آثار القصف الإسرائيلي المدمّر على مربعات سكنية للمدنيين في بيت لاهيا شمالي قطاع غزة / صورة: Reuters (Reuters)
تابعنا

استعر العدوان الإسرائيلي في غزة -وبخاصة في الشمال- ولبنان، في الأيام التي أعقبت استشهاد القائد السابق لحماس، وعلى الرغم من الظن أن رحيل السنوار قد يكون نقطة تحول في المفاوضات التي من شأنها أن تنهي الحرب، إذ لطالما ادعى نتنياهو وبايدن أن الشهيد كان عقبة في التقدم في المفاوضات، لم تكن هناك أي مؤشرات على محادثات سلام ، بل على العكس تصاعد العنف الإسرائيلي.

تصعيد إسرائيلي وسط دعوات لإكمال المفاوضات

تسعى الإدارة الأمريكية للاستفادة من رحيل زعيم حماس يحيى السنوار لإنهاء الحرب الدموية في غزة، قبيل الانتخابات الرئاسية. وقال الرئيس الأمريكي جو بايدن بعد اغتيال السنوار إنه "يوم جيد" للعالم. وحثَّ هو ونائبته كامالا هاريس إسرائيل على أن تستغل هذه اللحظة للتفاوض على إعادة الرهائن المتبقين وإنهاء الحرب في غزة "مرة واحدة وإلى الأبد".

كما حث زعماء بريطانيا وفرنسا وألمانيا - كير ستارمر وإيمانويل ماكرون وأولاف شولتز - إسرائيل علناً على العمل من أجل وقف إطلاق النار.

وقال بايدن في بيان الخميس الماضي: "كان يحيى السنوار عقبة لا يمكن التغلب عليها أمام تحقيق هذه الأهداف. لم تعد هذه العقبة موجودة". ووفقاً لبيان صدر عن مكتب نتنياهو، اتصل به بايدن مساء الخميس واتفقا على "وجود فرصة للتقدم بصفقة لتحرير الرهائن وسيعملان معاً لتحقيق هذا الهدف".

وفي غضون ذلك قال بايدن في تصريحات صحفية، إنه "متفائل" بشأن احتمالات وقف إطلاق النار، وإنه سيرسل وزير الخارجية أنتوني بلينكن إلى إسرائيل في الأيام الأربعة أو الخمسة المقبلة لمناقشة تأمين غزة، وكيف سيبدو "اليوم التالي" للحرب.

كما عقد بلينكن عدة اتصالات في اليوم نفسه مع رئيس وزراء قطر التي تعد وسيطاً في المفاوضات، ومع وزير الخارجية السعودي والرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ، حثاً على "مضاعفة الجهود لإنهاء الصراع"، وفق ما نقلته نيويورك تايمز.

لكن وبعد ساعات فقط، أكد نتنياهو أنه يخطط لمواصلة ملاحقة حماس، قائلاً: إن "الحرب لم تنتهِ بعد". ولم يحدد المسؤولون الإسرائيليون متى سيوافقون على وقف الحرب، وحذروا من أن القوات ستظل منخرطة في غزة لسنوات محتملة. وفق الصحيفة نفسها.

ورغم رحيل السنوار الذي ادعى الاحتلال أنه كان العقبة في المفاوضات، وكل تلك الدعوات من حليفة إسرائيل الأقرب، فلا يوجد ما يشير إلى أن الهدنة وشيكة، فقد صعّدت إسرائيل من قصفها المميت لشمال غزة المحاصر بشكل كامل، وتواصل قصف أهداف مزعومة لحزب الله في لبنان. وفي كلا المكانين، تتزايد أعداد الضحايا المدنيين بشكل كبير.

وفي هذا الصدد أكد دبلوماسي كبير يعمل في لبنان لوكالة رويترز لم يفصح عن اسمه، أن الظن في أن يؤدي استشهاد السنوار إلى إنهاء الحرب يبدو في غير محله، وقال: "كنا نأمل طوال هذه الفترة أن يكون التخلص من السنوار نقطة التحول التي تنتهي عندها الحروب... إذ يكون الجميع على استعداد لإلقاء أسلحتهم، ويبدو أننا أخطأنا مرة أخرى".

وفي حديث له مع صحيفة نيويورك تايمز الخميس الماضي، قال المفاوض السابق في الشرق الأوسط، والمساعد الخاص السابق للرئيس أوباما، دينيس روس، الذي يعمل الآن في معهد واشنطن: "فيما يتعلق بنتنياهو والجيش الإسرائيلي، كان هذا دائماً رمزاً للنصر. فعندما سُئلت الحكومة الإسرائيلية في ديسمبر/كانون الأول، أو يناير/كانون الثاني، كيف سيبدو النصر؟ قالت عندما يموت السنوار وخمسة أو ستة من قادة حماس".

ولكن رغم تحقق ذلك، نتنياهو لم يبدُ على هذا النحو، فلديه عديد من الأسباب لمواصلة الحرب، لأنه قد يعني وقف إطلاق النار الحقيقي ونهاية الحرب نهاية رئاسته للوزراء وفتح تحقيقات في "سبب السماح لدرع إسرائيل الدفاعي بالسقوط في مواجهة حماس قبل عام"، وفق ما نقلته الصحيفة الأمريكية.

كما كان اليمين المتطرف في حكومة نتنياهو الائتلافية واضحاً تماماً بشأن عدم توقف الحرب بعد رحيل زعيم حماس، إذ كتب إيتمار بن غفير، وزير الأمن القومي وأحد أكثر أعضاء حكومة نتنياهو يمينية على منصة إكس بعد استشهاد السنوار، ."يجب أن نواصل بكل قوتنا حتى النصر الكامل!"، ولكن لم يحدد معنى "النصر الكامل".

لماذا لا يوقف نتنياهو الحرب؟

وفي السياق تقول مديرة برنامج الشرق الأوسط في مركز ويلسون، بواشنطن، في حديثها مع واشنطن بوست: "إن وفاة السنوار تمثل بالتأكيد نجاحاً تكتيكياً لإسرائيل… ولكن هناك غياب تعريف إسرائيلي واضح للنصر، أو ما تبدو عليه اللعبة النهائية في غزة". وتضيف: "لقد ظل سؤال نهاية اللعبة أو سيناريو "اليوم التالي" يلاحق نتنياهو لعدة أشهر،ما جعله يصطدم بمسؤولين أمريكيين ومنافسين محليين بسبب عدم رغبته في قبول الخطوات المطلوبة لإبرام سلام ذي معنى".

وذكر نمرود نوفيك، المستشار الكبير السابق لرئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل شمعون بيريز، لموقع فوكس الأمريكي، أنه "بالنسبة إلى إسرائيل، فإن مقتل السنوار هو انتصار سياسي واستراتيجي كبير، واصفاً إياه بفرصة هائلة لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو "لإعلان النصر" والدفع نحو اتفاق وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن.

واستطرد نوفيك، وهو زميل في منتدى السياسة الإسرائيلية: "الرجل الذي كنت تقوله، يا بيبي، إنه يعرقل الصفقة قد رحل. هل يمكنك أن تفعل شيئاً إبداعياً؟".

ويقول مستشار نتنياهو الانتخابي السابق، ناداف شتراوكلر، لصحيفة بوليتيكو: "بعيداً عن تعقيد هذا الأمر، أصبحت أهداف نتنياهو العسكرية طموحة للغاية أيضاً".

ويضيف: "لو حدث هذا قبل نصف عام، لكانت القصة مختلفة. لكن الآن هناك صورة أكبر بكثير، إيران. فبعد القضاء على نصر الله، والقضاء على السنوار، فإنه يهدف إلى تحقيق الهدف الأكبر... إنه يبحث عن إيران الآن".

وفي السياق يؤكد محللون إسرائيليون لنيويورك تايمز هذا الرأي بقولهم، إن "قتل إسرائيل لزعيم حماس يحيى السنوار هو أحدث مظهر من مظاهر الفرضية التي تعود إلى قرن من الزمان. إنه يعكس سياسة إسرائيل التي استمرت عقوداً من الزمان في قتل الأعداء من أجل الانتقام أو تقويض أعدائها أو ترسيخ الردع".

ويقول الفيلسوف الإسرائيلي والكاتب المتخصص في شؤون الهوية الإسرائيلية ميخا جودمان للصحيفة: "إن أحداثاً مثل مقتل السنوار تعبر عن شيء عميق للغاية في النفس الإسرائيلية. إنها تسلط الضوء على وجهة النظر الصهيونية الراسخة، التي تعود إلى جابوتنسكي وغيره من المفكرين الصهاينة الأوائل، والتي تقول، إن السلام لن يتحقق إلا عندما يفقد أعداؤنا الأمل في عدم وجود الدولة اليهودية".

بدوره قال عضو بارز في فريق التفاوض الإسرائيلي بشأن الأسرى، لصحيفة هارتس، "إن مقتل زعيم حماس يحيى السنوار لم يؤدِّ إلى أي تغيير في مواقف أي من الجانبين في المفاوضات" وأضاف أنه من أجل استئناف المحادثات، يجب على إسرائيل تخفيف موقفها.

وقال كبير المفاوضين، إنه منذ وفاة السنوار، عُقدت اجتماعات أمنية واجتماعات أخرى عديدة، جرى خلالها إطلاع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على حالة الرهائن وإعطاؤهم تقييمات استخباراتية حولها، ولكن في الممارسة العملية لم يحدث أي تغيير في مواقف إسرائيل.

وأضاف أن وجهة نظر المؤسسة الدفاعية هي أنه يجب استغلال عملية القتل للحصول على صفقة، ولكن من وجهة نظره، سيتعيّن على إسرائيل تقديم تنازلات للقيام بذلك.

TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً