أفرزت نتائج الانتخابات التشريعية في هولندا حدثاً استثنائياً؛ بعد فوز حزب الحرية اليميني المتطرف الذي يقوده خيرت فيلدرز، وخلقَت النتائج نقاشاً في أوساط المجتمع الهولندي، إذ إن الحزب لديه مواقف متطرفة وعنصرية تجاه المهاجرين والمسلمين.
وحصد حزب الحرية أغلبية المقاعد في الانتخابات التشريعية في 22 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، وذلك بفوزهِ بـ37 مقعداً في المجلس التشريعي المؤلف من 150 مقعداً.
وتقدّم الحزب على ائتلاف حزب العمل والخضر بقيادة فرانس تيمرمانز، الذي حصل على 25 مقعداً، لتبدأ مرحلة التفاوض لتشكيل حكومة أغلبية.
ورغم التوقعات بأن مفاوضات تشكيل الحكومة قد تدوم لأشهر، وبأن فيلدرز لن يحصل على منصب رئيس الوزراء ولو نجح حزبه في تشكيل ائتلاف حكومي، فإن قلقاً وتساؤلات تُطرح بخصوص مدى إمكانية تطبيق الأحزاب اليمينية المتطرفة، وعلى رأسها "الحرية"، لبرامجها الانتخابية المعادية للإسلام والمهاجرين والاتحاد الأوروبي.
الحكومة اليمينية الهولندية القادمة
بدأت الأحزاب الهولندية مشاورات تشكيل الحكومة التي قد تشهدُ ترأُسَ حزب خيرت فيلدرز لها، إن استطاع إقناع أحزاب أخرى يمينية بالانضمام إليه.
وفي هذا الصدد، يقول دكتور ديفين فارتييا الأستاذ المساعد للعلوم السياسية في جامعة أوتريخت الهولندية، إنّ "تشكيل خيرت فيلدرز للحكومة يحتاجُ 76 مقعداً لضمان الأغلبية المطلقة، وثمة توجه نحو تشكيلِ ائتلاف يضم يمين الوسط المكون من "حزب الشعب من أجل الحرية والديمقراطية"، الذي يترأسهُ رئيس الوزراء الحالي المنتهية ولايته مارك روته، ومجموعة يمين الوسط الجديدة "العقد الاجتماعي الجديد" وحركة 'المواطنين المزارعين'".
ويضيف فارتييا لـTRT عربي: إذا نجح هذا التحالف، فسيكون بحوزته 86 مقعداً لتشكيل حكومة أغلبية، لذا فإن إمكانية تشكيل حكومة يمينية في هولندا وارد جداً.
ويرى أنّ "الحكومة الجديدة عليها ألّا تنخرط في قضايا الهويّة، بقدر ما يجبُ عليها التحلي بالشجاعة لمواجهة المشاكل الحقيقية، التي لا تُحل إلّا بتقوية الاقتصاد وجعله أكثر انفتاحاً، والتعامل مع العالم العربي، من منظور (رابح-رابح) بدل توجيه كلّ اللوم إلى الإسلام والمسلمين".
ويوضّح فارتييا أن ذلك من صالح أمستردام، "فالعالم الإسلامي سوق حقيقية لهولندا يجب على اليمين عدم دفعنا إلى خسارتها بفعل سياساته الإقصائية، التي ستظهر سريعاً محدوديّتها في إيجاد الحلول المنتظرة من الهولنديين".
المغاربة و"كابوس" اليمين المتطرّف
كانت قضية الهجرة أكبر قضية في حملة حزب الحرية طيلة عقدين من الزمن، إذ لا يكل من إظهارِ امتعاضهِ وكرههِ للمهاجرين، بخاصة المتحدّرين من شمال إفريقيا وعلى رأسهم المغاربة.
وينظر رئيس حزب الحرية إلى المغاربة الموجودين في هولندا والبالغُ عددهم نحو 419 ألف مغربي، حسب إحصائيات 2022، بأنهم "أكبرُ خطرٍ" على هولندا التي لا يتجاوزُ تعداد سكانها 18 مليون نسمة.
هذا ما جعلَهُ في سنة 2017، يصفُ الجالية المغربية بـ"الحثالة"، معتبراً أنهم "يجعلون شوارع هولندا غير آمنة تماماً"، وسبق أن أدانته محكمة الاستئناف الهولندية في سبتمبر/أيلول 2020، بتهمة "الإهانة الجماعية للمغاربة".
واعتبر القضاة الهولنديون أن مبادئ دولة القانون تنطبق أيضاً على السياسيين، ولكن هذه الإدانة لم تتبعها أيّ عقوبة.
وفي سياق هجومه الواضح على المغاربة والمسلمين، وضع السياسي الهولندي مجموعة من الوعود التي لا تزال قائمة أهمّها "حظر القرآن وغلق المساجد، وحظر الهجرة على المسلمين، وإنشاء مساجد ومدارس إسلامية جديدة تتوافق مع التوجه الأوروبي".
لكن التيار المعتدل في هولندا يرفض هذه المواقف، وفي هذا الصدد يقول سعيد الزروالي الباحث البلجيكي من أصول مغربية والمختص في السياسات الأوروبية، إن "صعود اليمين المتطرف في هولندا، يؤكّدُ بأن التيار اليمينيّ في أوروبا لازال قوياً، كما أنهُ يظهرُ بأن أوروبا تعيش أزمة".
ويبيّن الزروالي في حديثه مع TRT عربي، أن "الأزمات وحدها تجعل خطاب اليمين ينتعش، وينتشر خطاب التقوقع على الذات على حساب خطاب الانفتاح".
ويؤكد على أن "المتضرر في الحالة الهولندية، هم المهاجرون بصفة عامة والمسلمون والمغاربة بصفة خاصة، بحكم حضورهم المهم في هولندا"، مشيراً إلى أن "خطاب اليمين يلجأ إلى الطريقة السهلة وهي لومُ 'الآخر'، من أجلِ تبرئة نفسه من أيّ مسؤولية تجاه إخفاقات السياسة المحلية".
ويضيف الباحث أنّ "المغاربة في هولندا مساهمون في الناتج المحلي الهولندي، كما أن الصورة النمطية التي يكرّسها الإعلام عنهم غير صحيحة، فالمغاربة في الواقع هم من أكثر من يسعون للاندماج، وإلى أن يكونوا فاعلين ومنتجين داخل النسيج الاجتماعي والقانوني الهولندي".
ويفسّر الزروالي أسباب هذا "العداء" تجاه المكون ذي الأصول المغربية بفشل سياسات الهجرة، موضحاً أن "هولندا فشلت في بناء سياسة تستوعبُ المهاجرين، فحينما نتحدثُ عن أكثر من 400 ألف مغربي في هولندا يُتناسى أن أغلبهم من الجيل الرابع والخامس من أبناء المهاجرين. هذا يعنى أن هويتهم هولندية بقدر ما هي مغربية".
ويلفت بالقول: إذا كانت هناك مشاكل يجب حلها؛ فهي مشاكل الاعتراف بفشل بناء هوية هولندية جديدة تعترف بروافدها الثقافية المتنوعة ومن بينها الرافد المغربي.
هل تخرج هولندا من الاتحاد الأوروبي؟
انعكست مواقف اليميني خيرت فيلدرز تجاه الاتحاد الأوروبي في برنامجهِ الانتخابي؛ إذ لم يتردد في إظهار رغبته في الدعوة إلى إجراء استفتاء حول مغادرة هولندا الاتحاد الأوروبي، معتبراً إياه أحد أبرز مشاكل هولندا.
كذلك يعتبر أن الاتحاد الأوروبي بوابة كبيرة لدخول المهاجرين إلى هولندا، وهو ما جعل مصطلح "نِكْسِت" -اختصار يفيد مغادرة هولندا من الاتحاد على غرار 'بريكست'- يتصدّر النقاش العمومي.
وتقول البروفيسورة كريستينا إيكيس، أستاذة القانون الأوروبي بجامعة أمستردام الهولندية، إنّ "فوز خيرت فيلدرز يُعدُّ تحدياً لصمود الاتحاد الأوروبي، لأنه سيقوي من جهة السياسات المقاومة للاتحاد، في وقت لم يتعاف فيه بعدُ من مغادرة بريطانيا له".
وتضيف إيكيس لـTRT عربي، أن "إمكانية خروج هولندا -في حال ترأس فيلدرز الحكومة- ستضرّ بالطرفين، فهو مخطئ في نظرته للاتحاد الأوروبي ولقدرة هولندا على الصمود خارجه، ومن الصعب أن تحافظ هولندا على ناتج إجمالي محلي يصل تريليون دولار وهي خارج الاتحاد؛ لأنه يوفّر سوقاً داخلية كبيرة للصناعة والتجارة الهولندية".
وتشدد أستاذة القانون الأوروبي على أنّ "إمكانية تفكّك الاتحاد الأوروبي صعبة، ولكنّ تمدد الخطاب اليميني يجعلها ممكنة وإن كانت بنسبة قليلة في الأمد المتوسط، وما سيحدث في هولندا لن يكون إلّا صورة مصغرة لما سيحدث في أوروبا مستقبلاً، في حال استمر التمدد اليميني بداخلها".
اليمين الشعبوي ونصرة "إسرائيل"
ابتهج التيار اليميني الشعبوي في أوروبا بنتائج الانتخابات الهولندية، وهنأت زعيمة حزب التجمّع الوطني الفرنسي مارين لوبان فيلدرز وحزبه على نتائجه القوية في الانتخابات التشريعية، وأعلنت تأييدها سياستهُ المحلية، معتبرة إياها دفاعاً عن الهويات الوطنية.
فيما رحَّب رئيس الوزراء المجري القومي فيكتور أوربان بفوز اليمين المتطرف في هولندا، معتبراً أن "رياح التغيير" هبّت على هولندا.
ويُعتبَر دعم إسرائيل من المواضيع التي تظهر ارتباطاً وثيقاً بين مختلف تيارات اليمين الشعبوي في أوروبا.
ولم تمرّ صورة فيلدرز وخلفه العلم الإسرائيلي بجانب العلم الهولندي مرور الكرام، إذ أن إسرائيل تمثل بالنسبة إليه خط الدفاع الأول عن الغرب، وفق جريدة "لوتون" السويسرية.
وفي هذا الصدد يقول أحمد بوجداد، أستاذ العلوم السياسية في جامعة محمد الخامس بالرباط، إن "اليمين استطاع بناء خطاب موحد قائم على اعتبار أن عدو عدوي حليفي، وفي حالة الإسلام فإن عدوه الأول حسب منظور اليمين المتطرف هي إسرائيل، مما جعلهم يتوحدون في دعمها، ظانين أنهم بذلك يحاربون التطرف والإسلام، وفي الحقيقة هم يتورّطون في جرائم إسرائيل بدعمهم لها وسياستها تجاه المسلمين في فلسطين بالتحديد".
ويشدّد بوجداد في حديثه مع TRT عربي، على أنّ "إسرائيل أمست الوجه القبيح الذي أظهر نفاق العالم تجاه قيم حقوق الإنسان، ودعمها من طرف اليمين المتطرف في أوروبا يظهر كذلك خطورة هذا التيار الذي إذا توفرت له الشروط لن يتردد في تبني نفس الأفعال ضد المسلمين في الغرب وإنْ كانت بأساليب أخرى ".
ويدعو أستاذ العلوم السياسية إلى أن تقوم "الديمقراطية الغربية بتصحيح مسارها، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه دفاعاً عن القيم والمُثُل العليا التي صنعت النهضة والتقدم الأوروبي"، وهي قيم قد تذروها الرياح في حال سيطرة الشعبويين من اليمين المتطرف على أجهزة الدولة وآليات التشريع في الديمقراطيات الغربية.