تابعنا
تأسست مجموعة "G5" الساحل في يناير/كانون الثاني 2014 بهدف مواجهة التحديات الأمنية والتنموية، والجماعات المتطرفة في منطقة الساحل غرب إفريقيا. لكنّ صفحتها طويت بعد تحوّلات في السلطة، وانسحاب فرنسي بضغط شعبي. فما الذي حدث؟

لم تتمكن "مجموعة دول الساحل الخمس" من الحفاظ على تحالفها "G5" في منطقة غرب إفريقيا المضطربة، بعدما أعلن العضوان المتبقّيان في هذه الآلية أنّهما يمهدان الطريق لحل التحالف المناهض للجماعات الإرهابية في المنطقة، بعد انسحاب ثلاث دول منه.

وأبرزت موريتانيا وتشاد، اللّتان تحتفظان بعلاقات جيّدة مع فرنسا، في بيان مشترك نشرته مؤخراً وكالة الأنباء الموريتانية، أنهما "أخذتا علماً واحترمتا القرار السيادي"، لكل من بوركينا فاسو والنيجر بالانسحاب من التحالف بعد إقدام مالي على ذلك.

ويُتوقّع أن تنفذ الدولَتان الواقعتان في غرب إفريقيا، "جميع التدابير اللازمة وفقاً لأحكام اتفاقية إنشاء مجموعة الساحل الخمس، ولا سيما مادتها العشرين".

وتنصّ المادة على إمكانية حلّ الائتلاف بطلب من ثلاث دول أعضاء على الأقل.

تحوّلات السلطة فكّكت التحالف

شهدت منطقة غرب إفريقيا في السنتين الأخيرتين منعطفاً إستراتيجياً وسياسياً بعد الانقلابات التي عرفتها دول عدّة في المنطقة، أعقبها تولّي المجالس العسكرية السلطة، وخصوصاً في كل من مالي وبوركينا فاسو والنيجر.

وتلا هذه التحولات في السلطة تراجع واضح للنفوذ الفرنسي، بل تنامٍ للمشاعر المناهضة للحضور الفرنسي الدبلوماسي والعسكري في هذه الدول؛ ما أدى إلى إجبار فرنسا على الانسحاب من قواعدها العسكرية في المنطقة وإنهاء عملية "بارخان" -التي بدأت عام 2014- في نوفمبر/تشرين الثاني 2022.

ويؤكد محمد شقير الأكاديمي والخبير في الشأن العسكري، أن "الانقلابات الداخلية التي قامت ضد النفوذ الفرنسي بالمنطقة، كانت أحد العوامل وراء تفكيك تكتل 'G5' لمكافحة الإرهاب".

ويبيّن شقير في حديثه مع TRT عربي، أن "مالي انسحبت وبعدها بوركينا فاسو نتيجة لهذه الانقلابات، ثم أعقبتها النيجر، فاكتمل نصاب إلغاء التكتل الذي كان يشترط انسحاب ثلاث دول، وأصبح من الطبيعي أن تنسحب موريتانيا وتشاد منه".

ويرى الخبير في الشأن العسكري أن هذا التكتل، الذي أحدث في منطقة حسّاسة، يحتاج إلى "تمويل كافٍ للقيام بمهامه، فضلاً عن أنه يفتقد تفويضاً دولياً يُمكّنه من القيام بدور أمني، وخاصةً أنه يتناقض مع المهمّات الموكلة لقوات حفظ السلام الأممية في المنطقة".

وهو المعطى الذي لم يعدّ بالإمكان تحقيقه؛ نتيجة غياب الدعم الفرنسي لمجهود التمويل وافتقار المجموعة إلى غطاء دبلوماسي دولي.

فرنسا أضرّت استقلالية الآلية

تأسست المجموعة في 15 يناير/كانون الثاني 2014 في نواكشوط بهدف مواجهة التحديات الأمنية والتنموية، التي تهدّد بشكل خطير استقرار منطقة الساحل في غرب إفريقيا.

وكان التركيز الأساسي في هذا التحالف على إطلاق قوة عسكرية مشتركة لمجموعة دول الساحل الخمس، تتحمل مسؤولية مكافحة الجماعات الإرهابية وجماعات الجريمة المنظمة.

ويقول محمد الطيار، الباحث في الدراسات الأمنية والاستراتيجية، إلى أن "فرنسا قامت بحملة دوليّة سواء داخل مجلس الأمن وخارجه؛ لحشد الدعم المالي للمجموعة وإضفاء شرعية دولية عليها".

ويوضح في حديثه مع TRT عربي، أن "باريس تحكّمت في المجموعة، ما أفقدها استقلاليتها، وأصبحت الآلية مُكمِّلة فقط لنشاط عملية برخان في المنطقة وتخدم أهدافها الاستراتيجية".

وعُقدت آخر قمة لمجموعة "G5" في فبراير/شباط 2023 في العاصمة التشادية إنْجَمينا، لكن بعد انقلاب النيجر في يوليو/تموز الماضي، مالت الكفّة داخل هذه الآلية إلى مصلحة الدول المناهضة للنفوذ الفرنسي.

واعتبرت بوركينا فاسو والنيجر، في بيان أنه "لا يمكن لمجموعة الخمس في الساحل أن تخدم المصالح الأجنبية (فرنسا) على حساب مصالح شعوب الساحل، ناهيك عن قبول إملاءات أيّ قوة مهما كانت".

وفي هذا الصّدد يرى هشام معتضد، المستشار في الشؤون السياسية، أن "الحضور الفرنسي في إفريقيا كان قائماً على سياسة الاستغلال الاقتصادي ونهب الثروات، مقابل حماية أنظمة مفروضة".

ويبيّن معتضد في حديثه مع TRT عربي، أن "الإنسان الإفريقي بدأ يعي جيّداً اليوم أن مشكلاته السياسية والاقتصادية والاستراتيجية مرتبطة بشكلٍ مباشر بماضي الحضور الفرنسي في إفريقيا".

ويلفت إلى أن "الوعي الفكري السياسي المتنامي للجيل الإفريقي الجديد، لم يعد يقبل بهذا النهج الاستعلائي والمقاربة الاستعمارية، وأصبح يتوق لبناء فضائه بمعيّة قوى تقترح البديل في إطار الاحترام ومقاربة رابح-رابح".

تكتّلات جديدة وتهديدات إرهابية

بعدما أصبحت مجموعة "G5" هيكلاً بلا روح، شكّل قادة دول النيجر ومالي وبوركينا فاسو، تحالفاً دفاعياً مشتركاً جديداً أُطلق عليه اسم "ميثاق ليبتاكو-غورما".

ويؤكد الباحث في الدراسات الأمنية والاستراتيجية، محمد الطيار، أن "التحالف الثلاثيّ تشكّل بعد أيام من اتهام السلطة الجديدة في النيجر لدولة بنين بالسماح بنشر قوات على أراضيها استعداداً لتدخل عسكري محتمل من طرف مجموعة إيكواس بدعم عسكري فرنسي".

ويرى الباحث أن "التحالف الجديد بمنزلة إعلان وفاة مجموعة دول الساحل الخمس، تأكيداً لقيام التعاون العسكري مع روسيا بدل فرنسا التي فشلت استراتيجيتها المعتمدة في الساحل الإفريقي".

ورغم أن تحالف "ميثاق ليبتاكو-غورما" تشكل رداً على تهديدات مجموعة إيكواس بالتدخل العسكري في النيجر، فإن الجماعات الإرهابية ما زالت تشكل تهديداً آنياً لجيوش مالي وبوركينا فاسو والنيجر.

ولم تتمكّن المجالس العسكرية من تحقيق انتصارات حاسمة على الجماعات المتطرّفة، على اعتبار أن هذه البلدان الثلاثة تمثل قلب الساحل الإفريقي، وتشهد حدودها المشتركة النشاط الأبرز للجماعات المسلحة.

ويرى مدير مركز الصحراء وإفريقيا للدراسات الإستراتيجية، عبد الفتاح الفاتحي، أن "هذا الفضاء يتيح للجماعات الإرهابية والجريمة المنظمة والعابرة للحدود أن تُوسّع من أنشطتها الإجرامية والإرهابية".

ويوضح الفاتحي في حديثه مع TRT عربي، أن "بيئة دول الساحل الإفريقي تبقى متاحة لمزيدٍ من الفوضى، ولا سيّما أنّ الدول الخمس برمّتها غير مستعدة في الظروف الحالية للتنسيق لضبط الحدود أو تبادل المعلومات".

لكنّ هذه الدول تدرك أيضاً أن مجال عملها في مواجهة المخاطر الأمنيّة يجب أن يحدّد وفق أجندة واستراتيجيّات محليّة، تضمن السيادة الوطنية.

TRT عربي
الأكثر تداولاً