يبدو أن التحالف السعودي الإماراتي فشِل في ضبط الأوضاع الأمنية في مدينة عدن، على الرغم من توقيع الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي اتفاق الرياض، مطلع الشهر الماضي، الذي أشرفت عليه المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، ونصّ على تشكيل حكومة جديدة وتطبيع الحياة في عدن، لكن ذلك لم يحدث وسقطت المدينة مجدداً في الفوضى.
تصاعدت وتيرة الاغتيالات في مدينة عدن جنوبي اليمن، خلال الأيام الماضية، إذ شهدت المدينة 10 عمليات اغتيال، راح ضحيتها قيادات عسكرية وأمنية بارزة الأكثرية منهم يتبعون حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي، فيما البعض الآخر محسوب على المجلس الانتقالي المدعوم إماراتياً.
دخلت مدينة عدن فصلاً جديداً من فصول العنف، وذلك بعد أكثر من شهر من توقيع اتفاق الرياض الموقّع بين حكومة هادي، من جهة وبين المجلس الانتقالي من جهة أخرى، الاتفاق الذي جاء بعد مواجهات أغسطس الدامية بين الطرفين، وضع في بنوده حدّاً لوقف الاقتتال وعودة الهدوء إلى المدينة بعد تشكيل حكومة مناصفة بين الشمال والجنوب، ودمج المليشيات في مؤسستَي الأمن والدفاع.
وعلى الرغم من تزمين الاتفاق فترة أسبوعين لضبط الأوضاع الأمنية في عدن، وفترة شهر لتشكيل الحكومة، فإنّ ذلك لم يحدث وسقطت مدينة عدن في الفوضى.
ويتساءل مراقبون: "من يقف خلف تلك الفوضى في المدينة" التي تبلغ مساحتها 400 كيلومتر مربع، ويوجد فيها أكثر من 50 ألفاً من القوات العسكرية والأمنية المدعومة من الإمارات.
وترمي شخصيات حكومية المسؤولية على المجلس الانتقالي ودولة الإمارات، خصوصاً أن عدن واقعة تحت سيطرة الانتقالي منذ أغسطس/آب الماضي.
غير أن قيادات المجلس الانتقالي تتهم حكومة هادي بالوقوف خلف الاغتيالات، وقال عضو رئاسة المجلس الانتقالي الجنوبي فضل الجعدي إن "حكومة هادي شريك أساسي في مسلسل الفوضى والاغتيالات في عدن وتعز من أجل الهروب والتنصل من تنفيذ اتفاق الرياض"، مشيراً في تصريحات، إلى أن "عودة شبح الاغتيالات في عدن وتعز يتزامن مع إقصاء كوادر الانتقالي في بعض المؤسسات وبدوافع سياسية".
ويبدو غير مبرر برأي متابعين، الصمت السعودي من الانفلات الأمني الذي تشهده عدن، خصوصاً أن الرياض تولت رسمياً الإشراف على الأوضاع الأمنية في عدن بعد انسحاب القوات الإماراتية منها، فضلاً عن وصول قوات عسكرية وأمنية سعودية إلى عدن مهمتها ضبط الأوضاع، الأمر الذي اعتبره أيضاً وزير النقل صالح الجبواني "فشلاً سعودياً في ضبط الأمن في عدن"، لافتاً إلى أن "الرياض غرقت في رمال عدن المتحركة".
ويربط محللون بين الاغتيالات التي شهدتها عدن الأيام الماضية، وما شهدته المدينة منذ بدء وصول القوات الإماراتية عدن عام 2015، إذ سقط أكثر من 250 قتيلاً من القيادات العسكرية والدينية والسياسية من المناهضين لسياسات أبو ظبي في عدن.
وفي تصريح لـTRT عربي، أوضح عضو المكتب السياسي لـمجلس الإنقاذ الوطني محمد عبد الله الجعدني أن "الشخصيات التي طالتها يد الاغتيالات خلال الأيام الماضية من الشخصيات المناوئة للإمارات ومنهم: الضابطان في البحث الجنائي سالم لهطل، وصلاح الجيحلي"، مؤكداً أن "حكومة الرئيس هادي، تمتلك أدلة قطعية تثبت تورط الإمارات في الاغتيالات، وتوجد اعترافات لعناصر في القاعدة وداعش في سجون الشرعية، كشفوا عن تلقيهم دعماً من الإمارات لتصفية شخصيات عسكرية ودينية".
ولفت الجعدني، إلى أن "مشروع الإمارات في اليمن يهدف إلى تفتيت اللحمة الوطنية وضرب النسيج الاجتماعي، وتدمير أي مقومات للدولة، كل ذلك من أجل السيطرة على ميناء عدن والجزر والسواحل".
من جهته اعتبر الناطق باسم نادي القضاة في اليمن القاضي أمين ناصر قنان، في حديث إلى TRT عربي، أنه "ليس من السهل اتهام طرف ما في ظل تعطيل كل مؤسسات القضاء التي هي المخولة الوحيدة للفصل في تلك القضايا"، مشيراً إلى أن "الاستثمار سياسياً في وقائع ربما تكون جنائية، فيه مصلحة لجميع الأطراف المتحاربة في اليمن"، وأشار إلى أن "من يعطّل مؤسسات القضاء أيضاً له مصلحة في طمس الحقيقة".
في هذا الإطار يرى محللون أن مصالح الرياض وأبو ظبي، تتعارض مع تشكيل حكومة قوية وعودة مؤسسات الدولة في عدن، وتطبيع الأوضاع الأمنية، لأن كل ذلك يعطّل مصالح التحالف سواء فيما يتعلق بالهيمنة على المؤسسات الحيوية من منافذ برية وبحرية وجوية وجزر وسواحل ومؤسسات نفطية وغازية، أو فيما يتعلق بقرار الجبهات المشتعلة في مواجهة الحوثيين في شمال اليمن، التي باتت القوات الجنوبية هي الوقود الرئيسي لاستمرار اشتعالها.
ومن هنا تأتي عمليات الاغتيالات كحلقة من حلقات العنف التي تقوّض بناء الدولة جنوبي اليمن لمصلحة القوى الإقليمية.