تابعنا
تختلف الأهداف والدوافع بين الدول التي تمتلك وجوداً عسكرياً على الأراضي السورية، من أهداف أمنيّة وعسكريّة، بالإضافة إلى الاعتبارات السياسية.

شهدت الأراضي السوريّة ارتفاع عدد المواقع العسكريّة للقوى الدوليّة لتصل إلى 830 موقعاً مع حلول يوليو/تموز 2023، بينها 104 قواعد عسكرية تضطلع بمهام التحكّم والسيطرة ودعم العمليات الميدانية عند الضرورة، وفق دراسة ميدانية نشرها مركز "جسور" للدراسات المختص بالشأن السوري.

وتعود أكبر حصّة من القواعد والنقاط العسكرية الأجنبية المنتشرة في سوريا لإيران، إذ بلغت 570 نقطة عسكرية تنتشر أغلبيتها في حلب شمالي سوريا ودرعا والقنيطرة جنوبي البلاد، في حين يمتلك الجيش التركي 125 موقعاً، بينها 12 قاعدة تتركز شمال غرب وشمال شرق سوريا بما يتفق مع الأهداف المعلنة لأنقرة، والمتمثّلة بمكافحة التنظيمات الإرهابية المنتشرة على الحدود التركية مع سوريا.

وبلغ عدد المواقع العسكرية الروسية في سوريا 105، منها 20 قاعدة تحكّم وسيطرة منها قاعدة "حميميم" الجوية بريف اللاذقية، وقاعدة طرطوس البحرية.

أما التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية فلديه 30 موقعاً تنقسم إلى 17 قاعدة و13 نقطة تتموضع شمال شرق سوريا، وتعتبر قاعدة "التنف" في البادية السورية أهم وأكبر قاعدة أسستها القوات الأمريكية في سوريا.

دوافع وأهداف مختلفة

وتختلف الأهداف والدوافع بين الدول التي تمتلك وجوداً عسكرياً على الأراضي السورية، من أهداف أمنيّة وعسكريّة، بالإضافة إلى الاعتبارات السياسية.

ويفيد محمد سرميني، مدير مركز "جسور" للدراسات، الذي أعدّ الدراسة الميدانية، أنّه عبر النظر في خريطة الانتشار العسكري للقوى الدوليّة، يمكن استخلاص الأهداف المختلفة لإقامة قواعد ونقاط عسكريّة على الأراضي السورية.

ويوضح سرميني في تصريحات لموقع TRT عربي أنّ "الدول التي ركّزت وجودها العسكري على الحدود التي تفصل بينها وبين سوريا مثل تركيا، فإنّ دوافعها ترتكز على البعد الأمني مثل مكافحة التهديدات الإرهابيّة العابرة للحدود، إضافة إلى رغبتها بتوفير مناطق آمنة غير مهدّدة للمدنيّين قدر الإمكان".

ويضيف، بأنّ "إيران تهتم بتأمين وصولها إلى سواحل البحر المتوسط مروراً بالعراق وسوريا، لذا فإنّها تركّز مواقعها في شرق سوريا والبادية واللاذقية، كما أنّها تولي أهميّة خاصّة لحلب ذات الثقل الاقتصادي المهم، وتنتشر أيضاً النقاط الإيرانية جنوبي سوريا بهدف توفير مواقع متقدّمة لمراقبة النشاطات الإسرائيلية، في حين تتمركز القواعد والنقاط العسكرية الأمريكية في منطقة استراتيجية تتيح لها حضوراً قويّاً بالمشهد السوري".

تدويل الملف السوري

ويَعتبر سرميني أنّ "نشر أربع دول لـ830 نقطة عسكرية على الأراضي السورية يشير إلى تدويل كبير للملف السوري، ويظهر تراجع قدرة الأطراف السورية وخاصة النظام السوري على التأثير في مسار الحل".

من جانبه يرى المحلل السياسي المقيم في موسكو، رائد الحلبي، في حديثه مع TRT عربي أنّ "هدف روسيا في سوريا الآن يتمثّل بالدفع باتجاه حل سياسي"، مشيراً إلى أنّ "روسيا غير معنيّة بالدخول في مواجهة مع أيّ طرف دولي ضمن النطاق السوري".

وتؤكّد كلٌّ من روسيا وتركيا وإيران بشكل متكرر في البيانات المشتركة التي تصدرها عقب جولات مفاوضات أستانا الخاصة بسوريا، أنّ أهدافها الأساسية تتمثّل بـ"مكافحة الإرهاب والمشاريع الانفصالية والحفاظ على وحدة البلاد".

خريطة القوات الأجنبية

وأظهرت خريطة انتشار القوات الأجنبية في سوريا الصادرة عن مركز "جسور" للدراسات زيادة عدد المواقع الإيرانية في عام 2023 إلى 570 موقعاً، بالمقارنة مع 469 كانت موجودة في سوريا حتى منتصف عام 2022.

وعن زيادة المواقع الإيرانية في سوريا يرى المحلل العسكري، رشيد حوراني، أنّ "هذا الارتفاع لعدد القواعد والنقاط العسكرية الإيرانية يشير إلى قلق طهران على نفوذها في سوريا، ولذلك توسّع انتشارها الجغرافي بهدف خلق صعوبات في وجه القوى الدولية الأخرى التي ترغب في الضغط على إيران لمغادرة الأراضي السورية".

ويضيف حوراني في تصريحه لموقع TRT عربي، "استفادت إيران من انشغال روسيا خلال عام ونصف العام في الحرب الأوكرانية، وزادت عدد مواقعها وتوسيع النطاق الجغرافي لانتشارها".

بدوره، يعترض المحلل السياسي رائد الحلبي على الربط بين إعادة انتشار روسيا وخفض عدد مواقعها العسكرية في سوريا من 132 إلى 103 والحرب الدائرة في أوكرانيا، إذ فسّر الحلبي إعادة الانتشار هذه "بعدم قناعة روسيا بالدخول عبر حروب جديدة على الأراضي السورية لأنّ هذا يعني الاصطدام بالدول وليس الأطراف السورية"، وبالتالي حافظت موسكو على انتشار يتيح لها العمل على الحل السياسي.

ويعتقد الباحث في مركز جسور للدراسات وائل علوان، أنّ روسيا وإيران ومن خلال الانتشار العسكري المباشر في سوريا هما "صاحبتا تأثير كبير في القرار السياسي للنظام السوري"، حيث تركّز إيران على الوصول إلى المنافذ الحدودية بين سوريا ودول الجوار وخاصّة مع العراق والأردن، وتسيطر بشكل شبه كامل على الحدود السورية – اللبنانية، وهذا يجسّد رؤيتها المتضمّنة إيجاد خط متّصل من طهران إلى البحر المتوسط.

ويضيف علوان في حديثه مع TRT عربي أنّ "روسيا وعلى الرغم من إعادة انتشارها، لكنّها بقيت تحافظ على وجودها المركزي في دمشق، إضافة إلى قواعد في كل من اللاذقية والحسكة وحماة، وتوفّر هذه القواعد لروسيا نفوذاً مهماً في منطقة الشرق الأوسط عموماً".

ويدافع النظام السوري عن الوجود العسكري الروسي والإيراني بشكل مستمر، ويعدّه شرعياً ويحافظ على سيادة سوريا على أراضيها، وينفي تحكّم كل من روسيا وإيران بقراره، بالمقابل تنظر المعارضة السورية إلى كلّ من روسيا وإيران على أنّهما قوات احتلال، وأنّهما تدعمان الأسد في تطبيق حلّ عسكري للأزمة السورية، وتتّهم المعارضة إيران بشكل خاص بأنّها تعمل على إحداث تغيير ديموغرافي في البلاد.

TRT عربي