في كل مرة يخرج فيها المتظاهرون الجزائريون إلى الشارع، يجددون رفضهم لانتخابات من المقرر أن يشارك فيها مرشحون لهم علاقة بنظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، ومع بدء العد التنازلي لموعد الانتخابات الرئاسية، يصر المحتجون على رفض إجرائها في في ظل وجود فساد كبير في السلطة.
وخرج آلاف الجزائريين إلى شوارع العاصمة الجزائرية للمطالبة برحيل رموز نظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، وبمحاربة الفساد، ورفضاً للانتخابات الرئاسية، وسط انتشار أمني مكثف.
ويتزامن حراك يوم الجمعة الـ37 مع الذكرى الخامسة والستين للثورة، من أجل انتزاع "استقلال جديد" من النظام الحاكم منذ استقلال البلاد عن الاحتلال الفرنسي في 1962.
واندلعت الحركة الاحتجاجية بعد ترشيح الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة لولاية خامسة رغم مرضه الذي أفقده القدرة على الحركة والكلام، وبعد دفعه لعدم الترشح ثم إلى الاستقالة في الثاني من أبريل/نيسان لم تتراجع الاحتجاجات واستمرت لتطالب برحيل كل رموز النظام الحاكم منذ 1962.
وخلال الصيف والعطل المدرسية تراجعت أعداد الحشود، لكنها عادت بقوة مع بداية سبتمبر/أيلول لتبلغ ذروتها بمناسبة تظاهرة اليوم، حسب وكالة الصحافة الفرنسية.
كما يرفض المحتجون الانتخابات الرئاسية المقررة في 12 كانون الأول/ديسمبر لاختيار خلف لبوتفليقة الذي استقال تحت ضغط الشارع والجيش.
ضغط عسكري
المحتجون أعلنوا رفضهم إجراء انتخابات في ظل النظام القائم، بعد إعلان الرئيس الجزائري المؤقت عبد القادر بن صالح أن الانتخابات الرئاسية ستُجرى في الثاني عشر من ديسمبر/كانون الأول المقبل.
ودعا بن صالح في كلمة لهالجزائريين إلى "جعل الانتخابات عرساً وطنياً والاستعداد للتصدي لأصحاب النوايا والتصرفات المعادية للوطن"، محذراً من "تقويض حق المشاركة في الاقتراع من خلال التذرع بحرية التعبير والتظاهر".
وأضاف "لا يحق لأيٍّ كان التذرع بحرية التعبير والتظاهر لتقويض حق الآخرين في ممارسة حرياتهم والتعبير عن إرادتهم من خلال المشاركة في الاقتراع"، معتبراً أنه "مهما كانت الظروف، فإن المصلحة العليا للوطن تملي على الدولة الحفاظ على النظامِ العام والقوانين ومؤسسات الدولة والسهر على أمنِ واستقرارِ البلاد"، حسب وكالة الأنباء الجزائرية.
الجيش سيرافق الشعب لغاية إجراء الانتخابات الرئاسية، لأن هذا المسعى الوطني النبيل نابع من الإدارة الشعبية التي تعني كافة فئات الشعب باستثناء العصابة ومن سار في فلكها
المعارضة ترفض الانتخابات
تصريحات قائد الأركان جاءت بعد تعالي أصوات سياسيين معارضين، وجانب من الحراك الشعبي، تطالب بتأجيل الانتخابات، بدعوى أن "الظروف غير مواتية لإجرائها في هذا التاريخ".
وتصر السلطة على المضي قُدماً في هذه الانتخابات مقلّلة من أهمية التظاهرات الاحتجاجية، كما فعل رئيس الدولة الموقت، عبد القادر بن صالح لدى لقائه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قبل أسبوع، عندما وصف المتظاهرين بـ"بعض العناصر".
وجاءت المظاهرات رداً على الفريق أحمد قايد صالح رئيس أركان الجيش والرجل القوي في الدولة منذ استقالة بوتفليقة، الذي أكد أن الشعب الجزائري ولا سيما الشباب "مصمم على الذهاب إلى إجراء الانتخابات الرئاسية".
ويخالف هذا التأكيد الشعارات التي يرفعها المحتجون كل يوم جمعة وفي تظاهرات الطلاب كل يوم ثلاثاء، والتي وصفوا فيها السلطة بـ"العصابات" ورفعوا شعار "ارحل قايد صالح لن تكون انتخابات هذه السنة".
وتضاعف عدد المشاركين في المظاهرات الرافضة للانتخابات بعد أن دعت المعارضة عبر مواقع التواصل الاجتماعي إلى مظاهرة كبيرة في ذكرى انتفاضة عام 1954 ضد الاحتلال الفرنسي، والتي كانت بداية كفاح وطني من أجل الاستقلال لا يزال من شاركوا فيه يهيمنون على مقاليد السياسة في البلاد.
وتستعد المعارضة، التي ليس لها قيادة إلى الآن، لاختبار قوة مع السلطات بعد أن رفضت قرار إجراء انتخابات الرئاسة في ديسمبر كانون الأول. ويرى الجيش أن انتخابات الرئاسة هي الطريقة المثلى لإنهاء المأزق السياسي في البلاد، حسب وكالة رويترز.
وتباينت مواقف المعارضة الجزائرية من تغيير النظام الانتخابي، فمنهم من رأى أن الظروف باتت ملائمة للذهاب نحو انتخابات، وبين من انتقد القرار ووصفوه بـ"المتعجّل" منتقدين الذهاب إلى الاقتراع الرئاسي قبل نهاية 2019، دون تغيير الحكومة.
وتطالب الطبقة السياسية المعارضة غير المنخرطة في مشروع "الفترة الانتقالية والمجلس التأسيسي"، بإجراءات تهدئة قبل موعد الرئاسيات منها "رحيل الحكومة، إطلاق سراح السجناء الذين تم اعتقالهم خلال المسيرات الشعبية"، في المقابل، ترفض المعارضة الراديكالية التي تنادي بمرحلة انتقالية ومجلس تأسيسي فكرة الانتخابات، وتدعو للتعبئة الشعبية من أجل "إسقاطها"، حسب وكالة الأناضول.
وقال رئيس الحكومة الأسبق، علي بن فليس، الذي يترأس حزب طلائع الحريات، وعرف بكونه الغريم التقليدي للرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة، في بيات له فور صدور القانونين في الجريدة الرسمية، إن "شروط إجراء الانتخابات باتت متوفرة".
بينما علق السياسي المعارض ووزير الاتصال الأسبق عبد العزيز رحابي على استدعاء الهيئة الناخبة بالقول إن "القرار كان مفاجئاً لأننا كنا نحبذ أن يصدر نتيجة لاتفاق سياسي يأخذ بعين الاعتبار رأي المواطنين، وأن يرفق بإجراءات الثقة والتهدئة".
ويرى رحابي أن الوضع السياسي الراهن "يعاني انسداداً سياسياً استفحلت مظاهره في البلاد"، مشيراً إلى أنه "نتيجة التمسك بأساليب الحكم الفردي، والتعويل في كل مواعيد الاستشارة الشعبية على التزوير والتزييف وإعلان النتائج المفبركة، والتي لم تستطع، على الرغم من كل ذلك، إخفاء عزوف الشعب عـنها، وفقدان الثقة في قدرتها علي تغيير الوضع الذي كان يزداد سوءاً في البلاد عَـقِـب كل مسرحية انتخابية.
مأزق سياسي
يعتقد محللون أن بقاء الوضع على حاله سيفتح الباب أمام عواقب وخيمة على الجزائر، وأن "كل حركة مجتمعية سلمية أو غير سلمية، تتحول إلى هدف للاختراق والتوظيف، وتستخدم من قبل قوى سياسية كورقة مساومة لصالح مشروع ضيق".
ويرى الدكتور محمد طيبي، المختص في علم الاجتماع السياسي، في تصريحات لوكالة الأناضول أن "البلد يعيش مأزقاً سياسياً، وبات معطلاً".
وقال طيبي إن الشعب الجزائري لا يقبل بأن يشكّل مقاطعو الانتخابات عائقاً أمام حل المعضلة". لافتاً إلى أن الطبقة السياسية كلها تبدي "حتى الآن، استعداداً ولو غير معلن للمشاركة في الانتخابات المقبلة".
وتابع "المعارضون سيغيّرون آراءهم عندما يرون خروج المرشحين إلى الشارع لملء استمارات التوكيلات (التزكيات)، وفكرة الانتخابات ستتحول إلى تنافس".
ولفت إلى أن "الرافضين سيحكمون على أنفسهم بالتهميش، وهذا ما لن يقبلوه، وأتوقع أن يقدموا مرشحاً، وفي حال عدم فوزه، فسيقولون إن الانتخابات مزورة".