أظهرت الحرب والأحداث التي يعيشها قطاع غزة هذه الأيام جانباً من التعامل مع الرياضيين واللّاعبين في الدول الغربية.
فإذا كانت عقودهم الخيالية تسمح لهم بالعيش في أريحية مالية، فهم في الوقت ذاته مضطرون إلى القبول بالتضييق الكبير الذي يُفرض عليهم في ما يخصّ الإدلاء بآرائهم تجاه مختلف القضايا، وفي مقدمتها التضامن مع فلسطين واستنكار بشاعة آلة الحرب الإسرائيلية.
وأظهرت التجارب أن التضييق على الحريّات يمسّ جميع الرياضيين بمختلف جنسياتهم، إلا أن اللاعبين العرب والمسلمين كانوا الأكثر تضرراً منه في الدوريات الأوروبية.
تهديد بالسجن
لم يكن الدولي الجزائري يوسف عطال يتصور يوماً أنْ تتسبَّب إعادة نشر فيديو للداعية الفلسطيني محمود الحسنات على حسابه الرسمي في إنستغرام، في 18 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، في تهديده بالسجن.
وبسبب تصريحه العلني بدعم الفلسطينيين في نضالهم ضدّ الاحتلال الإسرائيلي، يتعرّض اللاعب لحملة انتقادات حاولت "تجريم" سلوكه.
ورغم أنه حذف المنشور جرّاء التهديدات، فإنّ المدعي العام في مدينة نيس الفرنسية التي يلعب عطال لناديها المحلي فتح تحقيقاً يتعلق بشبهة "التحريض على الكراهية"، وهي التهمة التي أضحت آلية قانونية تُستعمل لقمع حرية رأي أنصار القضية الفلسطينية في أوروبا.
وبناءً على هذا التحقيق وقفت الشرطة الفرنسية في 23 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي عطال، طيلة ساعات قبل الإفراج عنه في اليوم الموالي، في انتظار المثول أمام محكمة الجنايات في 18 ديسمبر/كانون الأول الجاري.
ووفق القانون الفرنسي فإن عطال مهدد بالسجن لمدة عام، وغرامة قدرها 45 ألف يورو.
وفي انتظار مثوله محاكمته حظرت السلطات الفرنسية على عطّال مغادرة الأراضي الفرنسية ما عدا للعب مباريات، وفرضت عليه دفع كفالة مالية قدرها 80 ألف يورو.
وإنْ كانت قضية عطال هي الأشدّ قسوة فإن كثيراً من اللاعبين والرياضيين تعرضوا لضغوط أو لهجمات إعلامية، منهم الدولي التونسي عيسى العيدوني لاعب يونيون برلين الألماني، الذي تعرض لهجوم كبير بسبب إعلانه تضامنه مع فلسطين على إنستغرام.
وفسخ نادي ماينز الألماني عقد لاعبه الهولندي من أصل مغربي أنور الغازي بسبب تضامنه مع غزة عبر منشورات في مواقع التواصل الاجتماعي.
وقال النادي الألماني في بيان إنه أنهى تعاقد لاعبه البالغ من العمر 28 عاماً بعد منشوراته وتعليقاته عبر منصات التواصل.
عقوبة سياسية
ويعتبر الناقد الرياضي الجزائري يزيد وهيب أن العقوبة التي طبّقها الاتحاد الفرنسي على لاعب نيس بالمنع من اللعب لسبع مباريات هي "سياسيّة" ولا علاقة لها بالرياضة.
ويضيف وهيب لـTRT عربي أنَّ "ما تعرض له عطّال ومعاقبته بقضية لا علاقة لها بفرنسا أمر غريب، إذ استغلّت الآلة الإعلامية والسياسية المؤيدة للاحتلال الصهيوني المنشور لتحوّل تضامنه وتضامن رياضيين آخرين مع فلسطين إلى مادة دسمة استغلّها اليمين المتطرف الفرنسي للهجوم على المسلمين والمهاجرين استعداداً للانتخابات المنتظرة في البلاد".
من جهته يعتبر الناقد الرياضي ووكيل اللاعبين حسين جنّاد أنه لا توجد أي بنود في عقود اللاعبين تمنعهم من إبداء رأيهم في مختلف القضايا المحلية أو الدولية، ومنها القضية الفلسطينية.
ويؤكد جنّاد في حديثه مع TRT عربي أن "الأندية والاتحادات الأوروبية تعتمد على الثغرات القانونية والأحكام العامة لتطويع التشريعات المنظِّمة وفق ما تراه مناسباً لرؤيتها السياسية والأيديولوجية".
ويبيّن أن هذه الأحكام السياسيّة التي تحاول الأندية إعطاءها طابعاً رياضياً تظل أمراً منتظراً، لأن اللاعبين المعاقَبين ينشطون في دول معروفة بماضيها الاستعماري، وبالتالي فإن تأييدَها للاحتلال على حساب المقاومة الفلسطينية لا يخرج عن خلفيتها الأيديولوجية المعروفة.
بدوره يؤكد الناقد الرياضي التونسي وائل فطوش أنه "لا توجد تشريعات رياضية صريحة تمنع الرياضيين من التعبير عن آرائهم بكل حرية تجاه مختلف القضايا".
ويشير فطوش في حديثه مع TRT عربي إلى أنَّ "الاتحاد الدولي لكرة القدم يرفع شعار (الرياضة تجمع الشعوب)، وبالتالي فإن منع اللاعبين من التضامن مع الفلسطينيين يخالف هذا الشعار".
ازدواجية المعايير
ويرى الناقد الرياضي يزيد وهيب أن "ما يحدث للرياضيين المتضامنين مع فلسطين في أوروبا والدول الغربية لا يمكن تصنيفه إلّا في خانة سياسة ازدواجيّة المعايير المطبقة في الغرب".
ويشدّد على أن هذا "يغيّب حقّ حرية التعبير المضمون قانوناً عندما يتعلّق الأمر بفلسطين، وتحلّ معه العنصرية بتمكين فئة من هذا الحق وحرمان فئة أخرى منه لأنها مسلمة أو عربية أو مهاجرة".
ويعتبر وهيب أن هذا التضييق الذي يتعرض له اللاعبون المؤيّدون للقضية الفلسطينية يتنافى مع المُثل التي تحميها قوانين الاتحاد الدولي للكرة (فيفا) التي تضمن حق اللّاعبين في التعبير عن آرائهم.
وتنص المادة الثانية من الدليل القانوني لكرة القدم الصادر عن فيفا أن الأخيرة تلتزم احترام كل حقوق الإنسان المعترف بها دولياً، وتسعى جاهدة لحماية هذه الحقوق، ومعلوم أن حرية التعبير من أساسيات حقوق الإنسان.
وجاء في المادة الرابعة من القانون ذاته أن فيفا تسهر على منع كل أشكال التمييز والعنصرية، ومنها التمييز في حقّ إبداء الرأي.
لكن الاتحاد الدولي لكرة القدم لم يتحرّك مطلقاً لوقف التجاوزات التي حدثت ضدّ اللاعبين المتضامنين مع فلسطين، ما يطرح تساؤلات عدة إنْ كان شريكاً في الأمر ويعتمد بدوره سياسة الكيل بمكيالين.
ويظهر هذا باختلاف مواقفه، إذ أصدر عند بداية الحرب الروسية-الأوكرانية قرار خوض روسيا المباريات الرسمية خارج أرضها من دون جمهور، ومنع استخدام اسم روسيا وتعويضه بالاتحاد الروسي لكرة القدم، فضلاً عن اعتماد شعار الاتحاد الروسي بدلاً من العلم الروسي.
كما حظر رفْعَ علم روسيا وعزْف نشيدها الوطني في المباريات التي تشارك فيها تحت اسم الاتحاد الروسي لكرة القدم، وهي العقوبات التي لم تطبّق اليوم على الاحتلال الإسرائيلي.
ويقول الناقد الرياضي وائل فطوش إن العقوبات المسلطة على الرياضيّين المتضامنين مع فلسطين بمن فيهم لاعبة التنس التونسية أُنس جابر، التي هُدِّدت بفسخ عقود إعلانية، هي عقوبات عنصرية تثبت بامتياز ازدواجية المعايير المعمول بها في الغرب.
ويستغرب فطوش من أن "التضامن مع أوكرانيا أمر مرحّب به، لكن مساندة فلسطين سلوك مرفوض وجريمة يعاقب عليها القانون، وبهذا خسر الغرب في امتحان الإنسانية والمساواة في تطبيق القانون".
وما يؤكد هذا الرأي بخصوص بعض الأندية الأوروبية هو أن نظيراتها في البلد نفسه أو في دول مجاورة لم تطبق هذه الأحكام الجائرة.
وعلى سبيل المثال، دعَم نادي بوروسيا دورتموند لاعبه الجزائري رامي بن سبعيني عندما نشر صورة متضامنة مع الفلسطينيين، وأكدّ أن الدولي الجزائري لم يقُم بأي سلوك يستدعي معاقبته، كما أن إسبانيا سمحت للجماهير بإدخال لافتات عملاقة تعلن دعم المقاومة وتنبذ الاحتلال.