على الرغم من الموقف الحازم الذي أبداه الرئيس التونسي قيس سعيد من قضية التطبيع إبان حملته الانتخابية، وتصريحه الذي ظل عالقاً في أذهان التونسيين والفلسطينيين، خصوصاً خلال مناظرة تلفزية، بأن "التطبيع خيانة عظمى وأن العرب في حالة حرب مع كيان غاصب ومحتل"، فإن كل تلك الأقوال لم تجسَّد فعلياً على أرض الواقع، حسب مراقبين، بعد وصوله إلى سدة الحكم، وفي ظل التزامه الصمت المطبق من خطوة التطبيع الإماراتي-الإسرائيلي.
أحزاب تونسية ومنظمات وطنية نددت في بيانات رسمية بالخطوة التي أقدمت عليها دولة الإمارات بتطبيعها العلني مع إسرائيل، على غرار حركة النهضة وحركة الشعب والتيار الديمقراطي والحزب الجمهوري وحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد واتحاد الشغل ونقابة الصحفيين.
رئاسة البرلمان في تونس، كانت أول مؤسسة رسمية سيادية أصدرت بيان تنديد ضد التطبيع الإماراتي، إذ وصف رئيسها راشد الغنوشي الخطوة بأنها "تعدٍّ على حقوق الشعب الفلسطيني وتهديد صارخ لحالة الإجماع العربي والإسلامي الرافضة للتطبيع". وجدد البرلمان التونسي تأكيد وقوفه المبدئي مع القضية الفلسطينية، داعياً البرلمانات العربية والدولية لإصدار الموقف المندد ذاته.
القوى السياسية والمدنية نفسها استنكرت ما وصفته بصمت رئاسة الجمهورية وامتناعها عن استصدار أي موقف للدولة التونسية حول خطوة التطبيع، معتبرة أنها تعبر عن تنكر للرئيس قيس سعيد لمضمون خطابه إبان حملته الانتخابية، كما دعت بعض الأحزاب وزارة الخارجية التونسية لاستدعاء السفير الإماراتي وإلزامه عدم التدخل في الشأن التونسي وإبلاغه الموقف الشعبي الرافض لخطوة التطبيع.
وزير الخارجية الأسبق والقيادي بحركة النهضة رفيق عبد السلام استنكر في حديثه مع TRT عربي، صمت الدبلوماسية التونسية عن خطوة التطبيع، بالنظر إلى العلاقات الأخوية والتاريخية الضاربة في القدم بين الشعبين التونسي والفلسطيني، علاوة على احتضان تونس في السابق مقر منظمة التحرير الفلسطينية، وانحياز الشارع التونسي إلى القضية الفلسطينية.
عبد السلام اعتبر أن هوة واسعة بين الخطاب الشعبي والممارسة السياسية في علاقة بالرئيس قيس سعيد المحمول عليه التعبير عن الخيارات الدبلوماسية التونسية، الذي سبق أن أعلن عن موقفه الرافض للتطبيع ووصفه بالخيانة العظمى.
وبخصوص الأسباب التي قد تدفع الرئيس التونسي إلى التزام الصمت وعدم استصدار أي موقف من التطبيع، رجح وزير الخارجية الأسبق أن يكون ذلك مرتبطاً بتوازنات وحسابات للرئيس في علاقته ببعض الدول العربية.
جدل تجريم التطبيع
على الرغم من الموقف الشعبي والحزبي في تونس المنحاز تماماً إلى القضية الفلسطينية، فإن غياب قانون واضح يجرِّم التطبيع مع الكيان الصهيوني، ظل يطرح أكثر من سؤال لا سيما بعد الثورة التونسية عن الجهات التي تقف حائلاً أمام إصداره، إذ سبق أن تقدمت أحزاب وقوى يسارية سنة 2015 بمشروع قانون يجرم كل أشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني، إلا أنه لم يرَ النور وظل حبيس أدراج البرلمان بسبب الخلافات الحزبية وتلكؤ مؤسسة الرئاسة في أكثر من مناسبة.
غياب الإرادة السياسية
جدل التطبيع وقانون تجريمه المؤجل أعيد طرحه داخل قبة البرلمان في فبراير/شباط 2018، إذ حمَّل حينها نواب المعارضة رئيس البرلمان آنذاك والقيادي في حزب نداء تونس محمد الناصر مسؤولية سقوط المشروع خلال مناقشته داخل لجنة الحقوق والحريات بالبرلمان، وبعد تغيب ممثل عن رئاسة الجمهورية، إذ تحول النقاش بين نواب البرلمان إلى تلاسن وتبادل للاتهامات بالعمالة للكيان الصهيوني.
تأجيل النظر في مشروع تجريم التطبيع، أثار تساؤلات وشكوكاً عديدة داخل الأوساط السياسية والشعبية في تونس حول وجود إرادة سياسية حقيقية للسلطة الحاكمة لرفض تجريم التطبيع، وبهذا الخصوص أقر القيادي في التيار الشعبي زهير حمدي في حديثه لـTRT عربي، بوجود ضغوطات كبيرة تمارسها دول وقوى كبرى على تونس في مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي مستغلة وضعها الاقتصادي والسياسي المتأزم.
وذكَّر القيادي اليساري بمواقف رسمية سابقة للرئاسة التونسية في عهد الرئيس الراحل بن علي لم تختلف كثيراً عمن خلفوه في الحكم، إذ سبق أن فتح بن علي سنة 1996، مكتباً للتمثيل الدبلوماسي التونسي في تل أبيب، وآخر مماثلاً للكيان الصهيوني في تونس، كما اعتبر أن غياب إرادة سياسية واضحة من قضية التطبيع تجعل المطبعين في حل من أي تتبع قضائي.
لا يختلف اثنان حول الموقف الشعبي التونسي المبدئي الداعم للقضية الفلسطينية، لكن هذا الدعم يصطدم بغياب أي إرادة سياسية رسمية لتجريم التطبيع، وفي الأثناء لا يجد هؤلاء غير الشارع للتعبير عن مساندتهم المطلقة لإخوانهم في فلسطين ولإدانة جميع أشكال التطبيع ومظاهر الاحتلال الصهيوني، إذ تستعد أحزاب تونسية ومنظمات وطنية وحقوقية للاحتشاد بكل ثقلها للتعبير عن رفضها للتطبيع الإماراتي-الإسرائيلي، والاحتجاج أمام سفارة دولة الإمارات العربية المتحدة في تونس العاصمة.
ونظم نشطاء وجمعيات مدنية وأحزاب تظاهرة احتجاجية الثلاثاء، ضد التطبيع أمام سفارة الإمارات بالعاصمة، رافعين أعلام فلسطين، كما أحرقوا أعلام الاحتلال وصور حاكم أبو ظبي (الفعلي) محمد بن زايد، مطالبين الرئيس التونسي بالخروج عن صمته غير المبرر الذي لا يعكس موقفه المعلن من التطبيع إبان حملته الإنتخابية، وهتفوا بضرورة طرد السفير الإماراتي من تونس، كشكل من أشكال الاحتجاج.