الخرطوم ـــ حالة من الإحباط والسخط الشديد عاشتها قطاعات واسعة من السودانيين، بعدما تمكّن ناشطون، أخيراً، من نشر مقاطع فيديو وثّقت عملية فض الاعتصام من أمام القيادة العامة، في الثالث من يونيو/حزيران الماضي.
وطوال ثلاثين يوماً، لم يتمكّن رواد مواقع التواصل الاجتماعي في السودان، من نشر مقاطع الفيديو التي رصدت عملية فض الاعتصام، بسبب قطع الإنترنت عن الهواتف النقالة، بقرار من المجلس العسكري الانتقالي، عقب الحادثة مباشرة.
وأعادت شركات الاتصالات في السودان، منتصف الأسبوع، خدمة الإنترنت، بعد صدور حكم قضائي ملزم بإرجاعها إلى المشتركين فوراً.
انتهاكات موثّقة
وأطلق ناشطون حملة في مواقع التواصل لتوثيق مجزرة القيادة العامة، فاستجاب المئات ونشروا مقاطع فيديو – لأول مرة – عن انتهاكات صاحبت عملية فض الاعتصام، حيث لقي أكثر من 120 شخصاً مصرعهم، وأصيب المئات، بينما تعرّضت 12 فتاة للاغتصاب، وفقاً للجنة أطباء السودان المركزية غير الحكومية.
وأشار المحلل السياسي عز الدين المنصور، إلى أن مقاطع الفيديو التي تم نشرها عقب عودة الإنترنت، سيكون لها ما بعدها على المشهد السياسي والاحتجاجي في السودان.
وقال المنصور في حديثه مع TRT عربي، إن التداول الكثيف لتلك المقاطع قاد لبروز حالة من الغضب لدى كثير من السودانيين، لكونها أظهرت انتهاكات وفظائع من قبل القوة التي نفّذت عملية فض الاعتصام تجاه المعتصمين والمعتصمات.
وأضاف: لن يمر الأمر بسهولة، وسيعزز الجفوة والخصومة السياسية بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير، وربما نشهد حالة من الجفوة بين الثوار وقوى الحرية، حال صمتت تجاه تلك الفظائع والانتهاكات الموثّقة.
وبدوره، قطع أستاذ القانون بالجامعات السودانية فاروق عبد العزيز، بأن مقاطع الفيديو أظهرت هوية الجنود الذين قاموا بعملية فض الاعتصام بصورة وحشية، ودللت على أنهم يتبعون قوات الدعم السريع التي يقودها نائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي الفريق أول محمد حمدان حميدتي.
وقال عبد العزيز لـTRT عربي، إن ما تم نشره يعتبر ضمن البيّنات المبدئية والشواهد الأولية التي يمكن تطويرها قضائياً من خلال تحريك إجراءات قانونية، ضد العناصر الذين ظهروا في مقاطع الفيديو، لتحديد المسؤوليات الجنائية والسياسية، بما في ذلك دور القادة العسكريين.
وكان قادة المجلس العسكري أنكروا أيّة صلة لهم بفض الاعتصام، وقالوا إن القوات التابعة للمجلس تم تكليفها بتنظيف منطقة كولومبيا القريبة من محيط الاعتصام، لمنع ترويج وتعاطي الممنوعات، وأشاروا إلى أن بعض الضباط أعطوا التعليمات للجنود بالدخول لساحة الاعتصام وتفريق المعتصمين دون علمهم.
توثيق من الداخل
الانتهاكات التي حدثت خلال عملية فض الاعتصام بالقوة، لم تكن كلها مرصودة بهواتف المعتصمين؛ حيث ظهرت العشرات من مقاطع الفيديو التي تم تصويرها من قِبل أفراد القوة العسكرية التي فضّت الاعتصام، ما جعل كثيرين يشككون في الهدف من نشر تلك المقاطع في هذا التوقيت بالتحديد.
ويرى المحلل السياسي عز الدين المنصور، أن هناك جهة تعمّدت نشر مقاطع الفيديو بكثافة عالية للكشف عن الانتهاكات المُذلّة التي تعرض لها المعتصمون وخاصة الفتيات، بهدف إثارة حفيظة وغضب الشارع السوداني ضد المجلس العسكري.
وأضاف المنصور أن كل الفيديوهات الصادمة تم تصويرها بواسطة عناصر شاركوا في عملية فض الاعتصام، وهذا يدعم فرضية وجود جهة أخرى -غير المجلس العسكري- استدرجت الجنود إلى اقتحام منطقة الاعتصام وتفريقها من المعتصمين بالقوة المميتة، وقامت بتوثيق العملية من خلال عناصر يتبعون لها.
وأضاف قائلاً: يبدو أن هذه الجهة سرّبت مقاطع الفيديو في هذا الوقت لضرب الاتفاق الذي تم بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير، خاصة أن التسريب جاء قبل ساعات من التوقيع المرتقب على الاتفاق ليصبح سارياً وفاعلاً.
وكان المجلس العسكري أعلن مساء الخميس، عن اعتقال 12 من الضباط بعد إحباط محاولة انقلابية، قال إنها تهدف إلى عرقلة الاتفاق وقطع الطريق أمام التحول السياسي في السودان.
لكن أستاذ العلوم السياسية بالجامعات السودانية دكتور عثمان كبلو، استبعد أن تكون هناك جهة خططت لعملية فض الاعتصام دون علم قادة المجلس العسكري، أو سرّبت مقاطع الفيديو التي صوّرها أفراد مشاركون في العملية، لتأليب الرأي العام ضد الاتفاق بين المجلس وقوى الثورة.
وأكد كبلو في حديثه مع TRT عربي، أن الدلائل كلها تشير إلى مسؤولية قادة المجلس العسكري عن مجزرة فض الاعتصام، خاصة أنهم لم يقدموا أدلة مقنعة تدعم براءتهم المزعومة.
وقال إن الحديث عن وجود جهة خططت للعملية دون علم قادة المجلس العسكري، وأن تكرار الحديث عن إحباط المحاولات الانقلابية، لن يجعل قادة المجلس في مأمن من الملاحقة الجنائية، ولو بعد حين.
ولفت عثمان إلى أن بعض قادة قوى الحرية والتغيير رفضوا وجود قادة المجلس العسكري المتهمين بفض الاعتصام، ضمن عضوية المجلس السياسي الذي سيتم تشكيله في مقبل الأيام، حتى لا تكون الحصانة التي ينالونها بحكم المنصب عائقاً أمام ملاحقتهم قانونياً.
واقترحت الوساطة الإفريقية الإثيوبية المشتركة حل المجلس العسكري الانتقالي، وتكوين مجلس سيادي من خمس مدنيين ومثلهم من العسكريين، على أن يتفق الطرفان على شخص مدني ثامن ليكون المجموع 11 عضواً.