بعد أكثر من عقد من الخلاف الدبلوماسي الذي وضعهما على طرفي نقيض في الصراع السوري، تحركت أنقرة ودمشق مؤخراً لتطبيع العلاقات إذ تصافح وزيرا الدفاع السوري والتركي في موسكو في اجتماع هام الأربعاء.
يشير الاجتماع الثلاثي بين وزراء الدفاع التركي والروسي والسوري (خلوصي أقار وسيرجي شويغو وعلي محمود عباس) إلى إمكانية إنهاء الصراع الوحشي في سوريا.
وأصدرت وزارة الدفاع التركية بياناً بعد الاجتماع، قالت فيه إن الوزراء الثلاثة ناقشوا قضايا تتعلق بالأزمة السورية وقضية اللاجئين، بجانب مكافحة التهديدات الإرهابية التي تمس الحدود التركية.
وأكد البيان أيضاً أن مزيداً من الاجتماعات بين أنقرة ودمشق ستُعقد في المستقبل القريب لتعميق عملية المصالحة التي تهدف إلى تحقيق الاستقرار في سوريا. ويذكر أن العلاقات بين أنقرة ودمشق تدهورت بعد اندلاع الحرب الأهلية السورية في عام 2011.
وسعت تركيا وسوريا في الأشهر الأخيرة، بشكل متزايد لدفن الخلافات الدبلوماسية السابقة وإعطاء الأولوية للمخاوف الأمنية المحلية، والبحث حول كيفية التعاون لمكافحة الجماعات الإرهابية التي تهدد الحدود بين الجارتين، حسب رأي بعض الخبراء.
وتأتي مؤشرات المصالحة المتنامية بين أنقرة ودمشق وسط تقارير متزايدة حول عزم تركيا على شن عمليات برية ضد ميليشيا YPG-PKK الإرهابية التي تعمل من شمال سوريا.
يقول عبد الله آجار، الخبير الأمني المقيم في إسطنبول في حديثه مع TRT World: "كانت حرباً خلّفت كثيراً من الآلام والدمار والتوترات الطائفية. هذه جروح عميقة تحتاج بشكل خاص إلى عملية إصلاح، هل يمكن للطرفين العمل على تضميد هذه الجروح؟ نأمل أن يستطيعا".
ماوراء الكواليس
التقى رئيسا المخابرات التركي والسوري في اجتماع يوم الأربعاء الماضي للبدء بمحادثات حول وضع علاقة البلدين. وحسب بعض المسؤولين الأتراك، فإن المحادثات الجارية خلف الكواليس تُرسي الأساس لمصالحة سياسية محتملة.
ويضيف آجار في حديثه إلى TRT World: "هذا الطريق ليس سهلاً، ولكن إذا أظهر كلا الجانبين التزامه عملية المصالحة ولم تعرقل القوى الخارجية (مثل روسيا وإيران والولايات المتحدة) مسعاهم، فسوف تكون النتيجة جيدة". ويبدو أن روسيا تدعم المصالحة التركية-السورية أكثر من أي لاعب سياسي آخر، من خلال اجتماع موسكو الثلاثي.
أشار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مؤخراً إلى أن العلاقات المتصدعة مع دمشق يمكن أن تلتئم. ويذكر أن الرئيس التركي طور علاقات قوية مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين من خلال عملية أستانا للسلام بهدف معالجة الصراع السوري.
وفي حفل افتتاح كأس العالم لكرة القدم الشهر الماضي، وبعد مصافحة نظيره المصري عبد الفتاح السيسي، أكد أردوغان أنه: "لا ينبغي أن يكون في السياسة استياء". واستكمل: "في الفترة المقبلة، وكما بدأنا مساراً مع مصر، يمكننا أيضاً انتهاج نفس الخطوة مع سوريا".
كما طبّعت تركيا أيضاً العلاقات مع الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وإسرائيل بعد أن حادت ثورات الربيع العربي عن مسارها.
ودعا أردوغان الدول الإسلامية إلى المساعدة في تحقيق استقرار سوريا، خلال اجتماع منظمة الدول الإسلامية في اسطنبول الشهر الماضي. وقال الرئيس التركي، مشدداً على نوايا تركيا لإعادة سوريا إلى المسار الصحيح: "لكي تتخلص سوريا من دوامة الصراع والأزمة الإنسانية والإرهاب، يجب على الدول الإسلامية أن تبدي إرادة أقوى في دعم جهود الحل السياسي".
عدو مشترك
تعرضت سوريا لضربات الحرب الأهلية المستمرة منذ أكثر من عقد من الزمان، ما أدى إلى مقتل الآلاف من المدنيين وتشريد الملايين، إلى جانب ظهور جماعات إرهابية مثل داعش وYPG-PKK.
وتشكل تلك المليشيات تهديداً لكل من تركيا وسوريا، وهما دولتان لهما تاريخ مشترك طويل في منطقة الشرق الأوسط. كما تحتل ميليشيا YPG مساحة كبيرة من الأراضي عبر شمال شرق سوريا، بما في ذلك حقول النفط والسدود، ما يؤثر على وحدة أراضي دمشق ويهدد أمن الحدود التركية.
بينما تسببت الحرب الأهلية في معاناة كثيرين، استخدمها YPG، الجناح السوري لـPKK المصنفة منظمة إرهابية من تركيا والولايات المتحدة، لكسب مزيد من الأراضي والنفوذ السياسي بفضل الدعم المالي والدبلوماسي الذي تتلقاه من أمريكا.
كما استغلت الجماعة المذكورة الخلافات بين سوريا وتركيا لصالحها، ولكن التقارب السياسي بين الجارتين قد ينهي سيطرة الجماعة الإرهابية في شمال سوريا، وفقاً لما قاله أجار.
وأضاف أجار: "تمثل تلك الجماعة تهديداً مشتركاً لأنقرة ودمشق، فهل يمكننا فض العداء بيننا والتعاون ضد YPG ؟ نعم، نستطيع"
ماذا سيعود على نظام الأسد من هكذا التعاون؟
قد يساعد التعاون التركي السوري، دمشق على استعادة سيطرتها على الجانب الشرقي من نهر الفرات، الخاضع لاحتلال YPG، ما يضمن التوزيع العادل للموارد عبر جميع الأراضي السورية، كما يقول الخبير الأمني الدولي أولاش بيهليفان لـTRT World .
ولكن سوف تبقى قضايا عالقة بين دمشق وأنقرة، مثل وضع ملايين اللاجئين السوريين الذين يعيشون في تركيا إلى جانب قضايا أخرى مثل كيفية إدماج المعارضة السورية في الهيكل السياسي الحالي الذي يقوده الأسد وأفراد أسرته.
في حين أن نظام الأسد كان قادراً على كسب جزء كبير من سوريا بمساعدة روسيا وإيران خلال الحرب الأهلية، إلا أنه "لم يُتوصل بعد إلى مصالحة داخلية (سياسية)، وهو أمر ضروري للتطبيع الدولي لسوريا" كما صرح بيهليفان في حديثه مع TRT World.
ويرى بهليفان أن التسوية السورية الدائمة للمشاكل الداخلية هي مفتاح التقارب طويل الأمد بين أنقرة ودمشق. ويعتقد بهليفان أن سوريا يمكن أن ترى تركيا شريكاً ووسيطاً مفيد بين جماعات المعارضة ودمشق.
وأضاف بهليفان: "يجب أن تتعاون أنقرة ودمشق في محاربة تلك الجماعات الإرهابية، والعمل معاً على ملفات مثل التجارة الثنائية والتوزيع العادل للمياه ومصادر النفط وإعادة إعمار سوريا فضلاً عن تحسين الظروف في سوريا من أجل العودة الطوعية للاجئين من تركيا".
عوامل أخرى
من المحتمل أن تتأثر المحادثات السورية التركية بالجهات الخارجية الفاعلة، مثل روسيا وإيران، الداعمين لدمشق، والولايات المتحدة، حليف YPG الإرهابي. فيما تهز الاحتجاجات أنحاء إيران، وتواجه روسيا مقاومة شديدة، بل وهجوماً مضاداً عبر شرق أوكرانيا.
على الرغم من المعادلة السياسية المعقدة عبر أوراسيا والشرق الأوسط قد تطور الولايات المتحدة وروسيا نظرياً إجماعاً سياسياً يتوافق مع مخاوف تركيا المتعلقة بالأمن القومي في سوريا، ولكن آجار يرى أن هذا الاحتمال صعب لكنه ليس مستحيلاً.
كما يعتقد آجار أن استعداد تركيا لشن عملية أخرى عبر الحدود ضد YPG الإرهابي، حرك المياه الراكدة بين موسكو وواشنطن ودمشق وأنقرة، مما زاد احتمالية التطبيع بين الجارتين.
وأضاف آجار: "نتيجة لذلك، يمكن حتى تلبية توقعات تركيا (فيما يتعلق بمليشيا YPG-PKK الإرهابية في شمال سوريا) قبل بدء تركيا العملية". كما يرى أن عملية التطبيع بين تركيا وسوريا سوف تتشكل من خلال كيفية سير العملية التركية المحتملة في شمال سوريا.
وحسب بهليفان، فإن الأوضاع الاقتصادية السيئة في سوريا هي أحد عوامل التقارب المحتمل بين البلدين. واستكمل : "سوريا بحاجة إلى تركيا للحصول على مساعدات اقتصادية".
وأكد أيضاً كمال علم، محلل عسكري وزميل غير مقيم في المجلس الأطلسي لـTRT World، أن الأسد يحتاج إلى مساعدة مالية، ويمكن أن تكون تركيا مهمة في هذا الصدد.
وتعتبر تركيا أهم بلد بالنسبة لسوريا. لهذا قال الأسد في عدة مرات إنه "يستطيع مصافحة أردوغان".
كما أعرب دولت بهجلي، أحد أقوى حلفاء أردوغان وزعيم حزب الحركة القومي، عن دعمه للمصالحة بين سوريا وتركيا إذ قال: "الاتصال الذي أجراه رئيسنا مع الرئيس المصري السيسي في قطر هو المسار الصحيح". وأضاف: "في رأينا يجب دعم هذه الخطوة بخطوة أخرى وفتح المجال للقاء مع رئيس الجمهورية العربية السورية بشار الأسد".
وأضاف أنه "يجب تشكيل إرادة مشتركة ضد المنظمات الإرهابية"، في إشارة إلى مخاوف الأمن القومي المشتركة بين البلدين فيما يتعلق بوجود مليشيا YPG-PKK وداعش الإرهابيَّيْن في سوريا.