لم تكد تمضي ساعات عدة على تنفيذ الجيش في ميانمار انقلاباً عسكرياً، اعتقل خلاله كبار قادة الدولة من بينهم رئيس البلاد وين مينت وزعيمة حزب“الرابطة الوطنية للديمقراطية” الحاكم أونغ سان سوتشي ومسؤولون كبار آخرون، حتى أعلن في بيان تنصيب القائد العام للقوات المسلحة مين أونغ هيلانغ حاكماً عسكرياً للبلاد.
وأعلن الجيش في بيانه أنه "يتعهد بإجراء جولة جديدة من الانتخابات وتسليم السلطة للفائز بها“. فيما قال الحاكم العسكري الجديد إن الجيش“سيكشف بوضوح كل المخالفات وعمليات التزوير التي شهدتها الانتخابات الأخيرة التي جرت في 8 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، على أن يتخذ الإجراءات بهذا الشأن في وقت لاحق".
وذكرت وسائل إعلام مقربة من الجيش في ميانمار أن الجيش قرر العمل على مدار عام، وإعلان حالة الطوارئ بموجب دستور البلاد لعام 2008.
وكانت تصريحات لقيادة الجيش، عقب الانتخابات العامة التي جرت في البلاد في 8 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي أثارت جدلاً واسعاً، إذ قال الجيش إن الانتخابات شابتها الكثير من المخالفات، فيما هدد مين أونغ هيلانغ بإلغاء دستور البلاد.
ويعتبر مين أونغ هيلانغ الرجل القوي في البلاد التي تعيش صراعات كثيرة وأوضاعاً اقتصادية متردية، ويواجه الرجل عقوبات أمريكية ودولية بسبب جرائم الإبادة التي يرتكبها الجيش تحت قيادته بحق أقلية الروهينغيا المسلمة.. فمن هو الحاكم العسكري الجديد لميانمار؟
جرائم إبادة
يعرف قائد الانقلاب وقائد الجيش في ميانمار الجنرال مين أونغ هيلانغ (الحاكم العسكري)، الذي تسلم اليوم مقاليد السلطة، بأنه متهم بارتكاب “فظائع” ضد مسلمي الروهينغيا.
كما أنه مدرج على قائمة العقوبات الأمريكية منذ ديسمبر/كانون الأول 2019، وذلك على خلفية انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان ضد الروهينغيا في البلاد، وهم أقلية مسلمة يعيشون في ميانمار ذات الغالبية البوذية، بحسب ما ذكرت شبكة "CNN" الأمريكية.
وكان محققون من الأمم المتحدة دعوا مين أونغ هيلانغ إلى الاستقالة، وإلى ملاحقته مع خمسة قادة عسكريين آخرين أمام القضاء الدولي بتهم تتضمن ارتكاب جرائم "إبادة" بحق أقلية الروهينغيا المسلمة.
وفر نحو 700 ألف من الروهينغيا من ولاية راخين الشمالية إلى بنغلاديش بعدما أطلقت بورما حملة أمنية عنيفة في أغسطس/آب العام الماضي ضد مجموعات متمردة ضمن الأقلية، وسط تقارير تحدثت عن وقوع عمليات حرق وقتل واغتصاب بأيدي الجنود الحكوميين وعصابات في البلد الذي يشكل البوذيون غالبية سكانه.
ونفت السلطات البورمية بشدة الاتهامات لها بالتطهير العرقي، مصرة على أن ما قامت به هو مجرد رد على الهجمات التي شنها متمردون من الروهينغيا. لكن بعثة تقصي حقائق تابعة للأمم المتحدة أكدت أنه"يجب التحقيق بشأن كبار جنرالات الجيش البورمي، بمن فيهم القائد الأعلى للجيش وكبير الجنرالات مين أونغ هيلانغ، وملاحقتهم قضائياً بتهم الإبادة الجماعية شمال ولاية راخين".
ودعت البعثة إلى التحقيق بشأن المسؤولين ومقاضاتهم كذلك بتهم ارتكاب"جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب "ضد الروهينغيا في راخين، وضد أقليات أخرى في شمال ولايتي كاشين وشان. واعتبرت أن تكتيكات الجيش البورمي كانت "غير متكافئة بشكل كبير مع التهديدات الأمنية الفعلية".
وذكر المحققون اسم مين أونغ هيلانغ وخمسة قادة عسكريين آخرين كبار، مشيرين إلى إمكانية مشاركة لائحة أطول من الأسماء مع"أي هيئة مؤهلة وذات مصداقية تسعى إلى المحاسبة بشكل يتوافق مع النظم والمعايير الدولية".
هجوم مستمر على الروهينغيا
ويعتبر مين أونغ هلاينغ أن أقلية الروهينغيا المسلمة طارئة ولا جذور لها في بلاده، ولطالما دعا مواطنيه للاتحاد لمواجهة هذه "القضية"، ومواجهة الاتهامات الموجهة لجيشه بارتكاب تطهير منهجي ضدها.
وكرر الجنرال هلاينغ هذه النظرية في تعليقات نشرها على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، حيث كتب فيما مضى قائلاً: "يطالبون بالاعتراف بهم كروهينغيا، الجماعة التي لم تكن يوماً مجموعة إثنية في بلادنا. قضية البنغاليين قضية وطنية ونحتاج إلى الوحدة لجلاء الحقيقة حولها".
ويشار إلى أن شركة فيسبوك كانت أعلنت عن تدابير جديدة لمراجعة المحتوى اللغوي في ميانمار وتحديد المنشورات المسيئة. وحظر موقع فيسبوك 20 شخصاً ومنظمة في أغسطس/آب العام المنصرم، من بينهم الجنرال مين أونغ هلاينغ، وأزال 10 حسابات أخرى في أكتوبر/تشرين الأول. وأمرت الشركة بإجراء تقييم لأثرها في مجال حقوق الإنسان في ميانمار، وتوصّل التقييم إلى أن فيسبوك لم تمنع استخدام المنصة لـ"إثارة الانقسام والتحريض على العنف غير المباشر".
وفي عام 2011 قامت قيادة الجيش في ميانمار، وعلى رأسها الجنرال هلاينغ، بحل المجلس العسكري والسماح بإجراء انتخابات فاز بها حزب الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية بزعامة أونغ سان سو تشي، الذي شكل الحكومة في أبريل/نيسان عام 2016.
وكتبت صحيفة الغارديان البريطانية في افتتاحية لها مؤخراً: "ليس بوسع أونغ سان سو تشي وقف الفظائع بأمر منها، فالجيش يتحكم في المؤسسات الرئيسية وأهمها الأمن، وبالرغم من فوزها في الانتخابات فإن الزعيمة التي وصلت إلى السلطة وسلاحها الوحيد موقفها الأخلاقي يجب عليها استخدامه مرة أخرى في قضية حقوق إنسان كانت تقول إنها تحارب لأجلها".
وأضافت الصحيفة قائلة: "وبإمكان أونغ سان سو تشي تشكيل الرأي العام في ميانمار، وبأن توجهه نحو وقف العسكر عند حدهم، وبإمكانها أن تضغط على القوى الدولية للضغط على الجيش".
وتضيف: "قد تكون ساعدت على حماية الجيش من المساءلة بعباءة الفضيلة التي ترتديها، والخطر هو أن تقصيرها قد يشتت الانتباه، وليس لدى قائد الجيش هلاينغ مكانة عالية يسقط منها فقليلون من يعرفون اسمه، لكن يجب أن يعرف اسمه، إنه الرجل الذي يعطي الأوامر، وتوفر سبل للضغط على الجيش أمر ضروري".
وأكدت الغادريان "أن على أونغ سان سو تشي مسؤولية أخلاقية لحماية الروهينغيا، وهي حاولت تجنب هذه المسؤولية غير أنها تمثل جزءاً صغيراً من المشكلة، ومن الحل الذي يبدو بعيد المنال".
عقوبات أمريكية
فرضت وزارة الخارجية الأميركية عقوبات على أربعة من كبار جنرالات دولة بورما (ميانمار)، بمن في ذلك قائد الجيش ونائبه، جراء عمليات القتل الجماعي بحق مسلمي الروهينغيا.
وقال وزير الخارجية مايك بومبيو في بيان إن الأربعة مسؤولون عن "الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان"، التي تشمل عمليات قتل خارج نطاق القضاء ضمن حملة تطهير عرقي ضد الروهينغيا في ولاية راخين شمالي بورما.
وتمنع العقوبات أولئك المستهدفين وعائلاتهم المباشرة من السفر إلى الولايات المتحدة، وهم القائد الأعلى مين أونغ هيلانغ، ونائبه سوي وين، ومرؤوسان اثنان يعدان مسؤولين عن الانتهاكات.