بعد ثمانية أيام من الهزة المدمرة الأولى، التي بلغت شدتها 7.8 درجة على مقياس ريختر، تتواصل عمليات البحث عن ناجين تحت ركام المباني المدمرة في الولايات التركية المنكوبة جراء كارثة زلزال قهرمان مرعش، وكُلّل عدد من هذه العمليات بالنجاح على الرغم من مرور مدة زمنية الطويلة.
وتمكّنت فرق البحث والإنقاذ بمدينة أنطاكية في ولاية هاطاي جنوبي تركيا، من إنقاذ طفل سنّه 12 عاماً من تحت الأنقاض، بعد مرور 182 ساعة على وقوع الزلازل، بعد أن حددت فرق البحث التركية مكانه، لتتمكن من انتشاله من تحت الأنقاض. وعقب الفحوصات الطبية الأولية نُقل الطفل إلى المستشفى.
كما أنقذت طواقمُ البحث في مدينة أنطاكيا، المسنَّةَ نوراي غوربوز البالغة من العمر 70 عاماً من تحت أنقاض منزلها، رغم مرور 178 ساعة على الزلازل. وتَمكَّن فريق الإنقاذ من إخراج الطفلة ميراي البالغة من العمر 6 من تحت ركام منزلها بولاية أدي يامان.
ويرجع عدد من المراقبين نجاح عمليات البحث والإنقاذ هذه إلى تطور التقنيات التي تستخدمها الفرق التركية، والتي تشمل معدات دقيقة لرصد الناجين تحت الأنقاض، وحيوانات مدرَّبة على اقتحام الركام والإشارة إلى وجودهم.
وهو ما أكده رئيس رئاسة الصناعات الدفاعية التركية إسماعيل دمير بقوله: "بعد زلزال قهرمان مرعش مباشرة، اتخذنا إجراءات سريعة لتجنيد التكنولوجيا المحلية التي نطورها في خدمة أنشطة البحث والإنقاذ".
أقنجي وباها وبويراز
لعب الرصد من الجوّ دوراً كبيراً في دعم فرق البحث والإنقاذ التركية، أولاً لتقييم ميدان البحث وتقييم مخاطره، وثانياً لرصد الناجين وتحديد مواقعهم، وهو ما يفسّر دخول المسيرات التركية في تلك العمليات، منذ اللحظات الأولى للزلزال.
الأمر الذي أوضحه رئيس رئاسة الصناعات الدفاعية التركية قائلاً: "بينما تواصل الطائرات المسيَّرة التركية واجباتها في منطقة الزلزال، توفّر مسيّرات أكسنغور خدمة الاتصال بالهاتف المحمول لمواطنينا في المنطقة عبر محطات البثّ التي تحملها".
ووفق إيلكر أكغونغور، مدير العلاقات الإعلامية في شركة بايكار، انضمّت مسيرة أقنجي التي تصنعها الشركة إلى عمليات البحث والإنقاذ منذ اليوم الأول من الزلزال، وما زالت 9 منها بالإضافة إلى 29 من طراز "بيرقدار تي بي 2" تواصل رحلاتها الجوية حتى الآن.
وساهمت مسيرات بيرقدار باستخدام تقنية "كبسولة رسم الخرائط السريعة" (Fast Mapping Pod)، في إنتاج آلاف الكيلومترات المربعة من الخرائط عالية الدقة خلال 24 ساعة فقط.
بالإضافة إلى هذا، استخدمت الشرطة التركية مسيرتَي "باها" و"بويراز" اللتين تصنعهما شركة "هافيلسان"، في عمليات البحث. وهما مسيرتان صغيرتان تنفذان مهام استطلاع، خباصة في القرى والمناطق الجبلية، ويمكنهما التحليق في ظروف جوية سيئة، ولا تحتاجان إلى مدرج بسبب قدرتهما على الإقلاع والهبوط العموديين.
أجهزة استشعار وكاميرات العصا
إضافة إلى المسيرات، لعبت تقنيات أخرى طوّرتها صناعة الدفاع التركية دوراً مهمّاً في منطقة الزلزال، على الرغم من استخدامها للمرة الأولى في مناسبة كتلك. يأتي هذا نزولاً عند توجيهات رئاسة صناعة الدفاع التركية، بإرسال تلك المعدات إلى المناطق المنكوبة.
وحسب وكالة الأناضول، يُستخدم نحو 78 جهاز تصوير وكشف واستشعار تحت الأرض ورادار، إضافة إلى 343 نظام كاميرا من مختلف الأنواع والميزات، وجهاز التصوير السفلي، وكاميرا عصا، وكاميرا حرارية، وكاميرا تعمل بالطاقة الشمسية، وكاميرا طوق.
واستُخدمت الأقمار الصناعية التي تملكها الدولة التركية، للحصول على صور للمناطق المنكوبة ومعالجتها. وبفضل ذلك حُدّدَت مواقع المباني المتضررة من الزلزال داخل المنطقة، وتسريع جهود البحث والإنقاذ وضمان فاعليتها.
ومن بين هذه المعدات كاميرات العصا التي تستخدمها فرق الإنقاذ التابعة للجيش التركي، من تصنيع شركة "إستيرون" المحلية. وتستطيع هذه الكاميرات تَخلُّل الشقوق الضيقة وسط الأنقاض، بطول يصل إلى 100 متر، وتصوّرها بدقة وبزاوية تعادل 270 درجة، ويمكن استخدامها لـ24 ساعة متواصلة اعتماداً على بطاريتين فقط.
كلاب مدرَّبة وفئران بحقائب
إضافة إلى الوسائل التكنولوجية المتطورة، اعتمدت فرق البحث التركية على حيوانات مدرَّبة لرصد وكشف أماكن المحتجَزين تحت الأنقاض. على رأس هذه الحيوانات كانت الكلاب المدرَّبة، المحلية والتي رافقت فرق الإغاثة الدولية.
وللكلاب تاريخ طويل في أعمال الإنقاذ والمساعدة على العثور على ناجين من الكوارث الطبيعية، إذ تُدرَّب على البحث عن المفقودين، وعلى مجموعة من المهامّ مثل البحث عن الرائحة البشرية بمنطقة معيَّنة، والتأشير لفرق الإنقاذ إلى وجود أشخاص.
إضافة إلى هذا، تُستخدم الفئران المدرَّبة هي الأخرى على استخدام حاسة الشمّ ورصد مكان وجود ناجين. وتتميز هذه الفئران بقدرتها على عبور الشقوق الضيقة داخل الركام، وتزويدها بحقائب تحمل أجهزة "جي بي إس"، وهو ما يمكّن فرق الإنقاذ من الوصول بدقة إلى مكان الشخص المبحوث عنه.