تتزايد حدة الصراع في إثيوبيا بين الحكومة الفيدرالية وحكومة إقليم تيغراي (شمال)، بعد هجوم "الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي" على حامية للجيش الإثيوبي، الذي أمر رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد بالرد عليه. وزاد الأزمة تعقيداً إجراء الإقليم انتخابات محلية في سبتمبر/أيلول 2020، في تحدٍّ واضح لحكومة آبي أحمد، إذ كانت الأخيرة قررت تأجيل الانتخابات خوفاً من انتشار فيروس كورونا.
ومع تنامي الأزمة، يتوقّع خبراء ومتابعون أن يكون لها تأثير واضح في الجوار الإثيوبي المباشر متمثلاً في السودان، وغير المباشر في مصر، اللذين يشتبكان في خلاف آخَر مع إثيوبيا بشأن بناء الأخيرة سدّ النهضة على منابع النيل.
جذور الأزمة
قبل وصول آبي أحمد إلى السلطة في إثيوبيا عام 2019، كانت السيطرة الكاملة فيها للجبهة الشعبية لتحرير تيغراي (ثالث أكبر عرقية في إثيوبيا بـ7.3% من السكان)، فجاء آبي أحمد ليكون أول رئيس وزراء يقود إثيوبيا من عرقية الأورومو، وهي أكبر عرقية إثيوبية (34.9% من السكان، وتبلغ 108 ملايين نسمة).
ومع إصرار الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي التي تطالب بانفصال الإقليم عن إثيوبيا، على تحدي آبي أحمد، أمر الأخير بشنّ حملة عسكرية ضدها.
تعقيدات المشهد
في تصريح للسفير علي الحفني، نائب وزير الخارجية المصري للشؤون الإفريقية الأسبق، لموقع ذات مصر، قال إن المشهد في إثيوبيا شديد التعقيد، بسبب تعدد القوميات وانعدام القواسم المشتركة بينها، بما ينذر بعدم الاستقرار في المدى القريب، مضيفاً أن الاستقرار في إثيوبيا لا يهمّها وحدها، بل يشمل دول الجوار المباشر كالسودان، وغير المباشر كمصر.
ويوضّح الحفني بأن التيغراي ليست القومية الوحيدة التي تطمح إلى السيطرة على إثيوبيا، فهناك أيضاً قومية الأمهرة ثانية كبرى القوميات الإثيوبية بعد الأورومو، ويستدرك بأن الأزمة ليست فقط سياسية، بل يدخلها عنصر اقتصادي مهمّ، سببه التوزيع غير العادل لعمليات التنمية في المناطق الإثيوبية.
من ناحية أخرى قال الكاتب والمحلل الإثيوبي أنور إبراهيم للأناضول، إن "الحرب الحالية هي تعنُّت من الجانبين، أكثر من كونها صراعاً من أجل قضية محددة، ويمكن تفادي كل ذلك إذا قدمت كلتا الجهتين تنازلاً".
وأضاف أن "الحكومة الإثيوبية زادت الطين بلة بسبب تهور النظام، الذي يعتقد أن كل شيء يُحَلّ عسكريّاً، كما أن تحركات وتحديات حكومة إقليم تيغراي للحكومة الفيدرالية ستكلف الإقليم كثيراً".
وتابع: "أي حرب داخلية لا يوجد فيها منتصر ومهزوم، فسيخسر الجميع، خصوصاً المواطن".
السودان.. قلق حدوديّ وتهدئة سياسية
اضطُرّ السودان الخميس الماضي إلى إرسال تعزيزات عسكرية كبيرة إلى شرقي البلاد، حيث تتجاور ولاية كسلا السودانية مع إقليم تيغراي الإثيوبي موضع الأزمة، بالإضافة إلى إغلاق الولاية مع ولاية القضارف المجاورة لإثيوبيا، تحسُّباً لاحتمالية تدفُّق مقاتلين إثيوبيين إلى السودان عبر الحدود.
وسياسياً، أجرى رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك الأربعاء الماضي، اتصالاً هاتفياً مع نظيره الإثيوبي، للاستفسار والاطمئنان على الأوضاع في إثيوبيا، حسب الأناضول.
وحول الأثر المتوقع لأزمة إقليم تيغراي، في السودان، قال إبراهيم إن "هذه الحرب ستضرّ جميع الأطراف، بما في ذلك دول المنطقة والسودان، على الرغم من إغلاقها حدودها، بغضّ النظر عن المنتصر عسكريًّا".
وقد عبر آلاف الإثيوبيين الاثنين والثلاثاء، إلى داخل الأراضي السودانية هرباً من المعارك الدائرة في إقليم تيغراي، حسب تصريحات مسؤول سوداني لبلومبرغ.
وقال السر خالد، مدير مكتب معتمدية اللاجئين السودانية بمدينة كسلا السودانية الحدودية: "أمس واليوم (الاثنين والثلاثاء) عبر إلى منطقة حمداييت السودانية بمحاذاة ولاية كسلا 2000 إثيوبي، ونتخذ إجراءات حصرهم وتسجيلهم"، مضيفاً أن "500 شخص آخرين بينهم عسكريون عبروا الحدود في منطقة اللكدي بمحاذاة ولاية القضارف".
وأضاف إبراهيم: "ستتضرر دول أخرى مثل إريتريا، ولا بد من تحركات قوية إقليمية ودولية، بخاصة من دول الإيغاد، لوقف هذا الاقتتال وهذه المهزلة".
و"إيغاد" منظمة حكومية إفريقية شبه إقليمية، تأسست عام 1996، مقرها جيبوتي، تضمّ دول القرن الإفريقي (إثيوبيا وكينيا وأوغندا والصومال وجيبوتي وإريتريا والسودان وجنوب السودان).
هل أشعلت مصر فتيل الأزمة؟
قال الرئيس الأمريكي دونالد ترمب يوم 27 أكتوبر/تشرين الأول، خلال مكالمة هاتفية مع رئيس وزراء السودان عبد الله حمدوك، إن "الوضع خطير للغاية لأن مصر لن تكون قادرة على العيش بهذه الطريقة، وسينتهي بهم الأمر بتفجير السد"، وأضاف: "وقد قلتها، وأقولها مجدداً وبصوت عالٍ وواضح، سوف يفجّرون ذلك السد. عليهم أن يفعلوا شيئاً ما".
ورأى متابعون وخبراء أن تصريحات ترمب هو ضوء أخضر لمصر للتدخل العسكري، حلّاً لأزمة سد النهضة بين مصر والسودان من ناحية، وإثيوبيا من ناحية أخرى، حسب bbc.
وأضافت bbc أن فريقاً من المتابعين والخبراء يرى أن "ترمب قد أعطى مصر الضوء الأخضر للحل العسكري، أو أن لديه معلومات بنية مصر المسبقه لتفجير السد".
ولكن فريقاً آخر رأى أن ترمب يريد على العكس توريط مصر في حرب قد تُضعِف جيشها إقليمياً، أو أن مصر لا تملك من الأساس القدرات الكافية عسكرياً لتدمير السدّ.