وافق مجلس النواب الأمريكي بأغلبية ساحقة على إقرار قانون "مهسا أميني"، لفرض عقوبات على المرشد الإيراني علي خامنئي، والرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، وغيرهما من المسؤولين الإيرانيين على خلفية "انتهاكات حقوق الإنسان وقمع الاحتجاجات"، بالتزامن مع الذكرى السنوية الأولى لمقتل الشابة الإيرانية مهسا أميني (22 عاماً).
وأقرّ المجلس مشروع القانون بغالبية ساحقة، وذلك بموافقة 410 أصوات مقابل 3 أصوات رافضة، حيث صوَّت كل من النائبتين الديمقراطيتين إلهان عمر ورشيدة طليب إضافةً إلى الجمهوري توماس ماسي ضد القانون.
ورغم الدعم الكبير لمشروع القانون، فإنّ تنفيذه معلَّق بموافقة مجلس الشيوخ على إقراره وتوقيع الرئيس جو بايدن، ليصبح قانوناً نافذاً.
وقُدِّم قانون مهسا لأول مرة في يناير/كانون الثاني 2023، بعد أشهر قليلة من مقتلها في أثناء احتجازها لدى شرطة الحجاب في طهران، مما أثار أشهراً من الاحتجاجات واسعة النطاق التي شغلت الشارع الإيراني بشكل لم يسبق له مثيل.
عقوبات جديدة
ووافق الكونغرس الأمريكي على إجراءات تستهدف إيران؛ بسبب سجلّها في مجال حقوق الإنسان ووضع قيود على قدرة البلاد على استيراد أو تصدير ترسانتها المتزايدة من الأسلحة.
وفي ثنائية الفعل وردة الفعل يُلزم مشروع «قانون مهسا أميني» المقدَّم من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، الإدارة الأمريكية بمحاسبة وفرض عقوبات على كيانات داخل النظام الإيراني على رأسهم المرشد الأعلى علي خامنئي، والرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، وغيرهم من المسؤولين الإيرانيين، وفق وكالة "أسوشييتد برس".
ولاقت نتيجة التصويت ترحيباً من السيناتور الأمريكي عن الحزب الجمهوري جيم بانكس، الذي قدَّم مشروع قانون مهسا أميني بعد إقراره في مجلس الكونغرس عبر تغريدة له قال فيها: "مجلس النواب أقرَّ للتوّ مشروعَي لمعاقبة المرشد الأعلى ودائرته المقربة".
وتستهدف مشاريع القوانين الثلاثة المسؤولين الإيرانيين المشاركين في إنتاج وتصدير الصواريخ والطائرات من دون طيار، والمسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان والإرهاب، فضلاً عن اضطهاد النظام للأقلية الدينية البهائية.
تكهنات حول المعارضين
وفي الإطار نفسه، أثارت حقيقة إقرار القانون بالإجماع تقريباً، بأغلبية 410 أصوات مقابل 3 أصوات، ردود فعل سعيدة من مؤيديه، ولكن أيضاً أثار تكهنات حول من صوّت ضدّ مشروع القانون، وتكمن المفارقة الغريبة في أنّ النائبتين المسلمتين في الكونغرس الأمريكي إلهان عمر ورشيدة طليب كانتا من المعارضين لهذا القانون.
لا شكّ أنّ النائبتين عن الحزب الديمقراطي الأمريكي إلهان عمر، التي تتحدر من أصول صومالية، ورشيدة طليب، وهي من أصل فلسطيني، شكّلتا حالة من الجدلية منذ وصولهما إلى مجلس النواب عام 2016.
كما سبق أن دارت حرب كلامية بين النائبتين الديمقراطيتين والرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب، انتهت بمنع النائبتين من زيارة القدس في خطوة تماشت مع مطالب ترمب، وفق صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية.
وخاضت العضوتان تحديات جمّة لا سيّما فيما يتعلق بمواقفهما السياسية غير التقليدية وإحداث حالة من الصخب والتحدي للأعراف القديمة للمؤسسة الأمريكية، فهل ذلك يبرر رفضهما مشروع "قانون مهسا أميني"؟ ولمصلحة أي طرف جاء الرفض؟
العقوبات ليست الحل الوحيد
يعتقد أستاذ العلاقات الدولية في «مركز ابن خلدون» بجامعة قطر، الدكتور علي باكير في حديثه مع TRT عربي، أنّ التصويت ضدّ القرار يأتي في سياق الحسابات الأمريكية الداخلية بشكل أساسي، وإن كان الموضوع يتعلق بالسياسة الخارجية للبلاد.
ويرى باكير أنّ إلهان عمر على سبيل المثال كانت لها مواقف سابقة تشير فيها إلى أنّ العقوبات لا يمكن أن تكون الحل الوحيد والسريع لكل أزمة أو مشكلة في السياسة الخارجية الأمريكية، لافتاً إلى أنّ اتّباع منهجية فرض العقوبات أثبتت مع الزمن أنّها غير ناجعة ولا تحقق الهدف المنشود.
ويضيف باكير أنّ "آخرين أيضاً يرون أنّ استخدام العقوبات يجب ألا يعكس ازدواجية في التعامل مع الدول بحيث يجري التركيز على بعض الدول وإعفاء أخرى، كإسرائيل على سبيل المثال"، موضّحاً أنّه "لا يجوز إغفال الحسابات المتعلقة بالانتماءات الحزبية الأمريكية والاتجاهات الشخصية التي تؤثر غالباً على عملية التصويت".
ويؤكد باكير أنّ النظام الإيراني يستفيد من الحسابات الداخلية الأمريكية من دون شك، فهو يحاول وغيره من الدول الأخرى توظيف الانقسامات والاعتداءات الداخلية المختلفة في حساباته الخاصة.
ومع ذلك لا يعتقد باكير أنّ عملية التصويت ستؤثر في النهاية على المسار العام، مشيراً لاعتماد الحكومة الأمريكية أدوات مختلفة في مقاربة الملف الإيراني وهي تستخدم سياسة العصا والجزرة معاً، حسب قوله.
موقف غير مستغرب
ويرى الإعلامي والمحلل السياسي أيمن عبد النور أنّه من المتوقع أن يواجه "قانون مهسا أميني" تصعيداً من المعارضة الإيرانية بشكل كبير عبر تجمعات حاشدة قد تشهدها ولاية نيويورك الأمريكية كردّة فعل على كلمة الرئيس الإيراني أمام جمعية الأمم المتحدة.
ويفسّر عبد النور موقف الرفض من إلهان وعمر ورشيدة طليب لقانون مهسا أميني بأنّه لم يأتِ بجديد ضمن سلسلة مواقف صدرت عن العضوتين، لا سيّما تأييدهما مشروع قرار رفع العقوبات عن النظام السوري، كون النائبتين تنتميان لحزب أقصى اليسار الجمهوري، الذي لا يؤمن بأنّ العقوبات تجدي نفعاً مع الأنظمة.
ويوضح عبد النور أنّ الكونغرس الأمريكي يحاول مناكفة الإدارة الأمريكية رداً على صفقة إطلاق سراح الأمريكيين المحتجزين في طهران التي لم تكن موفّقة برأي الحزب الجمهوري لإنفاق الحكومة مبالغ كبيرة من مليارات الدولارات مقابل إطلاق سراح عدد من المحتجزين الأمريكيين.
وحول مدى تأثير هذا القانون لمعرفة أسباب رفض النائبتين الديمقراطيّتين، يرى الباحث في «مركز الشرق للسياسات»، سعد الشارع، أنّه لا يوجد أي مصلحة لدعم إيران من التصويت على رفض القرار، معتبراً أنّ مثل هذه العقوبات تضرّ الشعب قبل النظام، مستذكراً اتّباع الولايات المتحدة الأمريكية سياسة فرض عقوبات على أنظمة بلدان كثيرة مثل سوريا والعراق والآن إيران دون أي جدوى.
ويضيف الشارع لـTRT عربي، أنّ مثل هذه العقوبات لا تشكّل الطريقة المثلى للحلول، ودائماً ما تواجَه بالرفض خصوصاً من تيار كبير من داخل الحزب الديمقراطي نفسه، مرجّحاً أن يكون دافع الرفض للعضوتين مبنياً على إيصال رسالة إنسانية بما يخص قضايا الشرق الأوسط.
تتجدد القوانين وتتبدل المواقف
وعن ارتباطهما بقضايا الشرق الأوسط، طرحت النائبتان في الكونغرس رشيدة طليب، منذ 3 أشهر، وإلهان عمر، مشروع قانون يحثّ الولايات المتحدة على دعم الجهود الدولية لمحاسبة رأس النظام السوري بشار الأسد على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.
وتتجلى المفارقة هنا حول موقف النائبتين الديمقراطيتين من "قانون مهسا أميني"، الذي من شأنه أن يجمّد أصول جميع مسؤولي النظام ويعاقب كبار المسؤولين في إيران، بمن فيهم علي خامنئي، بسبب "قمع احتجاجات الشعب الإيراني وانتهاك حقوق الإنسان".
وفي 16 سبتمبر/أيلول 2022، أُعلنت وفاة مهسا أميني (22 عاماً)، في أثناء احتجازها لدى شرطة الحجاب في طهران.
في وقت سابق عزل الجمهوريون في مجلس النواب الأمريكي، في فبراير/شباط 2023، النائبة الديمقراطية إلهان عمر من لجنة رفيعة المستوى بسبب تصريحات تعود لعام 2019 قوبلت بتنديد على نطاق واسع بوصفها معادية للساميّة بعد عامين من تجريد الديمقراطيين والجمهوريين اثنين من مهامها باللجنة.
وصوّت مجلس النواب المنقسم بشدة لصالح عزل عمر من لجنة الشؤون الخارجية بتأييد 218 صوتاً مقابل رفض 211، وعزا الجمهوريون القرار إلى تلك التعليقات التي اعتذرت عنها لاحقاً.