نشر "المؤتمر الموحَّد للكنائس في ألمانيا" (GKKE) تقريراً حول قيمة وحجم الأسلحة التي أعطت الحكومة الألمانية الضوء الأخضر، في العام الحالي، لتصديرها إلى الخارج.
وأظهر التقرير، الذي وجه انتقادات إلى الحكومة الفيدرالية، أن مبيعات الأسلحة الألمانية حققت أرقاماً قياسية خلال العام الجاري.
أكبر مبيعات في التاريخ
كشف تقرير "المؤتمر الموحَّد" أن شركات الأسلحة الألمانية صدَّرت منذ بداية يناير/كانون الثاني وحتى نهاية نوفمبر/تشرين الثاني من 2023، أسلحة بقيمة 8.35 مليار يورو، موضحاً أن هذا الرقم هو ثاني أكبر حجم مبيعات أسلحة في تاريخ ألمانيا.
وقبل ذلك بشهر، أقرّت حكومة برلين نفسها بأنها رخّصت حتى نهاية سبتمبر/أيلول الماضي صفقات أسلحة بقيمة 8.76 مليار يورو.
ووفق التقرير الجديد وأرقام كشفت عنها وزارة الاقتصاد الألمانية، وهي الجهة الرسميّة المسؤولة عن منح تراخيص تصدير السلاح، فإن معظم هذه الأسلحة تم تصديرها إلى مناطق أزمات خارج الاتحاد الأوروبي.
وكشفت الأرقام المعلن عنها أن ثلث هذه الأسلحة، أي ما يعادل 3.3 مليار يورو ذهب إلى أوكرانيا، وهو ما يعني ارتفاعاً بأربعة أضعاف مقارنةً بالعام 2022.
وانتقد "المؤتمر الموحَّد" -الذي يقدم تقارير تسلّح سنوية منذ 50 عاماً- عدم التزام الائتلاف الحكومي المكوّن من الحزب الاشتراكي الديمقراطي وشريكيه الخضر والليبرالي بقانون مراقبة تصدير الأسلحة الذي اتفق عليه الائتلاف الحكومي العام الماضي.
وينصّ القانون على ضرورة اتخاذ تدابير صارمة على صعيد تصدير الأسلحة إلى دول خارج حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي.
وتقول بريلاتين غيديون، رئيسة المؤتمر الموحد، إن حكومة المستشار أولاف شولتز "تعهّدت بربط تصدير الأسلحة والذخائر إلى الخارج بمدى التزام الدولة المستوردة بمعايير حقوق الإنسان والديمقراطية ودولة القانون".
وتضيف غيديون في تصريح لـTRT عربي، أن القانون الذي اتخذته الحكومة "باندفاع كبير، لا يُطبَّق كما يجب".
وقدم المؤتمر توصيات عدة للحكومة الألمانية ولدول الاتحاد الأوروبي، أوّلها عدم تصدير تقنيّات التجسس إلى دول وصفتها بأنها ديكتاتورية وشمولية، إضافةً إلى التشديد على ضرورة التوقّف عن تصدير معدّات وآلات ذات استخدام مزدوج، ووقف تصدير الأسلحة إلى دولتين عربيّتين هما السعودية والإمارات، عازية ذلك إلى دور البلدين في حرب اليمن.
بدوره يلفت ماكس موتشل، رئيس مجموعة البحوث في "المؤتمر الموحد"، إلى الخطورة الكبيرة لتصدير التقنيات الألمانية ذات الاستخدام المزدوج، أي ذات أغراض مدنية وعسكرية.
وفي حديثه مع TRT عربي، يطالب موتشل بالوقف الفوري لتصدير هذه التقنيات لأنظمة يصفها بالديكتاتورية.
ارتفاع بعشرة أضعاف
من بين الدول التي رفعت ألمانيا قيمة وحجم صادرات الأسلحة إليها إسرائيل التي تشن منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، عدواناً شاملاً على قطاع غزة.
ووفقاً لوزارة الاقتصاد الألمانية، فإن ألمانيا رفعت حتى بداية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، صادراتها من الأسلحة إلى إسرائيل 10 مرات.
وبهذا ارتفعت قيمة السلاح الألماني المصدَّر إلى إسرائيل من 32 مليون يورو في عام 2022، إلى 303 ملايين يورو حتى بداية نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2023.
وبيّنت الوزارة أنه قد صُودق منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي على تمرير 185 صفقة سلاح، من بين 218 صفقة تعادل العدد الإجمالي لصفقات الأسلحة الألمانية إلى إسرائيل في هذا العام.
وبينما حصلت إسرائيل على أسلحة حربيّة ألمانية بقيمة 19 مليون يورو، قدّرت وزارة الاقتصاد الألمانية قيمة أسلحة أخرى، مثل المدرّعات المصفّحة والشاحنات العسكرية وغيرها بـ284 مليون يورو.
فضلاً عن ذلك، يشهد التعاون بين ألمانيا وإسرائيل تطوراً كبيراً في مجال صناعة الأسلحة، الأمر الذي أكد عليه المستشار الألماني أولاف شولتز ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في مارس/آذار الماضي في برلين.
وفيما حصلت إسرائيل في الأعوام الماضية من ألمانيا على غواصات قابلة لحمل رؤوس نووية وعلى أسلحة أخرى اتّفقت حكومة شولتز مع نظيرتها الإسرائيلية على شراء منظومة الدفاع الصاروخي الإسرائيلي (أرو 3)، إضافة إلى المسيّرات.
وفي إطار التضامن غير المشروط مع إسرائيل، قدّمت الحكومة الألمانية مؤخراً مشروع قرار -كان يسري حتى الآن على أوكرانيا وحدها- وينص على تقديم معدّات عسكرية لإسرائيل، حتى لو كانت هذه المعدّات من مقتنيات الجيش الألماني، وحتى تسبّب الأمر في "خلل مؤقّت" في الجيش.
السبب المباشر في التحول
تعتبر الحرب الأوكرانية التي اندلعت في فبراير/شباط من عام 2022 السبب المباشر في ما وصفته ألمانيا بـ"التحول" على صعيد سياستها العسكرية وصناعة وتصدير الأسلحة.
صحيح أن صادرات الأسلحة الألمانية إلى دول معينة -وعلى رأسها إسرائيل- تشير إلى تغيّر لافت على هذا الصعيد، لكن التغيّر الجذري الذي طرأ على سياسة تصدير الأسلحة إلى الخارج جاء بسبب الحرب الأوكرانية.
وكان النزاع بين كييف وموسكو سبباً في اتخاذ قرارات لا يستند تمريرها إلى دوافع اقتصادية، بل لأسباب تضامنية سياسيّة مع أوكرانيا.
ووفق تقرير لمعهد بحوث السلام السويدي (سيبري)، فإن واردات الدول الأوروبية من المدرعات والمقاتلات والغوَّاصات سجّلت في عام 2022 ارتفاعاً بنسبة 47% مقارنة مع الخمسة أعوام التي سبقته، فيما أصبحت أوكرانيا في العام ذاته ثالث أكبر مستورد في العالم للأسلحة.
ومن منظور ألمانيا، تردّدت حكومة برلين طويلاً قبل تغيير سياستها بخصوص تقديم الأسلحة للجيش الأوكراني.
وبعد نشر روسيا في نهاية 2021 قرابة 100 ألف جندي على الحدود الأوكرانية، عارضت ألمانيا بشدّة تقديم مساعدات عسكرية لأوكرانيا.
لكن وزيرة الدفاع الاتحادية السابقة كريستينه لامبريشت اكتفت باتخاذ قرار رمزي بالموافقة على إرسال 5 آلاف خوذة إلى القوات الأوكرانية، ما قُوبل حينها بموجة من الانتقادات والسخرية.
وبعد بدء الحرب، فاجأ المستشار الاتحادي أولاف شولتز الرأي العام والمراقبين بإلقاء خطاب في البرلمان (بوندستاغ) معلناً تخصيص 100 مليار يورو لإعادة تجهيز الجيش الألماني وشراء الأسلحة، لا سيّما مقاتلات "إف 35" من الولايات المتحدة والسعي إلى امتلاك نظام دفاع جوي أوروبي يمزج بين أنظمة "باتريوت" الأمريكي و"أرو 3" الإسرائيلي و"إيريس تي" الألماني.
هذا التحول تضمّن أيضاً اتخاذ قرارات سخيّة على صعيد تقديم السلاح لأوكرانيا، إذ تُعتبر لائحة المساعدات العسكرية التي حصلت عليها أوكرانيا حتى الآن طويلة ويأتي في مقدمتها، نظام الدفاع الجوي "إيريس تي" ومدرعات "ماردر" ودبابات "ليوبارد 1و2" ومدافع "مارس 2" وناقلات الجنود والذخائر، وفق وزارة الدفاع الألمانية.
وقد بلغت القيمة الإجمالية للمساعدات الألمانية لأوكرانيا 16.8 مليار يورو، وفق الحكومة الألمانية، وبهذا تأتي برلين في المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة بخصوص تقديم الأسلحة للقوات الأوكرانية.
وعلى هذا الصعيد، أعربت رئيسة "المؤتمر الموحد" بريلاتين غيديون، عن تفهمها لتصدير الأسلحة إلى أوكرانيا.
لكن في الوقت ذاته، تطالب غيديون الحكومة الألمانية بالتحلّي بمزيدٍ من الشفافية وبأن لا يكون سخاء الحكومة الألمانية على صعيد تقديم السلاح لكييف "باباً وتمهيداً" لتصدير السلاح لدول خارج الحلف الأطلسي والاتحاد الأوروبي، أي إلى دول تصفها ألمانيا بالشمولية وبعدم احترام حقوق الإنسان.