وأعلن المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر (الكابينت) مساء الثلاثاء، موافقته على المقترح الأمريكي بشأن وقف إطلاق النار مع لبنان. وجاء في بيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو: "صادق الكابينت، بأغلبية 10 وزراء مقابل معارضة وزير واحد، على الاتفاق".
ورغم ذلك، يظل غياب إجابة رسمية من إسرائيل عن إمكانية وقف إطلاق النار في غزة، يثير الجدل، خصوصاً في ظل ازدياد المطالبات بذلك، إذ إن الوضع في القطاع أكثر إلحاحاً، فبالإضافة إلى الكارثة الإنسانية الناجمة عن الحرب، يوجد 101 محتجز إسرائيلي في القطاع.
"الأهداف الإسرائيلية في غزة أكثر تعقيداً"
تثار التساؤلات حول إمكانية التوصل إلى اتفاق مماثل لوقف إطلاق النار في لبنان، فيما تستمر الحرب بلا نهاية واضحة في غزة. في حين يربط محللون وسياسيون هذه المفارقة بملفات معقدة تمتد من الاعتبارات العسكرية إلى السياسية.
ويرى الباحث المختص في الشأن الإسرائيلي عصمت منصور، أن هناك عدداً من العوامل أسهمت في نجاح جهود الوساطة لوقف إطلاق النار في لبنان، التي تعثرت حتى الآن في قطاع غزة، أولها أن طبيعة المعركة تختلف بين الجبهتين، إذ لم تنطلق المواجهة في لبنان من أحداث مشابهة لما جرى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول في غزة.
ويوضح لـTRT عربي: "وبالتالي تختلف الأهداف، إذ كانت أهداف إسرائيل في لبنان تركز على احتواء الوضع، وإضعاف حزب الله، وضمان انسحاب مقاتليه بعيداً عن الحدود، وإعادة سكان الشمال إلى منازلهم، ويبدو أنها تحققت".
كذلك استمرار حزب الله رغم هذه الضربات في إطلاق الصواريخ، تسبب في ضغوط متزايدة على الاقتصاد الإسرائيلي من خلال التأثير على السياحة، والبنية التحتية، وشركات الطيران، كما منع عودة سكان الشمال بشكل كامل، وكل هذا كلَّف جيش الاحتلال الإسرائيلي وقوات الاحتياط، ما دفع إسرائيل إلى القبول بوقف إطلاق النار في هذه الجبهة، وفق منصور.
ويستطرد منصور : "أما في غزة، فالوضع مختلف تماماً، فلا توجد ضغوط مماثلة لما واجهته إسرائيل في الشمال، والأهداف أكثر تعقيداً وعمقاً، وتشمل طموحات استيطانية، بالإضافة إلى قضية المحتجزين... كل هذه العوامل تجعل نجاح الوساطة في غزة أكثر صعوبة في الوقت الحالي".
ويوافقه في الرأي الباحث والمحلل السياسي الفلسطيني محمد الأخرس، قائلاً إن "تعدد العوامل وتعقيدها كان له الدور الأكبر في تحديد الموقف الإسرائيلي تجاه الحرب على غزة ولبنان، فغزة هي الساحة الاستراتيجية الأولى لإسرائيل، وركز الاحتلال جهوده على تحقيق (حسم عسكري) هناك، فيما جاءت الحرب في لبنان في مرتبة ثانوية".
وأضاف لـTRT عربي أن "قرارات الحرب ووقفها في غزة مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالتعقيدات السياسية الداخلية لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي يسعى للحفاظ على استقرار ائتلافه الحاكم وموقعه السياسي، خصوصاً في ظل الضغوط المتعلقة بالتحقيقات في أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول والقضايا المرتبطة بها، إضافةً إلى محاكمته في قضايا الفساد".
وأوضح أن "التهديدات المتكررة من أعضاء الائتلاف الحكومي بالانسحاب من الحكومة في حال التوصل إلى اتفاق لوقف الحرب على غزة جعلت اتخاذ قرار بإنهاء القتال أكثر تعقيداً، وهذا ما يفسر غياب أي قرار نهائي من الجانب الإسرائيلي لوقف الحرب بشكل حاسم".
وفي ما يتعلق بالحرب في لبنان، أشار الأخرس إلى أن "الوضع هناك كان مختلفاً تماماً. بعد عام من القتال في غزة، واجه جيش الاحتلال الإسرائيلي استنزافاً كبيراً في الذخائر والموارد، ما جعل مواصلة الحرب في لبنان أكثر صعوبة. بالإضافة إلى ذلك، شكَّلت الهجمات الصاروخية على شمال إسرائيل ضغطاً كبيراً على الجبهة الداخلية".
أما عن الضغوط الدولية، يبيِّن الأخرس أنه "لم تكن هناك ضغوط حقيقية على إسرائيل لوقف الحرب في غزة. لعبت الإدارة الأمريكية دور الوسيط ظاهرياً، لكنها في الواقع كانت شريكاً أساسياً لإسرائيل، مما قلل من فاعلية أي ضغوط دولية في هذا السياق".
وتابع: "وعلى عكس غزة، ازدادت الضغوط الدولية لإنهاء الحرب في لبنان، خصوصاً من فرنسا والدول الأوروبية. حتى الولايات المتحدة وجدت مصالحها متناقضة مع استمرار الحرب في لبنان، لا سيما أن إدارة الرئيس الأمريكي الحالي كانت تسعى لتحقيق إنجاز سياسي قبل انتهاء ولايتها".
كيف سيؤثر القرار على العمليات الإسرائيلية في غزة؟
ترى صحيفة تايمز أوف اسرائيل أن قرار وقف إطلاق النار على جبهة لبنان من شأنه أن يكون له تأثير كبير على العمليات الإسرائيلية في غزة، فقد يُسهم في فصل الجبهات وتخفيف الضغط على جيش الاحتلال الإسرائيلي في الشمال، ما يسمح له بتركيز الموارد والجهود بشكل أكبر على جبهة غزة.
ويعتقد محمد الأخرس أن قرار وقف إطلاق النار في لبنان يحمل تأثيرات إيجابية وسلبية معقدة. ففي الجانب السلبي، يشير المحلل السياسي إلى أن "إسرائيل قد تلجأ إلى تكثيف هجومها تجاه القطاع لتعويض إخفاقاتها في لبنان، ما سيزيد من معاناة الشعب الفلسطيني ويزيد الضغط العسكري والإنساني على القطاع".
أما الجانب الإيجابي، فيرى الأخرس أن "هذا القرار يعكس تحولاً ملحوظاً في الاستراتيجية الإسرائيلية، حيث تتخلى تدريجياً عن سردياتها التقليدية مثل السعي لتحقيق نصر مطلق أو القضاء الكامل على الخصوم السياسيين، كحزب الله. وهذا التحول يُظهر استعداداً أكبر من جانب إسرائيل لقبول تفاهمات سياسية أو اتفاقيات تُنهي التصعيد، بدلاً من التمسك بخيار الحسم العسكري المطلق".
من جانبه يعتقد عصمت منصور أن قرار وقف إطلاق النار في لبنان يحمل تأثيرات مباشرة وغير مباشرة على الأوضاع في غزة، وأوضح أن التأثير المباشر يتمثل في تصعيد محتمل للأوضاع في القطاع، قائلاً: "قد تستغل إسرائيل وقف إطلاق النار في لبنان وضخ قوات احتياطية لتعزيز الضغط على حركة حماس، بعد أن أصبحت تعاني بالفعل من ضعف وعزلة".
أما التأثيرات غير المباشرة، فيرى منصور أن هذه التطورات قد تدفع باتجاه حلول سياسية محتملة، قائلاً: "إبقاء غزة تحت أنظار المجتمع الدولي والإقليمي يعزز النقاش حول إمكانية إيجاد تسوية سياسية، لا سيما في ظل استمرار المطالب بعودة الأسرى".
كما أن اقتراب تسلّم إدارة أمريكية جديدة قد يشكل عاملاً ضاغطاً يدفع جميع الأطراف إلى التفكير في تسريع خطوات إيجاد حل شامل للقضية الفلسطينية، وفق الباحث المختص بالشأن الإسرائيلي.
هل من هدنة قريبة في غزة؟
يقول محمد الأخرس إن قرار وقف إطلاق النار في لبنان قد يكون له تأثير على الحراك السياسي في غزة. وأوضح قائلاً: "يمكن أن يشهد الوضع الإقليمي والدولي تحركات جديدة باتجاه إيجاد حلول سياسية، حيث ظهرت مؤشرات على ذلك في تصريحات مستشار الأمن القومي الأمريكي جاك سوليفان، الذي أعلن أن الرئيس بايدن أوعز باستئناف الجهود لمحاولة وقف إطلاق النار في غزة".
وأضاف الأخرس: "هناك تطورات مثل اجتماع رئيس الوزراء المصري مع رئيس الوزراء القطري، بالإضافة إلى الدور التركي المتوقَّع في هذا السياق، ما يعزز احتمالية دخول المنطقة في مرحلة جديدة من التحركات الدبلوماسية".
مع ذلك، أشار إلى أن "الحكم على نتائج هذه الجهود ما زال مبكراً في ظل استمرار التحديات الكبيرة. لا تزال هناك حالة من الغموض حول الطروحات المقدمة من طرف المقاومة الفلسطينية ودولة الاحتلال، وهو ما قد يعوق الوصول إلى اتفاق واضح ومقبول من الطرفين".
من ناحيته أكد عصمت منصور أن قرار وقف إطلاق النار في لبنان يحمل تأثيرات قد تزيد من الحافز لبحث حلول سياسية إضافية في غزة، قائلاً: "إنه قد يفتح الشهية لإيجاد حلول مشابهة في غزة، خصوصاً في ظل تصاعد الضغوط المتعلقة بملف الأسرى".
وأشار منصور إلى أن "القرار قد يدفع أهالي الأسرى إلى الضغط بشكل أكبر على الجهات المعنية وعلى الحكومة الإسرائيلية لتحقيق تقدم في هذا الملف، وحتى داخل الحكومة الإسرائيلية، من المتوقع أن نشهد تصاعداً في الضغوط لا سيما من الأطراف التي تريد وقف الحرب".