تزامناً مع انتهاء العمل بـ"قانون الطوارئ الصحية" أو ما يُعرف بـ"البند 42" في الولايات المتحدة في 10 من مايو/أيار الحالي، وخوفاً من تدفق كبير في أعداد المهاجرين على الحدود الأمريكية- المكسيكية، شرعت حكومة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، بحشد أعداد كبيرة من الجنود لضبط التسلل "غير الشرعي" عبر الحدود.
حالة طوارئ صحية لصدّ المهاجرين
يعود تاريخ "البند 42" (Title 42) إلى عام 1944 وكان معروفاً حينها بـ"قانون الصحة العامة"، إذ منح السلطات الأمريكية القدرة على فرض حالة الطوارئ لمنع انتشار الأمراض، ويسمح "البند 42" بصد الأشخاص الذين يلتمسون الحماية وإبعادهم عن الحدود الأمريكية، إجراءات وقائية من الأمراض، وسبق أن تذرّعت به إدارة الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترمب، عام 2020 لوقف تدفق المهاجرين، وحذت إدارة بايدن حذوها في تطبيقه.
كان هدف القانون الذي سنته إدارة ترامب في مارس/آذار 2020 الحد من انتشار "كوفيد-19"، إذ مكّن السلطات الأمريكية من إعادة جميع المهاجرين الذين يدخلون البلاد، بمن فيهم طالبو اللجوء، واستُخدم 2,8 مليون مرة خلال ثلاث سنوات.
أما مع انتهاء العمل بالقانون الآن، حشدت الحكومة الفيدرالية أكثر من 24 ألف عنصر من قوات الأمن ومسؤولي إنفاذ القانون إضافة إلى أربعة آلاف جندي أوكلت لهم مهمة منع المهاجرين من الدخول.
وفي مؤتمر صحافي عقده في واشنطن، قال وزير الأمن الداخلي في أمريكا، أليخاندرو مايوركاس، إنه "بموجب القانون الجديد، سيعاني المهاجرون الذين يعبرون الحدود بشكل غير قانوني من عواقب وخيمة، إذا قُبض عليهم، يمكن ترحيلهم ومنعهم من دخول الولايات المتحدة لمدة خمس سنوات".
ومضيفاً "حدودنا ليست مشرّعة والذين يعبرون حدودنا بشكل غير قانوني وبدون أساس قانوني ليبقوا (على الأراضي الأمريكية) سيجري طردهم".
مناشدات من منظمات إنسانية
طالبت منظمة "أطباء بلا حدود" في تقرير لها أبريل/نيسان من العام الماضي من إدارة الرئيس، جو بايدن، وضع نهاية للعمل بفصل "42" على الفور.
وقال التقرير، "أشرنا بشكل متكرر إلى عدم توفر أي مبرر شرعي يرتبط بالصحة العامة لـ(البند 42) فسياسة هذا القانون تنم عن ظاهرة رهاب الأجانب ولكن يُلجأ إليها بحجة حماية الصحة العامة، علماً أنها لا تؤدي إلّا إلى وضع الأشخاص المعرضين للخطر في سياقات يلمّ بها الأذى، ما من ذريعة تبرّر الاستمرار في إساءة استعمال القرار لمنع طالبي اللجوء من التماس حقهم بالحماية، لذلك لا بد من أن تضع إدارة بايدن نهاية للعمل بـ(البند 42) على الفور".
وكانت مدينة إل باسو قد أعلنت حالة الطوارئ قبل انتهاء العمل "بالبند 42"، فيما تحدثت سلطات المدينة عن وجود نحو 2300 مهاجر مشرد، منتشرين حول ملجأين في وسط المدينة، وسط تناقص الموارد الأساسية المطلوبة لمساعدتهم.
وقال نائب مدير مركز "الفرص" للمشردين في إل باسو، جون مارتن، لشبكة " CNN" الأمريكية يوم الأحد الماضي إنه "ما زلنا قادرين على إطعامهم، ولكن بكل صدق هذه ليست عملية مستدامة".
وعلى الرغم من أن الجمهوريين انتقدوا تطبيق القانون في وقتها، إذ ندد الرئيس الأمريكي جو بايدن خلال حملة ترشحه بسياسة الرئيس دونالد ترمب تجاه الهجرة، قائلاً: "إنها تتسبب في القسوة والإقصاء لبشر أبرياء"، تحول بايدن إلى تبني سياسة سلفه ترمب في مرحلة ما قبل الانتخابات النصفية في الثامن من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وأبقت إدارته على العمل بـ"البند 42"، لمنع وصول أعداد جديدة من المهاجرين بطرق قد يكون البعض منها متعارضاً مع حقوق الإنسان وقد تتجاوزها إلى حد استخدام العنف أو تنفيذ الاحتجاز القسري.
تجاوزات وعنف ضد المهاجرين
في شهادة من بعض الأشخاص لمنظمة "أطباء بلا حدود" قال خوسيه ماريا باز سيلايا 31 عاماً من سان بيدرو سولا، هندوراس: "ضربوني على وجهي ورموني أرضاً وكان وجهي أول ما تلقى الضربة، كبلوا يدي وقدمي كأنني مجرم وأجبروني على الجلوس على ركبتي لمدة ساعة".
العنف المفرط ضد اللاجئين على الحدود الأمريكية، يشابه ما يحدث في عدّة دول أوروبية للاجئين يحاولون العبور منها إلى دول أوروبا الغربية، إذ تتعدد قصص الانتهاكات مؤخراً بحق المهاجرين سواء في أمريكا أو في الدول الحدودية التي يأتي منها اللاجئون إلى أوروبا مثل اليونان وإسبانيا وإيطاليا.
وتريد أوروبا أن تبدو بمظهر حامي حقوق الإنسان، لكنها تحتجز المهاجرين غير الشرعيين في ظروف غير إنسانية وتطبق عليهم إجراءات تتعارض مع المعاهدات التي صدقت عليها، حسب تقارير حقوقية.
رحلة لجوء وعرة وفجوات بين النص والتطبيق
وقّع ما مجموعه 139 دولة على اتفاقية جنيف 1951 والبروتوكول الملحق بها 1967، بيد أنه مع تغير نمط الهجرة على الصعيد العالمي، ومع تزايد أعداد الأشخاص الذين يتنقلون من مكان إلى آخر، أُثيرت شكوك حول مدى مناسبة اتفاقية 1951 مع الألفية الجديدة، ولا سيما في أوروبا.
ويرى نادر جبلي وهو محامي سوري وباحث في مركز "حرمون" للدراسات المعاصرة وفق ما صرح به لـTRT عربي، أن "الاتفاقية والبروتوكول غطيا بشكل جيد كل ما يتعلق بتنظيم شؤون اللاجئين وطرق حمايتهم وحقوقهم وواجباتهم تجاه الدول المضيفة، كما وجد أنه لا تناقض بين النص والتطبيق، إنما عدم التزام نسبي لقواعد الاتفاقية".
وعزا جبلي ذلك إلى أسباب مختلفة أهمها اختلاف الظروف الموضوعية وصعود اليمين المتطرف في أكثر من دولة في أوروبا الغربية، وقال: "نجد أن العقد الأخير طرح تحديات مفاجئة وكبيرة وغير مسبوقة بخصوص اللاجئين، خاصة على المنطقة الأوروبية، ما أدى إلى خلل وإهمال لكثير من قواعد الاتفاقية".
وبخصوص الانتهاكات من طرف شرطة الحدود أوضح أن "المراقبة محدودة وقد تكون صعبة أحياناً، أما المحاسبة فلا آليات تسمح بالمحاسبة، ويجرى الاكتفاء بالإدانات من بعض الدول أو المنظمات المعنية باللاجئين وحقوق الإنسان".
وأمام العقبات التي تضعها الدول الغربية في إيواء اللاجئين، والتي من أبرزها مؤخراً تعامل الحكومة البريطانية مع طالبي اللجوء عبر نقلهم إلى دولة ثالثة، كرواندا، التي أثارت ردود فعل حقوقية ساخطة، يدفع المهاجرون ثمن فرارهم من بلادهم معوّلين على الحماية والأمان.
ويضطر اللاجئون إلى اجتياز صعوبات ومخاطر قد يكون الموت من بينها، وبتصعيب إجراءات اللجوء القانونية عبر منظمات الأمم المتحدة أو الهيئات غير الحكومية العاملة معها، ستواجه هجرة غير شرعية تنشط فيها تجارة البشر وصعوبة الرحلات، حسب تقارير عدّة.
فشل في احتواء الأزمة واختباء خلف انتهاكات الدول الحدودية
نشرت منظمة العفو الدولية في تقرير صادر عنها مارس 2020 ذكرت فيه انتهاكات حرس الحدود اليوناني بحق المهاجرين، وقالت أدريانا تيدونا، الباحثة المعنية بالهجرة في قسم أوروبا في منظمة العفو الدولية: "من الواضح أن لدى السلطات اليونانية أذرع متعددة تنسِّق فيما بينها من كثب لاعتقال الأشخاص الذين يبتغون الأمن والسلامة في اليونان واحتجازهم بصورة وحشية، وممارسة أساليب العنف ضد كثير منهم".
وحسب نادية هاردمان، وهي باحثة ومدافعة عن حقوق اللاجئين، في هيومن رايتس ووتش فإنه "يختبئ الاتحاد الأوروبي خلف انتهاكات قوات الأمن اليونانية بدل مساعدة اليونان على حماية طالبي اللجوء، ونقلهم بأمان إلى أماكن أخرى داخله، يتعين على الاتحاد الأوروبي حماية الأشخاص المحتاجين لا دعم القوات التي تضرب طالبي اللجوء والمهاجرين وتسرقهم وتجرّدهم من ملابسهم وتعيدهم عبر النهر".
حرس الحدود يلعب دوراً هاماً في منع دخول المهاجرين إلى أوروبا وأمريكا، ويعدون حائط الصد الأول لإعادتهم عبر الحدود بتطبيق إجراءات تخلق أزمة جديدة لاحتواء أزمة غير محلولة.