تتمتع تركيا وباكستان بتعاون دفاعي قوي وراسخ، وتواصلان تطويره وتعميقه بشكل مستمر، بما يتماشى مع رؤيتهما الاستراتيجية وعلاقاتهما الودية وإمكاناتهما، وتعدّ الصناعة الدفاعية إحدى ركائز هذا التعاون.
وتلعب التعاونية الدفاعية بين تركيا وباكستان دوراً مهماً في حماية المصالح المشتركة للبلدين وضمان الاستقرار الأمني في المنطقة، إذ يساعد هذا التعاون في تعزيز إمكانيات الجيشين وقدراتهما، مما يساعد على معادلة ميزان القوى في المنطقة.
وأبرمت أنقرة وإسلام آباد عديداً من الاتفاقيات المهمّة في مجال الدفاع، حتى الآن، إذ نفذت تركيا صادرات عديدة من منصات ومنتجات دفاعية متعددة إلى باكستان، منها كورفيت ASFAT MİLGEM، والطائرة بلا طيار AKINCI TİHA، والطائرة بلا طيار Bayraktar TB2 SİHA، وغواصة STm Agosta 90B، وسفينة تزويد PNS MOAWIN لباكستان البحرية.
وزادت صادرات الأسلحة التركية بنسبة 69% بين عامي 2018 و2022 مقارنة بالفترة الخمسية السابقة، وزادت حصة تركيا في سوق الأسلحة العالمي بمقدار الضعف.
ووفقاً لتقرير أعدته منظمة صناعية محلية في شهر يوليو/تموز الماضي، ارتفعت صادرات الدفاع والطيران بنسبة 38% في عام 2022 مقارنة بالعام السابق، لتصل إلى 4.4 مليار دولار، وتستهدف الوصول إلى 6 مليارات دولار هذا العام.
كما تشتري باكستان غواصات محدثة من تركيا، إذ جرى تسليم آخر 4 سفن حربية من نوع الكورفيت التي بيعت للبحرية الباكستانية في الشهر الماضي.
وبالإضافة إلى ذلك، شهدت مراسم إطلاق السفن الحربية أحداثاً مهمة إذ شارك الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس باكستان عارف علوي في مراسم إطلاق سفينة الكورفيت BABUR في إسطنبول في عام 2021.
كما أُطلقت سفينة الكورفيت BADR في كراتشي في مايو/أيار 2022، وكانت أُطلقت سفينة الكورفيت KHAIBAR في إسطنبول في نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي، وفي أغسطس/آب 2023، جرى إطلاق سفينة الكورفيت TARIQ الرابعة والأخيرة ضمن مشروع میلجم في كراتشي.
وتأتي هذه الصادرات العسكرية إلى باكستان في إطار اتفاقية جرى التوقيع عليها في عام 2018 والتي كانت جزءاً من أكبر صفقة تصدير في تاريخ صناعة الدفاع التركية حتى ذلك الحين بقيمة مليار دولار.
وفي يونيو/حزيران 2022 ، طلبت باكستان طائرتي أكينجي وتي بي 2 من تركيا، وأنهى طلاب أكينجي الباكستانيون في 21 أكتوبر/تشرين الأول 2022 دورة تدريبية ناجحة في تركيا، قبل عودتهم إلى باكستان.
بايكار.. قوة جديدة لباكستان
وفي إطار التعاون الدفاعي تنشط شركة "بايكار" في باكستان وتعمل على تقديم خدماتها الإنتاجية، وهي من بين الشركات التركية الرائدة، وجرى تسليم أول طائرة من طائرات Bayraktar Akıncı TİHA السبع التي اشترتها باكستان من تركيا إلى القوات الجوية الباكستانية في أبريل/نيسان 2023.
وفي الوقت نفسه، اتخذت بايكار، مكانها في المجمع الوطني لعلوم وتكنولوجيا الطيران والفضاء (NASTP) الذي افتتح رسمياً في باكستان، وستقدّم "Baykar Technology" التي أسستها Baykar مساهمة في قطاع الفضاء والطيران الباكستاني.
كما ستسهم هذه الشركة التركية في إدارة أنشطة البحث والتطوير في إطار NASTP، بالعمل من أجل نمو قدرات الأطراف المتبادلة في الابتكار وتطوير التكنولوجيا المتقدمة.
تعاون دفاعي ومناورات مشتركة
وإلى جانب صادرات المعدات العسكرية وبرامج التدريب، تجري تركيا وباكستان مناورات عسكرية مشتركة منذ سنوات.
وتعدّ مناورات "تركيا-باكستان المشتركة للقوات الخاصة" والتي تجري بالتناوب بين البلدين منذ عام 1998 واحدة من أهم المناورات العسكرية بين البلدين، التي عندما تجري في تركيا، تُسمى "مناورات جناح"، وعندما تجري في باكستان تُسمى "مناورات أتاتورك".
وتسعى باكستان لتصبح شريكاً في برنامج تطوير الطائرات القتالية الوطنية التركية MMU، وأعلن هذا التطور نائب وزير الدفاع الوطني التركي جلال سامي توفيكتشي في الشهر الماضي.
وقال توفيكتشي في تصريحه: "سنلتقي قريباً مع نظرائنا الباكستانيين لتضمين باكستان رسمياً في برنامج الطائرة القتالية الوطنية (KAAN) لدينا حالياً نحو 200 مسؤول يشاركون بالفعل في برنامج التطوير".
يشار إلى أنّ إنتاج MMU بشكل مشترك سيمثل خطوة هامة في مجال صناعة الدفاع للبلدين، وهذا التعاون يلعب دوراً مهماً في الحفاظ على مصالح البلدين وتعزيز الاستقرار في الأمان الإقليمي.
وفي السنوات الأخيرة، شهد التعاون الدفاعي بين تركيا وباكستان نمواً كبيراً، ليشمل هذا التعاون إنتاج المعدات العسكرية والتكنولوجيا بشكل مشترك، وتبادل التدريب العسكري، وإجراء التدريبات العسكرية المشتركة، وتشير مشاركة باكستان في برنامج المقاتلة الوطني التركي إلى أنّ هذا التعاون سيتوسع أكثر في المستقبل.
خيارات الإنتاج المشترك
ويؤكد رئيس قسم الدراسات الإستراتيجية في جامعة الدفاع الوطني إسلام آباد، الدكتور ناصر محمود، أنّ البلدين تربطهما علاقات تاريخية وسياسية وثقافية عميقة تقوّي تعاونهما الدفاعي يوماً بعد يوم.
ويوضّح محمود في حديثه مع TRT عربي، أنّ تركيا وباكستان تتعاونان فيما يتعلق بالتدريب العسكري والتمارين وترقية المنصات العسكرية الرئيسية واقتناءات الأجهزة.
وينوّه بأنّه في الآونة الأخيرة، أشارت بعض التقارير الإعلامية غير الرسمية إلى أنّ الجانبين يستكشفان خيارات الإنتاج المشترك في مجال الفضاء الجوي، وخصوصاً في مجال الطائرات بلا طيار.
ويفيد محمود بأنّ الأهداف الرئيسية للتعاون الدفاعي هي تعزيز قدراتهما وإمكاناتهما الدفاعية لمواجهة تحديات الاضطرابات الإقليمية، من خلال تعزيز صناعاتهما الدفاعية يمكن أن تحققا أيضاً فوائد اقتصادية.
ويضيف، أنّه من المهم تأكيد أنّ التعاون العسكري بين الدولتين هو فقط لأغراض الدفاع، ويجري بشكل شفاف ومشروع وفقاً لأفضل الممارسات والإجراءات الدولية.
ويلفت محمود إلى أنّ أحد أبرز أمثلة هذا التعاون هو مشروع MILGEM المنتج محلياً في تركيا ضمن نطاق هذا المشروع للفرقاطات من فئة الكورفيت، وجرى التوقيع على اتفاقيات لبيع ونقل السفن إلى باكستان.
ويتابع، أنّ باكستان أبدت اهتماماً بشراء مروحيات ATAK الهجومية من تركيا، ولكن البيع لم ينفذ لأسباب غير معروفة، كما أنّ تقدم تركيا في تكنولوجيا وإنتاج الطائرات بلا طيار جذب العالم وصديقتها المقربة، باكستان.
ويشير الى أنّ العلاقة بين تركيا وباكستان تتمثل في تبادل الخبرات والموارد في مجال التعاون العسكري، وتعد التمارين العسكرية المشتركة، وتبادل المعلومات الاستخبارية، واقتناء الدفاع من السمات المشتركة لهذه الشراكة العسكرية.
ويبيّن أنّه رغم الروابط التاريخية والاستراتيجية، يواجه التعاون العسكري بين تركيا وباكستان تحديات معينة، إذ إنّ في الساحة الدولية بعض الضغوط، كما يمكن أن تسهم القيود الاقتصادية في إضعاف قدرة البلدين على تمويل المشاريع الدفاعية الكبيرة، لكنّ التعاون سيستمر رغم التحديات.
ويرجّح خبير الدراسات الاستراتيجية إمكانية زيادة التعاون في المشروعات المشتركة ونقل التكنولوجيا اقتصادياً، وتحت تأثير المشروعات الضخمة مثل الممر الاقتصادي الصيني-الباكستاني (CPEC)، ومن المحتمل أن تزيد تركيا تبادلاتها التجارية وتشارك بشكل أكبر في هذه المبادرات.
ويتوقع أن تسهم اتفاقيات التجارة الحرة المحتملة وحوافز الاستثمار، في حدوث توسع أكبر في حجم التجارة.
ومن ناحية التنسيق السياسي، يقول محمود، إنّه "قد تعمق القضايا الإقليمية والتحولات الجيوسياسية العالمية التنسيق السياسي بين تركيا وباكستان، ويميل البلدين إلى تطوير استراتيجيات مشتركة حول قضايا حساسة مثل أفغانستان وكشمير ومكافحة الإرهاب.
علاوة على ذلك، من المرجّح، حسب محمود، تعزيز الروابط وزيادة التعاون بين البلدين في مجالات مثل التبادل الثقافي والتعليمي والتعاون في مجال الطاقة، وبشكل عام، تشير العلاقة التاريخية والمصالح المشتركة بين تركيا وباكستان إلى أنّ التعاون بينهما متجه نحو العمق أكثر، ويستجيب بشكل إيجابي للديناميات الإقليمية والعالمية.
مجلس التعاون الاستراتيجي
وتعمل تركيا وباكستان على تطوير آفاق التعاون المشترك بينهما وضمان استمراريته، من خلال المجالس التعاونية والاجتماعات الدورية والاتفاقيات الثنائية.
ويشير الخبير التركي في العلاقات الدولية جامعة الدفاع الوطني، إسلام آباد، محمد مصعب بيجر، إلى أنّ تركيا وباكستان عززتا تعاونهما من خلال إنشاء مجلس التعاون الاستراتيجي المرتفع المستوى (HLSCC) في عام 2009.
ويضيف بيجير في حديثه مع TRT عربي، أنّه استناداً إلى هذا الأساس، قوّت الدولتان العلاقات الاقتصادية بينهما بتوقيع اتفاقية تجارة مفضلة (PTA) في أغسطس/آب 2022.
ويبيّن خبير العلاقات الدولية أنّ هذه الاتفاقية تهدف إلى تحقيق الهدف الاستراتيجي المتمثل في الوصول إلى تجارة ثنائية تقدر بخمسة مليارات دولار في المدى المتوسط.
ويرى بيجر أنّ، منح تركيا باكستان امتيازات في 261 خطاً تعريفياً هو شهادة التزام لتعزيز التعاون، إذ تشكّل هذه الامتيازات العناصر الرئيسية التي تمثل اهتماماً تصديرياً كبيراً لباكستان، وتشمل كلاً من القطاع الزراعي والصناعي.
ويتابع إنّ إعادة بدء خدمات قطار الحاويات بين إسطنبول-طهران-إسلام آباد وبداية نقل الشاحنات بين باكستان وتركيا تشير إلى أنّ البلدين مصممان على تعزيز التجارة المتبادلة، ومع ذلك، تبقى الخلافات حول الرسوم الجمركية والمشكلات المتعلقة بنظم العملة والدفع في القطاع المصرفي تشكّل عقبات أمام تطوير التجارة بين البلدين.
ويصف بيجر حجم التجارة الحالي بين الدولتين، اللتي ترتبط كلاهما بالأخرى بعلاقات وثيقة، بأنّه دون المستوى المطلوب لكنّ حكومتي البلدين تعملان بجد على تعزيز التعاون في كل المجالات.