تابعنا
لم يعد لعيد الأضحى أي فرحة أو "طعم" هذا العام بعد أن فقد محمد أحمد عدداً من أفراد عائلته خلال قصف الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، حيث تغيب الطقوس ومظاهر الفرح والاحتفال مع دخول الحرب شهرها التاسع.

يتحدث أحمد، وبصوت يملؤه الغضب والحسرة يقول: "أيُّ عيد هذا سيأتي وأنا فقدت أحبائي؟ استُشهد أربعة من أفراد عائلتي أمام أعيني، وها هو العيد الثاني الذي يدخل هذا العام وأنا وحيد في الخيمة".

في الأعياد السابقة اعتاد الرجل الأربعيني ذبح الأضاحي وتقديمها، وهو التقليد الأبرز لسكان أهالي غزة، إذ تتنوع الأضحية حسب الحالة المادية لكل شخص أو عائلة، "لمن سأضحي هذا العام وأنا أسكن الآن وحدي في خيمة؟"، حسبما يقول الأحمد لـTRT عربي.

وأثرت الحرب المتواصلة بشكل كبير في الحالة النفسية لأهالي القطاع خصوصاً في ما يتعلق بشعائر العيد من ناحية الأضحية والحج، فهناك عديد من الفلسطينيين حُرموا أداء فريضة الحج مع استمرار وإغلاق المعابر.

أول عيد من دون أضاحٍ

كان عيد الأضحى في غزة مناسبة مفعمة بالبهجة والتقاليد، حيث كانت الأضاحي تُذبح في الشوارع أو المنازل، لتُشارك العائلات فرحة العيد.

وفي أول أيام العيد، اعتاد الغزيون على تناول وجبة "كبدة الخروف" المُحمرة بعد أداء صلاة العيد، ولم تخلُ موائد العيد من طبق "القدرة الغزاوية" الشهير، تلك الأكلة الشعبية الفلسطينية التي تجمع بين اللحم والرز المطبوخ بالسمن البلدي، مضيفةً نكهة خاصة على هذه المناسبة المميزة.

ومن التقاليد أيضاً للسيدات صناعة الكعك، إذ تفوح رائحة المنازل بـ"معمول العيد" والحلويات من كنافة غزاوية وبقلاوة والعوامة.

لكن بسبب الحصار الذي يفرضه الاحتلال وإحكام سيطرته على المعابر والقصف المستمر على المخابز والأسواق وعرقلة دخول المساعدات الإنسانية، يواجه الآن عديد من السكان "جوعاً كارثياً وظروفاً شبيهة بالمجاعة"، وفق الأمم المتحدة.

وتختفي مظاهر عيد الأضحى في أسواق مدينة غزة والقطاع بشكل عام بفعل الحرب مع استمرار الجيش الإسرائيلي في عملياته العسكرية في كل المناطق، ومنعه كل الاحتياجات المتعلقة بالعيد من الدخول وعلى رأسها الأضاحي، وسط شح كبير أصلاً في اللحوم والدواجن والخضراوات والفواكة في القطاع.

ويتعرض الأهالي لضغوط نفسية عديدة جداً، وكل بيت بداخله جرح عميق بفعل استشهاد وإصابة أو فقدان أحد من أفراد العائلة.

وفي هذا الصدد يقول محمد الأحمد: "نعيش ظروفاً مادية ونفسية قاسية، نحن في حرب إبادة ولن نشعر بالعيد ما دام شهداؤنا يسقطون كل يوم".

من جهتها، تستذكر السيدة أم إياد (68 عاماً) عيد الأضحى في السنوات السابقة، إذ كان أولادها وأحفادها يزورونها في منزلها، وتقول: "كنا نأكل ونشرب ونضيف الكعك، كان أولادي جميعاً يجتمعون عندي (الله يرضى عنهم)، وكنا نذهب لزيارة جيراننا ثم نذهب إلى الجامع نصلي صلاة الصبح ونعود.. كنا مبسوطين".

تقارن السيدة النازحة من بيت حانون بين الأوضاع في الأعياد السابقة وهذا العام بقولها إن "الفرق بين الأرض والسما"، وذلك بسبب الدمار الذي حل بمنزلها وحيّها، إلّا أنها ترى أن بقاء أولادها بخير وصحة جيدة أهم من أي شيء بالنسبة لها.

"لا يوجد ماء، والردم مليان في الطرق، منزلنا دُمر، وأوضاعنا صعبة، وأولادي يعطونني بعض النقود لشراء الأدوية والأشياء الضرورية"، وفق ما تقوله أم إياد في حديثها لـTRT عربي.

وفي خيمة مطلة على مستشفى ناصر في خان يونس، يجلس محمد علي (74 عاماً) مستقبلاً عيد الأضحى المحمل بذكريات مرة، إذ غاب عنه هذا العيد عدد من أفراد عائلته بعد استشهادهم.

ويقول: "هذا أول عيد نستقبله وخسرنا عديداً من الشهداء، الأمور صعبة جداً هذا العيد وكان الله في عوننا".

يشكو الحاج صعوبة الحال المادي وضيق المعيشة وصعوبة تأمين الطعام بتساؤله: "كيف بدنا نضحي وإحنا عايشين على المعلبات؟ فنحن بالأصل نحضر الطبخة بصعوبة من أماكن التوزيع".

ويقول: "هذا أول عيد يمر علينا دون أضاحٍ.. لا يوجد فلوس وعايشين على الإعانات.. لا يوجد إمكانية مادية مثل ما كنا قبل الحرب الواحد يطبخ طبخته كاملة.. الآن أستنى الناس يطبخولنا عشان يعطونا الأكل. أول مرة بيصير معنا هيك.. نتمنى من الله تفرج علينا وتخلص الحرب على خير وتمشي أمورنا وترجع زي الأول".

ويقول الرجل: "هذا أول عيد يمر علينا دون أضاحٍ، لم نعد نملك المال، ونعيش على الإعانات فقط. لم تعد لدينا القدرة المادية على إعداد وليمة كاملة، كنا نفعل ذلك قبل الحرب، أما الآن فنعتمد على نقاط التوزيع ليُعدوا لنا الطعام".

وأضاف بصوت متعب: "أول مرة نواجه مثل هذه الظروف، نرجو من الله أن تُفرج علينا وأن تنتهي الحرب، ونعود إلى حياتنا الطبيعية".

عيد الأضحى يأتي على الأطفال الغزيين هذا العام في المخيمات بلا مظاهر فرح ولا احتفالات. (TRT Arabi)

عيد الأطفال في المخيمات

لعيد الأضحى وقع مختلف على الأطفال الذين يشاركون أقرانهم اللعب والمرح في ساحات العيد والمتنزهات، فضلاً عن تحضير ثياب العيد بما فيها الكثير من الحماس لدى الأطفال.

وفي هذا الصدد، يصف الطفل حسام نعيم (12 عاماً) استقبال العيد في مخيمات خان يونس بقوله: "كانت أجواء العيد قبل الحرب جميلة، وكنا نذهب إلى السوق ونشتري الملابس والحلويات ونصلي في الجوامع، أما الآن فنحن في الخيام ولا نستطيع أن نفرح".

اعتاد الطفل الذهاب إلى منزل جدته أول أيام العيد حيث تجتمع العائلة ويحصل الأطفال على "العيدية" التي تكون أغلب الأحيان على هيئة مبلغ مالي، كما اعتاد أيضاً على زيارة منزل عمته الذي "هُدم ودمر"، حسب ما يقوله لـTRT عربي.

توفيت جدة حسام وهدم المنزل، واضطر مع عائلته إلى النزوح عدّة مرات في مناطق قطاع غزة ليستقر الآن في خان يونس.

تشتت شمل عائلة حسام بفعل الحرب، حيث بقي بعضهم في مناطق الشمال والباقي نزحوا إلى الجنوب، ويرى أن أصعب ما في النزوح هو حرارة الشمس صيفاً وصعوبة الحصول على ماء نظيف.

عيد الأضحى يأتي على الأطفال الغزيين هذا العام في المخيمات بلا مظاهر فرح ولا احتفالات. (TRT Arabi)

أما الطفلة سما (7 سنوات) فتشتهي ارتداء ملابس العيد وتناول الحلويات واللعب في الشوارع مع إخوتها، وتقول: "كانت أمي وجدتي الله يرحمها تعطينا العيديات.. أفتقدها كثيراً".

تفتقد سما أيضاً زينة عيد الأضحى بعد دمار منزلهم بسبب القصف، فضلاً عن غياب مظاهر أبرزها الطعام اللذيذ والفسح وزيارة أفراد العائلة.

وحسب تقديرات منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) فإن ما لا يقل عن 17 ألف طفل في قطاع غزة غير مصحوبين أو منفصلون عن ذويهم، و"لكل واحد قصة مفجعة من الفقدان والحزن"، وفق توصيف المنظمة.

TRT عربي
الأكثر تداولاً