في هذا السياق، أعلن وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي، ألب أرسلان بيرقدار، عبر منصة "إكس"، أن الاتفاقية التاريخية بين تركيا وتركمانستان لتوريد الغاز الطبيعي قد دخلت رسمياً حيز التنفيذ، مشيراً إلى أن تدفق الغاز التركمانستاني إلى تركيا سيبدأ اعتباراً من الأول من مارس/آذار.
وأضاف الوزير أن الاتفاقية الموَّقعة بين شركتي "بوتاش" التركية و"تركمان غاز" التركمانستانية ستتيح نقل الغاز التركماني إلى تركيا. كما أوضح في منشوره على "إكس" أن الاتفاق جاء ثمرة مذكرة تفاهم وُقِّعت في أنطاليا في مارس/آذار الماضي بحضور الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ورئيس مجلس الشعب التركمانستاني قربانقلي بردي محمدوف، لتعزيز التعاون في قطاع الغاز الطبيعي.
وخلال زيارته تركمانستان في يوليو/تموز 2024، أكد وزير الطاقة التركي وجود إرادة سياسية قوية لدى البلدين لتنفيذ هذا المشروع، معرباً عن أمله في أن يُستكمل الاتفاق الذي بدأ منذ عام 1998. وبناءً على هذه المباحثات، وُضعت الأطر القانونية والفنية اللازمة لنقل الغاز بين البلدين، إيذاناً ببدء مرحلة جديدة في أمن الطاقة بفضل التعاون بين "بوتاش" و"تركمان غاز".
من جانبه، قال أوغوزهان آقينر، رئيس مركز أبحاث استراتيجيات وسياسات الطاقة في تركيا، إن تعزيز التعاون في قطاع الطاقة بين الدول التركية، إلى جانب هدف تركيا في أن تصبح مركزاً لتجارة الغاز، واحتمالية توفير بدائل للغاز الروسي، أعاد قضية الغاز التركماني إلى الواجهة.
وتُعد منظمة الدول التركية (المجلس التركي سابقاً)، التي أُسست في 3 أكتوبر/تشرين الأول 2009، إطاراً لتعزيز التعاون بين تركيا، وأذربيجان، وكازاخستان، وقرغيزستان، وأوزبكستان، في حين تمتلك كل من المجر، وتركمانستان، وجمهورية شمال قبرص التركية، صفة عضو مراقب فيها.
وأشار آقينر إلى وجود خيارات متعددة لنقل الغاز التركماني، مثل نقله عبر إيران باستخدام نظام المقايضة المالية (Swap) أو عبر خط أنابيب مستقبلي عبر بحر قزوين. وأكد أن أهمية الغاز التركماني لا تقتصر على حجمه، بل تمتد إلى دوره في تعزيز العلاقات بين الدول التركية.
وأضاف: "ليس من الضروري تصدير الغاز مباشرةً إلى الغرب، بل يمكن استخدامه داخل تركيا، خصوصاً في المناطق الشرقية، فالأهم هو دمجه في شبكة الطاقة الوطنية".
الطاقة والموقع الاستراتيجي
وحول تأثير الاتفاق على أسواق الطاقة، أكد آقينر أن هذه الخطوة ستعزز من الموقع الجيوستراتيجي لتركيا وتدعم سعيها لتصبح مركزاً رئيسياً لتجارة الغاز، كما ستسهم -ولو بشكل محدود- في تعزيز أمن إمدادات الطاقة في البلاد.
وأشار إلى أن هذا التعاون قد يمهد الطريق لاستثمارات وفرص تجارية جديدة، فضلًا عن أنه سيؤثر على مواقف الدول الواقعة على مسارات نقل الغاز المحتملة، في إطار خيارات التبادل والمقايضة.
كما لفت آقينر إلى أن تركيا بدأت بالفعل في تصدير الغاز إلى بعض الدول الأوروبية، موضحاً أنه حتى الكميات الصغيرة التي تُصدَّر إلى دول البلقان قد تحقق مكاسب كبيرة لتركيا.
وتابع قائلًا: "قد تبدو كمية ملياري متر مكعب من الغاز التركماني غير كافية لتركيا، لكنها تمثل خطوة أولى مهمة. إذ قد تؤدي هذه البداية إلى إنشاء ممر مستقبلي لنقل الغاز بسعة تصل إلى 100 مليار متر مكعب، مما يعزز تكامل الدول التركية في قطاع الطاقة".
وأضاف أنه في حال توفر بيئة استثمارية مناسبة وإنشاء ممرات تصدير، فقد تصل صادرات تركمانستان من الغاز إلى 65 مليار متر مكعب بحلول عام 2050.
واختتم آقينر حديثه بالإشارة إلى أن دعم الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة لهذه العملية قد يسهم في تقليل الاعتماد الأوروبي على الغاز الروسي.
الاتصال مع العالم التركي
تمتلك تركمانستان، إحدى الجمهوريات التركية في آسيا الوسطى، احتياطيات ضخمة من الغاز الطبيعي، وبدأت خططها لتوريد الغاز إلى تركيا منذ تسعينيات القرن الماضي.
وبعد استقلالها عن الاتحاد السوفيتي عام 1991، وقَّعت أنقرة وعشق آباد اتفاقية لاستيراد الغاز التركماني، إلا أن تنفيذها تعثر لأسباب متعددة.
وعلى مدى العقود الثلاثة الماضية، اتخذت تركمانستان خطوات لتنويع أسواقها وزيادة صادراتها، إذ بلغ إنتاجها السنوي نحو 80 مليار متر مكعب، تُصدر منها 40 مليار متر مكعب إلى دول مثل الصين، وإيران، وروسيا.
أما تركيا، فقد نجحت في تنويع مصادر الغاز عبر خطوط أنابيب تستورد الغاز من روسيا، وأذربيجان، وإيران، بالإضافة إلى تعزيز استيراد الغاز الطبيعي المسال من عدة دول.
وبفضل سياساتها الطموحة، تحولت تركيا من دولة مستوردة للغاز إلى مُصدّرة له، خصوصاً بعد اكتشاف كميات من الغاز الطبيعي في البحر الأسود.
وتتمتع تركيا حالياً ببنية تحتية قوية في قطاع الطاقة، حيث يمر عبر أراضيها سبعة خطوط أنابيب دولية لنقل الغاز، إضافةً إلى أربع منشآت للغاز الطبيعي المسال، اثنتان منها عائمتان للتخزين والتغويز (FSRU)، فضلًا عن منشأتين لتخزين الغاز الطبيعي تحت الأرض.