مراد صوفو أوغلو
مع استمرار الهجوم الروسي على أوكرانيا، ومحاصرة كل من الكرملين وفلاديمير بوتين، يحلو لعديد من النقاد الغربيين اتهام روسيا بالتطورات المروعة التي تحدث في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك أحدث انفجارات خط أنابيب نورد ستريم.
لكن جيفري ساكس، أستاذ الاقتصاد الأمريكي المشهور عالمياً، يعتقد عكس ذلك. قبل يومين وخلال ظهور تلفزيوني على شاشة بلومبيرغ، أثار الأستاذ احتمال أن يكون خط أنابيب نورد ستريم، الذي ينقل الغاز الروسي إلى أوروبا، قد تعرض للتخريب من الولايات المتحدة، مما دفع مذيعي التلفزيون إلى إبعاده عن البث.
قال ساكس، الأستاذ في جامعة كولومبيا، حيث يرأس أيضاً مركز التنمية المستدامة، لـTRT World: "توجد أدلة ظرفية كبيرة على أن تدمير نورد ستريم هو عملية أمريكية، ربما بالمشاركة مع دول الناتو الأخرى".
ويضيف: "بينما لا يوجد شيء مؤكد، تشير الأدلة في هذه المرحلة إلى أن الولايات المتحدة هي السبب الأكثر ترجيحاً للأحداث". جاءت تعليقات ساكس عندما قال إن الرواية الغربية عن "هجوم غير مبرر" من موسكو على كييف هي حجة معيبة. يقول ساكس: "كانت محاولة الولايات المتحدة دفع الناتو إلى أوكرانيا وجورجيا سبباً رئيسياً لهذه الحرب".
يستشهد الأستاذ الجامعي المرموق، الذي اختير من بين أكثر 100 من قادة العالم نفوذاً في مجلة تايم أكثر من مرة، بأدلة مختلفة على حجته حول عملية التخريب الأمريكية. في أوائل فبراير/شباط قبل ما يقرب من ثلاثة أسابيع من الهجوم الروسي على أوكرانيا، حذر الرئيس بايدن من أنه "سيضع حداً" لأنبوب نورد ستريم إذا استخدمت روسيا القوة العسكرية ضد أوكرانيا.
في ذلك الوقت، كان الرئيس بايدن واثقاً جداً من نهاية العمل بخط الأنابيب الروسي-الألماني لدرجة أنه أجاب على سؤال حول كيفية انتهاء نورد ستريم بطريقة معبرة. قال: "أعدك أننا سنكون قادرين على تحقيق ذلك". ويضيف ساكس: "تغريدة التهنئة التي أدلى بها وزير الخارجية البولندي السابق راديك سيكورسكي، (شكراً لك.. الولايات المتحدة الأمريكية ) هي بالطبع موحية للغاية".
لم تنتهِ الحكاية عند هذا الحد.
حول تحليق طائرات أمريكية فوق منطقة خط الأنابيب في الساعات التي سبقت الانفجار عديد من التقارير، كما يقول الأستاذ الجامعي، "لا يمكنني التحقق من هذه الادعاءات بشكل مستقل، لكنها منتشرة ".
وتنفي موسكو تفجير خطوط الأنابيب التي قطعت إمدادات الغاز الروسي عن دول مثل ألمانيا مصدر إيرادات حيوي للكرملين. نتيجة لذلك، لن يفيد تفجير خطوط الأنابيب روسيا، التي ليس لديها سبب منطقي لتدميرها، وفقاً لساكس وخبراء آخرين. وكان الرئيس بوتين اتهم الولايات المتحدة بتخريب نورد ستريم.
"عدد قليل من الدول، بخلاف الولايات المتحدة، لديها القدرة [والحافز] لتفجير خط الأنابيب، في حال وُجدت. كما أن للولايات المتحدة أيضاً سجل حافل في تدمير البنية التحتية لبلدان أخرى، بما في ذلك خط الأنابيب السوفيتي في الثمانينيات".
تخريب غامض
بعد ما يصل إلى أربعة انفجارات، نشرت وسائل الإعلام الغربية قصصاً تشير بأصابع الاتهام إلى روسيا لتخريبها خطوط الأنابيب المعطلة. منذ البداية، اتفق كل من وسائل الإعلام الغربية والقادة والروس على أن تسرب خطوط الأنابيب حدث بسبب التخريب ولم يكن عرضياً.
أولئك الذين يريدون التوافق مع الرواية الأمريكية اعتبروا روسيا متورطة بعملية التخريب، لكن "حقيقة الأمر منتشرة في جميع أنحاء العالم وهي عندما أتحدث إلى الناس، فإنهم يعتقدون أن الولايات المتحدة هي التي فعلت ذلك،" قال ساكس خلال ظهور بلومبيرغ، مما أثار دهشة مضيفيه .
وأضاف: "حتى المراسلين في صحفنا المعنية يقولون لي بالطبع (الولايات المتحدة فعلت ذلك)، لكنها لا تظهر في وسائل الإعلام لدينا (علناً)".
غريغوري سيمونز، الأستاذ المشارك في معهد الدراسات الروسية والأوروبية-الآسيوية بجامعة أوبسالا، من بين الخبراء الذين يختارون رواية الشك في التأكيدات الغربية فيما يتعلق بنزاع أوكرانيا، متبعين مقولة الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت الشهيرة "من أجل البحث عن الحقيقة، من الضروري مرة واحدة في مجرى حياتنا أن نشك، قدر الإمكان، في كل الأشياء".
قال سيمونز لـTRT World، في إشارة إلى الولايات المتحدة: "إذا أجرى المرء تحليلاً للكلفة والعائد فيما يتعلق بمن يستفيد، فإن مستفيداً واحداً واضحٌ، خاصة بالنظر إلى التوقيت، وهذا ليس من قبيل الصدفة". جاء توقيت الانفجارات عندما كان حديث من ألمانيا لتخفيف موقفها من عقوبات روسيا مقابل الغاز "، حسبما يضيف.
يعتقد سيمونز أن تفجير خط الأنابيب ليس في مصلحة ألمانيا لأن استياءً عاماً متزايداً في أكبر اقتصاد في أوروبا بشأن نقص الطاقة وقرب الشتاء. ويقول: "لن يستمر عنف الشرطة ضد الجمهور إلا قبل أن تفوق التكاليف أي فوائد للتدابير الصارمة والقسرية للبقاء متماشية مع المصالح الأمريكية".
كما يتساءل كيف يخدم ذلك المصالح الروسية. ويلفت الانتباه إلى حقيقة أن الانفجارات حدثت في المياه الإقليمية الدنماركية والسويدية، وليس بالقرب من روسيا، مما يعني أنها ستكون أكثر خطورة من الناحية التشغيلية بالنسبة لموسكو. يذكر الأستاذ أيضاً حقيقة أن الروس يمكنهم "وقف تدفق الغاز" إذا أرادوا معاقبة الغرب.
نتيجة الأمر، كما يقول، أن روسيا فقدت نفوذها على ألمانيا والاتحاد الأوروبي لأنها لا تستطيع إمداد الغاز أو منعه من خلال خط أنابيب تشغيل. سيكون هذا تحركاً غبياً حقيقياً لفعله.
الولايات المتحدة لا تحب نورد ستريم
تاريخياً، اعتبرت الولايات المتحدة خط أنابيب نورد ستريم امتداداً للنفوذ الروسي على أوروبا عبر ألمانيا. في عام 2014، صرحت كوندوليزا رايس، وزيرة الخارجية الأمريكية المتشددة السابقة، صراحةً أن الولايات المتحدة تسعى لتقليل اعتماد أوروبا على منصات الطاقة الروسية وزيادة اعتمادها على المنصات الأمريكية.
ومن المثير للاهتمام، أنه مع حرب أوكرانيا، تحقق سيناريو رايس جزئياً إذ بدأ عديد من الدول الأوروبية في الانتقال من روسيا إلى الولايات المتحدة. قد تؤدي انفجارات نورد ستريم الأخيرة ظاهرياً إلى هذه النتيجة.
قال وزير الخارجية الأمريكي الحالي أنتوني بلينكن يوم الجمعة الماضي في مؤتمر صحفي، "تعتبر هذه العملية أيضاً فرصة هائلة"، في إشارة إلى التخريب المزعوم في نورد ستريم وكيف يمكن لأوروبا أن تتحرك بعيداً عن موسكو إلى واشنطن لإمدادها بالغاز.
قال ساكس: "هذه طريقة غريبة للتحدث إذا كنت قلقاً بشأن عمليات التخريب بحق البنية التحتية الدولية ذات الأهمية الحيوية".
بعد الانفجارات التي ألحقت أضراراً كبيرة بخطوط الأنابيب، تحركت ألمانيا والسويد والدنمارك لتشكيل فريق مشترك للتحقيق في سبب الانفجارات. بالطبع، يجب أن يكون لدينا عقل متفتح، وتحقيق مفتوح وشفاف، لكن هذا غير مرجح في ظل هذه الظروف. على الأقل يجب على المجتمع الدولي أن يضغط من أجل مثل هذا التحقيق الشفاف.
ويضيف: "يشكل تدمير خط الأنابيب تهديداً كبيراً للسلام العالمي، ويجب التحقيق فيه".
