تابعنا
أوضحت اليونيسف أن الحرب في السودان تسببت حتى ديسمبر/كانون الأول 2023 في نزوح أكثر من 3.5 ملايين طفل مع أسرهم ليصبحوا بلا مأوى، ما يجعلها أسوأ أزمة تشريد للأطفال في العالم.

أعلنت المنظمة الدولية للهجرة في تقريرها الصادر يوم 16 يناير/كانون الثاني الجاري، أن أكثر من 7.7 مليون شخص أُجبروا على الفرار من منازلهم في السودان منذ اندلاع الصراع بين الجيش وقوات الدعم السريع في أبريل/نيسان 2023.

وأوضحت المنظمة أن 6 ملايين منهم نزحوا داخل السودان، فيما فر 1.7 مليون إلى دول مجاورة، مثل جنوب السودان وتشاد وإثيوبيا ومصر وجمهورية إفريقيا الوسطى وليبيا.

كثير من السودانيين عاش رحلة محفوفة بالأخطار الكبيرة أملاً في النجاة من الموت في السودان، لكن بعضهم لم يحالفه الحظ وفرّ من موت إلى موت آخر.

كانت هيام محيي الدين التي نجت من الحرب في بلادها ولقيت مصرعها بمصر الأيام الماضية في رحلة لجوء إلى المجهول واحدة من هؤلاء، وكان معها في حادث الموت ذاته بسيارة مكشوفة لشبكات التهريب على الحدود، ابنها الطيب (14 عاماً).

ومثل هيام وابنها سودانيون كُثر، فروا من دانات ورصاصات الموت ببلادهم، ليجدوا حتفهم على حدودها، في معاناة بدأت بنزوح داخل السودان، ثم محاولة لجوء إلى الخارج، ولكن كان الموت هو النتيجة النهائية لها.

الفرار من الموت إلى الموت

تقول وجدان، وهي إحدى النساء اللاتي نزحن بسبب الحرب من منطقة "الكلاكلة" جنوبي العاصمة الخرطوم إلى أحد معسكرات الإيواء بمدينة حلفا أقصى شمال السودان، إنها رأت بعينها فصولاً من معاناة من يحاولن اللجوء إلى مصر عبر طرق التهريب الخطرة، وكانت آخر تلك القصص المأساوية لإحدى صديقاتها التي لقت حتفها وابنها ذو الـ22 ربيعاً، إثر انقلاب سيارة استغلوها في رحلة الفرار من الموت إلى الموت.

وترى وجدان من واقع معايشتها قصص كثير من اللاجئات، أن اللجوء إلى مصر عبر طرق التهريب محفوف بمخاطر عديدة، إذ يُترك اللاجئون في الصحراء لقطع مسافات طويلة سيراً على الأقدام.

وتضيف وجدان لـTRT عربي، أن "اللجوء نفسه ليس سهلاً أو في مقدور الجميع، لأنه يتطلب مبلغاً من المال يكفي مصاريف طريق التهريب، والسكن في مصر لأشهر لحين الحصول على بطاقة لاجئ".

ولذلك فضلت وجدان أن تظل منذ شهر يوليو/تموز الماضي في مركز إيواء النازحين مع ابنها الصغير وبناتها الأربع، رغم قلة الغذاء والدواء وشظف العيش في المركز.

حاولت وجدان تناسي وضعها الميسور قبل الحرب التي فقدت فيها والدها، وأخيها الطبيب الصيدلي، أما عن زوجها فقالت إن قوات الدعم السريع اقتادته من منزله إلى جهة غير معلومة، وتكيّفت مع وضعها الجديد، نازحةً تعمل في صنع وبيع الأطعمة بسوق المدينة البعيدة لتتمكن من توفير حياة كريمة لها ولصغارها، ولا تنتظر منظمات ترى أنها تعجز عن توفير الخبز والطعام.

ملاحقات وإرغام على النزوح

وكشف مفوض العون الإنساني الإتحادي في السودان صلاح المبارك، عن تجاوز أعداد النازحين واللاجئين 13 مليوناً بعد اتساع رقعة الحرب ووصولها في 18 ديسمبر/كانون الأول إلى ولاية الجزيرة "وسط السودان"، حيث شهدت واحدة من أكبر موجات النزوح وأكثرها مأساوية منذ اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في 15 أبريل/نيسان 2023.

ويقول المبارك لـTRT عربي، إن "الاعتداء الآثم لمليشيا الدعم السريع أفرز نزوحاً مركباً، إذ تكرر الاعتداء للمرة الثانية بصورة عنيفة على النازحين من الحرب في الخرطوم، الذين وصلوا إلى مدينة ود مدني وقرى ولاية الجزيرة المختلفة".

ووصف المفوض العام ما جرى للنازحين بأنه أمر لم يشهده التاريخ، فهو "ملاحقة لملايين من السكان المدنيين العزّل".

ويشير إلى أن أثر الهجوم الأخير على مدينة ود مدني (عاصمة ولاية الجزيرة وثانية كبرى مدن السودان) كان كارثياً، لأن هذه المدينة كانت مكتظة بالسكان، وعدد كبير جداً من النازحين كان يقيم في المدارس والدور الإيوائية العديدة بها.

وفي الوقت نفسه، أكدت منظمة الأمم المتحدة لرعاية الطفولة (اليونيسف) أن ما لا يقل عن 150 ألف طفل أُجبروا على الفرار من منازلهم في أقل من أسبوع من امتداد القتال إلى ولاية الجزيرة.

ومع اشتداد حدّة الصراع وتزايد الانتهاكات وسط المدنيين، لجأ عدد كبير من السودانيين إلى تشاد وإثيوبيا وإريتريا ومصر، في وقت ذكرت فيه منسّقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في السودان كليمنتين نكويتا سلامي أن نحو 24.7 مليون شخص يحتاجون إلى مساعدات إنسانية، أي نحو أكثر من نصف سكّان البلاد.

أسوأ أزمة تشريد للأطفال في العالم

وأوضحت اليونيسف أن الحرب في السودان تسببت حتى ديسمبر/كانون الأول 2023 في نزوح أكثر من 3.5 ملايين طفل مع أسرهم ليصبحوا بلا مأوى، ما يجعلها أسوأ أزمة تشريد للأطفال في العالم.

 أكدت منظمة الأمم المتحدة لرعاية الطفولة (اليونيسف) أن ما لا يقل عن 150 ألف طفل أُجبروا على الفرار من منازلهم في أقل من أسبوع من امتداد القتال إلى ولاية الجزيرة. (Reuters)

وشهدت البنية التحتية في السودان دماراً غير مسبوق، إذ نُسفت جسور رابطة بين مدن العاصمة الثلاث (الخرطوم الخرطوم بحري وأم درمان) كما دُمرت الجامعات ومنظومة التعليم والمنظومة الصحية بصورة كبيرة.

من ناحية أخرى، ازدادت معاناة مرضى السرطان والكلى بعد انعدام الأدوية المنقذة للحياة، كما برزت للسطح الآثار النفسية للحرب، وبات كثير من الذين شهدوا جانباً من فصولها المروعة بحاجة إلى تأهيل نفسي.

ويرى مفوض العون الإنساني بالسودان، أن المجتمع السوداني لم يشهد في تاريخه حرباً بهذه القسوة، وانقسم سكانه بين نازحين في الداخل، ولاجئين في الخارج.

وكشف عن تدمير مقر المفوضية والمنظمات الإنسانية وخروج كل مستشفيات الخرطوم ومدينة ود مدني عن الخدمة تماماً، موضحاً أن 90% من المخزون الغذائي والدوائي، خاصة الأدوية المنقذة للحياة وأدوية الأمراض المزمنة مثل السرطان والكلى والسكري كانت بمدينة ود مدني.

ويردف المبارك: "لذلك كان اعتداء قوات الدعم السريع على ود مدني مفجعاً، وضاعف بصورة كبيرة حركة النزوح إلى الولايات الآمنة".

تضاعف المعاناة بزيادة الأعداد

وفي مقابل معاناة رحلة اللجوء والنزوح عبر شمال السودان إلى مصر، معاناة أخرى أشد قسوة لـ190 ألف أسرة من قبيلة المساليت لجؤوا بسبب الصراع من غرب دارفور إلى تشاد سيراً على الأقدام، وذلك بعد تعرضهم لفظائع وانتهاكات وقتلٍ مُمنهجٍ من قوات الدعم السريع حسب تصريح سلطان المساليت سعد بحر الدين في أكتوبر/تشرين الأول 2023.

وكشف أحد اللاجئين السودانيين بمدينة أدرى التشادية لـTRT عربي -فضل عدم كشف اسمه- أن مئات الآلاف من اللاجئين، بثلاثة معسكرات ضخمة شرقي تشاد، يحتاجون بشكل عاجل إلى الغذاء والدواء وملابس الشتاء، في وقت أكدت فيه مفوضية العون الإنساني السودانية أن الاستجابة العالمية كانت ضعيفة ولم تتجاوز ربع المطلوب من الغذاء والدواء.

وتروي النازحة إلهام إبراهيم رحلة معاناتها مع النزوح التي تواصلت من أقصى غربي السودان إلى أقصى شرقه، حيث ظلت تفر بأطفالها السبعة من كل منطقة يصل إليها القتال.

وتضيف إلهام لـTRT عربي، أنها انتقلت من مدينة نيالا بجنوب دارفور إلى مدينة الضعين بشرق دارفور، ثم مدينة بابنوسة بغرب كردفان، ومدينة الأبيض بشمال كردفان، حتى وصلت الآن إلى أحد مراكز الإيواء بمدينة بورتسودان شرقي السودان وهي لا تقوى على شيء.

ومع إكمال الحرب في السودان شهرها التاسع، ودخولها الشهر العاشر، لا يزال منبر جدة يراوح مكانه، ومبعوث الأمين العام للأمم المتحدة للسودان، رمطان العمامرة في طور الزيارات الاستكشافية، بينما يستمر التحشيد من طرفي الصراع على الأرض، ولم يُتوصل بعد إلى فرص حقيقية لوقف الاقتتال وإسكات صوت البندقية والشروع في إطلاق عملية سلمية من شأنها أن تضع حداً لمعاناة السودانيين المتفاقمة بسبب الحرب.

TRT عربي
الأكثر تداولاً