيان لها من القضية، قائلة "لا معلومات محددة لديتا لناحية استخدام التحالف العسكري للجزء الذي نملكه" و "لا سلطة لنا على الشركة اليمنية التي تستغله".
ولم يعفِ تنصل الشركات الأجنبية من مسؤوليتها وجود جريمة ترتكبها الإمارات التي تدير 18 سجناً سرياً جنوبي اليمن، حسب ما كشفته صحيفة لوموند، التي أشارت إلى مشاركة محققين أمريكيين داخل هذه السجون في استجوابات لسجناء يمنيين، نُقل بعضهم إلى السعودية أو الإمارات.
"دولة الإمارات تعذب جميع المعتقلين بمن في ذلك النساء، كما يعتدون جنسياً على المعتقلين، ونوثق حالات اغتصاب نفذتها القوات المدعومة إماراتياً"
كما كشف تقرير آخر لوكالة أسوشيتد برس الأمريكية وفي يونيو/حزيران 2018 تعرّض المئات من المعتقلين اليمنيين للتعذيب والانتهاكات الجنسية من قبل ضباط إماراتيين في سجن سري.
وحذّر رئيس المكتب السياسي لمجلس الحراك الثوري فادي حسن باعوم، في حديث لـTRT عربي، من خطورة "الانتهاكات التي تمارسها الإمارات والسعودية في مدن الجنوب"، معتبراً أن "خطف الرياض وأبوظبي النشطاء السياسيين والزجّ بهم في سجون سرية، جريمة يجب ملاحقة مرتكبيها، ومنع تكرارها بكل السبل المتاحة".
وكشف باعوم في سبتمبر/أيلول الماضي عن "عمليات تعذيب طالت قيادات من المجلس الثوري، في سجون تديرها الإمارات والسعودية في مدن الجنوب"، ولفت إلى أن "السبب فقط يكمن في انتقاد سياسات التحالف على مواقع التواصل الاجتماعي، أو المشاركة في وقفات تضامنية سلمية مع المعتقلين".
"جرائم حرب محتملة"
قالت ميليسا باركي، عضو الفريق الأممي المعني برصد انتهاكات حقوق الإنسان باليمن، إن العدد الحقيقي للقتلى المدنيين الذين سقطوا نتيجة مباشرة للمعارك يقدر بعشرات الآلاف "وهناك ملايين آخرون ممن تضرروا بشكل غير مباشر نتيجة الصراع، وشمل ذلك تعرضهم للمجاعات، وحرمانهم من المساعدات الإنسانية، فضلاً عن صعوبة حصولهم على الخدمات الصحية".
وأوضحت باركي أن هناك 24.1 مليون يمني (80% من السكان) بحاجة عاجلة للمساعدات من أجل البقاء على قيد الحياة، مضيفة أن قصف قوات التحالف لمركز علاج الكوليرا التابع لمنظمة "أطباء بلا حدود" يمكن اعتباره جريمة حرب محتملة.
ويوجد مراكز اعتقال سرية يصعب الوصول إلى بعضها، حسب المسؤولة الأممية التي أشارت إلى أن الإمارات لديها مثل هذه الأنشطة لا سيما جنوبي اليمن.
في السياق ذاته، انتقد التقرير الحقوقي السنوي الذي تصدره الخارجية الأمريكية، وترصد فيه واقع حقوق الإنسان في مختلف الدول عبر العالم، سجلّ السعودية والإمارات في حرب اليمن.
من جانبهم، أشار محققو الأمم المتحدة الذين عينهم مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في عام 2017، في تقرير إلى "جرائم حرب" محتملة مع انتهاكات فظيعة لحقوق الإنسان بما في ذلك أعمال قتل وتعذيب وعنف جنسي في اليمن، حسب وكالة فرانس 24.
ولا تقتصر جرائم الحرب التي ارتكبتها الإمارات في اليمن على المعارضين والمدنيين، بل طالت عناصر الجيش اليمني، إذ أكدت منظمة "رصد" للحقوق والحريات اليمنية أن "دولة الإمارات ارتكبت انتهاكات تصنف كجرائم حرب لن تسقط بالتقادم، ضد عناصر الجيش اليمني بعد قصفهم بالطائرات بمدينتي عدن وأبين، وقتلها للمئات من الجنود".
ومما يؤكد انتهاكات الإمارات في اليمن، شهادة المعتقل السابق لدى الإمارات في سجون عدن، عادل سالم الحسني، الذي قال في منتصف سبتمبر/أيلول الماضي إن "كل ما أورده التقرير الدولي عن انتهاكات الإمارات في السجون صحيح"، لافتاً في حديث لــTRT عربي، إلى أنه "ظل في سجن تديره الإمارات في عدن ما يقارب عامين، مارس ضدّه ضباط إماراتيون شتّى أنواع التعذيب".
وأضاف الحسني أنه "رأى معتقَلين في سجن بئر أحمد ينزفون دماً بعد تحرُّش ضباط إماراتيين بهم بآلات حديدية"، مشيراً إلى أن "الفريق الدولي لم يتمكن من رصد كل السجون السرية التابعة للإمارات والسعودية في مدن الجنوب. ومن تلك السجون سجن بئر أحمد والجلاء وقاعة وضاح، ومنزل مدير أمن عدن شلال شايع، وسجن 7 أكتوبر والوحدة، إضافة إلى سجن مطار الريان".
وكانت القيادة العامة للقوات المسلحة في الإمارات أعلنت الشهر الماضي، سحب عناصرها من مدينة عدن اليمنية وتسليمها للقوات السعودية، بعد سنوات من التدخل والانتهاكات التي خلّفت "ذكريات سوداء وجروحاً غائرة" في قلوب اليمنيين.