ستبوء خطّة ترمب الحالمة في تسوية الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي بالفشل، وهذا لأنّ الفلسطينيين ببساطة لن يستفيدوا منها شيئاً.
لم تتطرّق"صفقة القرن" المزعومة، التي كُشِفَت يوم الثلاثاء 28 يناير/كانون الثاني، إلى القضايا المُلحّة مثل: إقامة دولة فلسطينية مستقلّة على حدود 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، عودة البلدات والقرى الفلسطينية المُحتلّة من إسرائيل، وحق عودة اللاجئين الفلسطينيين، وإزالة المستوطنات اليهودية غير القانونية.
وتبدو خريطة الدولة الفلسطينية المُقترحة أشبه بسطح كعكةٍ مُتفتّتة. وكأنّها أرخبيلٌ فوق اليابسة، تتخلّله الطرقات الإسرائيلية في عشرات الأماكن.
وفي هذا السياق، يقول ريان بوهل، خبير الشرق الأوسط بمؤسسة Stratfor البحثية، لـTRT: "فكرة أنّ هذه الخريطة ستُمثّل دولةً فلسطينية ذات سيادة هي فكرةٌ مُستبعدة. إذ إنّ السيادة بمفهومها المعهود في الدول الأخرى لن يكون لها وجودٌ هناك. ولن يتمتّع الفلسطينيون بأي قوة دفاعية، كما ستتأثّر سياستهم الخارجية بسهولة، وتصير علاقاتهم الاقتصادية مُعتمدةً على إسرائيل" في حال مُرّرت الصفقة بطريقةٍ ما.
ومُقترح ترمب، الذي يأتي في وقتٍ يُواجه خلاله إجراءات عزلٍ في بلاده، ينحرف بشدة عن المحاولات السابقة لحل النزاعات الإقليمية والدبلوماسية. وإليكم نظرةً سريعة على بعض تلك المحاولات.
خطة الأمم المتحدة لتقسيم فلسطين عام 1947
في نوفمبر/تشرين الثاني عام 1947، تبنّت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً بتقسيم الأراضي الفلسطينية بين الشعبين العربي واليهودي.
وذهبت نسبة 56% من الأراضي إلى الشعب اليهودي الذي كان يُقدّر تعداده آنذاك بـ498 ألف نسمة. في حين كان تعداد الفلسطينيين يتجاوز الـ800 ألف نسمة، وحصلوا على 43% من مساحة الأرض فقط. وكان من المفترض بالقدس أن تكون مدينةً دولية.
ورفض الفلسطينيون المُقترح قائلين إنّ حقوق الغالبية لم تكُن محمية. ولم تكُن الوكالة اليهودية، ممثلة الكيان اليهودي، سعيدةً بملامح الخطة -لكنّها تهلّلت رغم ذلك بإقامة الدولة الإسرائيلية.
وبحلول وقت تأسيس إسرائيل في مايو/أيار عام 1948، كانت تُسيطر بالفعل على بعض الأراضي الفلسطينية. وفي السنوات اللاحقة، خاضت الدول العربية في المنطقة حروباً مع إسرائيل، التي استطاعت احتلال المزيد من الأراضي. وطردت إسرائيل الفلسطينيين من قراهم، لإفساح الطريق أمام المستوطنين اليهود.
قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 242
استولت إسرائيل على الضفة الغربية، والقدس الشرقية، وقطاع غزة، وشبه جزيرة سيناء المصرية وهضبة الجولان السورية في حرب الشرق الأوسط عام 1967.
ودعا قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 242، في الـ22 من نوفمبر/تشرين الثاني عام 1967، إلى "انسحاب القوات المسلحة الإسرائيلية من الأراضي التي احتلتها في الصراع الأخير". ومقابل ذلك، طُلِبَ من الدول العربية في المنطقة أن تُصلِح علاقاتها مع إسرائيل.
لكن القرار لم يُطبّق، ولم يُوف زعماء العالم بوعود إنفاذه. وتُواصل إسرائيل احتلالها لكافة تلك الأراضي حتى يومنا هذا، باستثناء شبه جزيرة سيناء.
وتعترف خطة ترمب بغالبية تلك الأراضي في الضفة الغربية على أنّها جزءٌ من الدولة الإسرائيلية.
معاهدات أوسلو
في التسعينيات، عقدت منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة زعيمها الراحل ياسر عرفات سلسلةً من المفاوضات مع الإسرائيليين من أجل التوصّل إلى حلٍ سلمي.
وجاءت المحادثات في أعقاب الانتفاضة الأولى في الثمانينيات، حين احتشد الشعب الفلسطيني في حركةٍ سلمية ضد الاحتلال الإسرائيلي ليلفتوا أنظار العالم إلى الأوضاع غير الإنسانية التي يعيشونها.
ولم تصِل تلك المحادثات إلى أيّ اتفاقٍ دائم، لأنّ القضايا الرئيسية ظلّت عالقة، مثل: المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية، والسؤال حول عودة اللاجئين، ووضعية القدس.
وواصل الفلسطينيون العيش تحت قبضةٍ أمنية إسرائيلية مُشدّدة تفحص حركتهم وتُراقبهم.
اغتيل رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين، الذي ترأس الجانب الإسرائيلي خلال المحادثات مع عرفات، على يد مُتشدِّدٍ إسرائيلي اعتقد أنّه منح العرب تنازلات أكثر من اللازم عام 1995. في حين أنّ الحالَ، في الحقيقة، لم تكُن كذلك على الإطلاق.
ونقلت المعاهدات السيطرة على المدن والبلدات الفلسطينية الكُبرى في الضفة الغربية وقطاع غزة إلى السلطة الفلسطينية، لكنّ تل أبيب واصلت فرض سيطرتها الأمنية وأرسلت جنودها متى استشعرت الحاجة إلى ذلك.
واعتبر المُتشدّدون اليهود أنّ الأرض هي حقّهم التوراتي، وعارضوا المفاوضات مع ياسر عرفات لأنّهم كانوا يخشون إجلاءهم من المستوطنات اليهودية غير القانونية.
وسحبت إسرائيل جنودها من قطاع غزة، لكنّها تُبقي القطاع تحت الحصار الجوي والبري والبحري، مما يجعل حياة السكان المُحاصرين اليومية بائسة.
وتركت خطة ترمب مصير اللاجئين الفلسطينيين، الذين طُرِدوا من منازلهم بسبب العدوان الإسرائيلي، في مأزق.
وسيفقِد أكثر من مليون لاجئ فلسطيني، يعيش غالبيتهم في الأردن ولبنان، حقّهم في العودة إلى منازلهم في حال تمرير الصفقة.
يقول بوهل: "تُمثّل (الخطة) تغييراً كبيراً عن خطط السلام السابقة، لأنها تميل بشدة لصالح الأحادية الأمريكية والإسرائيلية. كما لا تلقى قبولاً كبيراً في المنطقة أو من جانب الفلسطينيين. وتعترف خطة السّلام هذه بالحقائق على الأرض من نواحٍ كثيرة، إذ تأخذ الأشياء القائمة بحكم الأمر الواقع وتُقنِّنها".