يلعب الشباب في تركيا دوراً مهماً في نشر قضية فلسطين في جميع أنحاء العالم ورفع أصواتهم ضد ظلم إسرائيل، كما تلقى دعوات المقاطعة اهتماماً كبيراً في أوساطهم.
ويشارك الشباب الأتراك بكثافة في المظاهرات احتجاجاً على هجمات الاحتلال على قطاع غزة، وتشهد هذه الاحتجاجات، إدانة مستمرّة لحرب إسرائيل على الشعب الفلسطيني ودعوات إلى وقف إطلاق نار دائم.
وتساهم هذه الفئة في إعداد قوائم المنتجات التي تدعم الشركات الإسرائيلية، كما يوزعون دعوات المقاطعة على قاعدة جماهيرية واسعة في وسائل التواصل الاجتماعي، فضلاً عن إسهامهم في جمع وإرسال التبرعات من خلال الأسواق الخيرية التي يقيمونها.
وتعتبر تركيا إحدى الدول التي أعربت عن تضامن حكومي وشعبي كبير مع فلسطين خلال الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.
ومن أحد أبرز مظاهر النصرة المدنيّة، استجابة شرائح واسعة من المجتمع لدعوات مقاطعة منتجات الشركات الغربية التي أظهرت دعماً لإسرائيل.
ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ارتفعت عمليّات البحث باللغة التركية عن المحتوى المتعلّق بـ"مقاطعة إسرائيل" على محرّك البحث غوغل.
من ناحية أخرى، احتلت تركيا في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، المرتبة الثانية بين المجتمعات عبر العالم التي تتظاهر ضدّ هجمات إسرائيل على غزة، وفقاً لبيانات مشروع (ACLED) المتخصص بتحديد وتسجيل البيانات حول أحداث النزاعات المسلحة.
وخلال الأسابيع الثلاثة الأولى، نظّم أكبر عدد من الاحتجاجات المؤيّدة لفلسطين، مع 490 في اليمن و357 في تركيا و276 في إيران و267 في المغرب.
ويرافق هذا أنشطة ثقافية وفنية تنتصر للقضية الفلسطينية وتنشر الدعوات لمقاطعة المنتجات الإسرائيلية، أو للشركات الداعمة للاحتلال.
عرض مسرحي عن المقاطعة
وتنوعت الأعمال الفنية لتقديم رسائل عديدة حول ما يجري، منها مسرحية أنتجها الكاتب والمخرج سيف الله شينر، تناولت قضية المقاطعة وبدأ تقديم عروضها الموجهة إلى الشباب الأتراك.
ويصف قصّة المسرحية قائلاً: "يصل ياسين وهو صحفي سابق إلى المستشفى، حيث يتلقى المصابون الذين يدمنون العلامات التجارية العلاج، يتحدثون في جلسات المعالجة الجماعية عن قصص حياتهم الشخصية المتعلّقة بهذا الإدمان، وتأتي قصة ياسين الذي عمل في فلسطين من قبل، كصدمة بالنسبة إلينا نحن الذين نعيش تحت الاستعباد".

ويبيّن شينر هذا الاختيار الفني في حديثه مع TRT عربي، قائلاً: "كان هدفنا الرئيس عند إعداد مسرحية المقاطعة هو الوصول إلى الشباب، وبخاصة الشباب في المدارس الثانوية".
ويؤكد أن المسرحيّة تلاقي إقبالاً كبيراً، إذ وصلتهم دعوات من مدارس بشكل يومي رغم مرور 15 يوماً فقط من بدء عرض المسرحية، مشيراً إلى أن "هذا يدلّ على أنهم على الطريق الصحيح، فعندما يكتسب شباب هذا الوعي اليوم، سينقُلونه إلى أطفالهم في المستقبل".
ويوضح المخرج أهداف العمل قائلاً: "نحن بحاجة إلى المضي قدماً لترسيخ مقاطعة ثلاث علامات تجارية رئيسية تدعم إسرائيل وجيشها بشكل علني، وعندما نفرض نهاية استهلاك ثلاثي الكولا والقهوة والهامبرغر في تركيا، سيكون إيماننا بأنفسنا وبالمقاطعة أقوى وسيأتي دور العلامات الأخرى".
ويرى شينر أن حملة المقاطعة بكل أشكالها مهمّة، متوقعاً أن "تتعرض إسرائيل لأضرار جسيمة اقتصادياً من هذه المقاطعة".
ويردف: في الواقع هذا الأمر واضح وصريح نفسياً واقتصادياً، وهو أكثر من مجرد توقع، وأعتقد أن الشك في ما إذا كانت المقاطعة ستنجح أم لا، ينبع من الوهن الذي أحدثه الاعتقاد السائد بأنهم يحكمون العالم.
ويلفت شينر إلى أن "الرسالة المفتوحة لـ300 اقتصادي إسرائيلي التي وجهت إلى رئيس الوزراء ووزير المالية الإسرائيليَّين، واستخدمت عبارات مثل 'أنت لا تفهم حجم الأزمة الاقتصادية التي تواجهها إسرائيل'، لم تخلق فينا الثقة الكافية، للأسف".
ويبيّن المخرج المسرحي أن الأمر لا يتوقّف عند المقاطعة، بل عند اقتراح بدائل، إذ إن "المرحلة الثانية والأهم من حملة المقاطعة هي إنتاج بدائل لمنتجات الشركات الإسرائيلية، والقضاء على الاعتماد عليها في جميع القطاعات، بما في ذلك الاقتصاد والتمويل".
ويستشهد على ذلك باستخدام نظام الدفع المحلي تروي (TROY) بدلاً من البطاقات فيزا وماستر كارد، مشيراً إلى أنه "كلّما زاد عدد المنتجات الوطنية ومجالات استخدامها، سيلحق ذلك ضرراً كبيراً بهيمنة رأس المال الغربي في العالم، وهذه هي الحقيقة".
طلاب الجامعات يمنعون المنتجات الإسرائيلية
ويقول باتوهان أيبيرس، الطالب في جامعة إسطنبول، والمسؤول عن طلاب "حركة الشباب" في مدينة إسطنبول: "نعلم أن هناك يداً غير مرئية ودموية كبيرة وراء أحداث غزة الأخيرة وهي رأس المال".
ويضيف أيبيرس لـTRT عربي، أنه "لا يمكنهم الصمت أمام جماعة ظالمة تدعم المذابح، وتقدم لهم حصصاً من أرباحها، لأن الحريّة ليست في الكلمات فقط، بل في الاختيار أيضاً"، مشيراً بالقول: "نحثّ الناس والشباب على اتخاذ قراراتهم ونسأَلهم: هل أنتم مع الظالم أم المظلوم؟".
ويتابع بالقول: "نحن طلاب حركة الشباب في الجامعات نحاول توعية الناس حول موضوع المقاطعة في الشوارع والساحات والفعاليات، وفي الوقت نفسه، طلبنا من جامعات تركيا حظر مبيعات المنتجات الإسرائيلية، وفعلاً حظرت العديد من الجامعات بيعها".
ويضيف الطالب أنّ أعضاء الحركة الطلابية يعملون على إنتاج الأفلام القصيرة، ويطلقون حملات في مواقع التواصل الاجتماعي، و"البازارات" (الأسواق)، والبرامج والفعاليات المختلفة، مؤكداً أنها من "بين أعمالهم الرئيسة لدعم هذه القضية".

المقاطعة.. مواجهة القنابل
وينخرط فنانون ومثقفون وسينمائيّون أتراك في حملة المقاطعة، ومنهم المخرجة والمدافعة عن حقوق الإنسان تولاي غوكجيمين.
وتقول لـTRT عربي: "إن الاحتلال الإسرائيلي يمارس الظلم في حق قطاع غزة منذ شهرين، إذ قُتل أكثر من 16 ألف شخص وعرَّضهم لإبادة جماعية، وهناك العديد من المنتجات التي تقدّم الدعم للاقتصاد الإسرائيلي، وتساهم بإلقاء القنابل على شعب غزة، ولها دور في هذه الإبادة، لهذا يجب مقاطعتها".
وتؤكد غوكجيمن أن ثقافة المقاطعة "تحتاج إلى وعي، وأن توعية الناس بما تفعله هذه العلامات التجارية ومن تخدمه هي أمور مهمة للغاية، إذ يجب علينا التفكير في كيفية اختيار هذه العلامات التجارية من بين آلاف المنتجات، تماماً كما ننظر إلى تاريخ انتهاء صلاحية المنتج الذي نشتريه".
وتردف: يجب علينا التفكير في من صنع المنتج ومصدَره ومن يخدم، نعلم أن تغيير العادات أمر صعب جداً، لكنْ إذا تسبّب المنتج الذي نشتريه في موت طفل، علينا التخلي عنه بأي وسيلة.

وترى غوكجيمين أن "المقاطعة هي أكبر سلاح، ومن الواضح أن هذا الرفض سيؤدي إلى انهيار اقتصادي لهذه العلامات التجارية، فإغلاق فروع سلاسل المقاهي التي جرت مقاطعتها في الخارج، بخاصة في تركيا، هو أكبر مثال على ذلك".
وتعتبر أن من عناصر القوة التوثيق للعلامات التي تجب مقاطعتها، مشيرةً إلى أنهم "يعدّون حالياً كتيّب مقاطعة سجّلوا فيه العلامات التجارية على أساس القطاعات، وسيشاركون هذه المعلومات قريباً مع الجمهور، عند دخولها الأسواق".
وتستدرك: "إذا لم نستطع منع سقوط قنابل الفوسفور على الناس، فيمكننا جعل تمويل هذه القنابل غير فعال من خلال المقاطعة"، وفق غوكجيمين.
طلاب الثانوية يدعمون غزة
إلى ذلك، تنتشر ثقافة المقاطعة حتى في أوساط طلاب الثانويات التركية، إذ تقول ديلارا ناص، وهي طالبة في الصف الثالث في المدرسة الثانوية: "كنت أحاول في السابق الامتناع عن شراء المنتجات التي يُدعى إلى مقاطعتها، ولكن الآن، بسبب أن هذه القضية أصبحت تتخذ أبعاداً أكثر جدية، أبذل جهداً أكبر وأحذر أكثر، وأقوم بتوعية مَن حولي في هذا الشأن".
وتضيف ناص لـTRT عربي، أنها "وضعت مع أصدقائها -ملصقات تحمل أسماء المنتجات التي تخضع للمقاطعة في المناطق المحيطة بمنزلها، وبهذه الطريقة، ساهموا في توعية مزيد من الناس".
وتلفت طالبة الثانوية إلى أنهم يشاركون في المسيرات الاحتجاجية الداعمة لغزة، ونظراً إلى أن مدرستهم تقع في المنطقة السياحية أورتاكوي، فقرروا تنظيم تظاهرة صامتة، رافعين لافتات تحمل شعارات لجذب انتباه السياح.
وتؤكد ناص أنها تفضل استخدام المنتجات المحلية التي لا تخضع للمقاطعة، وتسعى إلى توجيه مَن حولها في هذا الاتجاه.