تابعنا
عزّزت تركيا خلال السنوات الأخيرة موقعها ممراً آمناً للطاقة بفضل سياساتها المتوازنة، وموقعها الجغرافي الاستراتيجي، مع تصاعد الأزمات العالمية.

وتوّجت تركيا هذا المسار الإيجابي بإعادة تشغيل خط النفط العراقي-التركي الذي تضرّر جراء زلزال 6 فبراير/شباط 2023. وفي الثاني من أكتوبر/تشرين الأول، أعلن وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي ألب أرسلان بيرقدار، أنّ الخط المذكور بات جاهزاً وسيستأنف عمله.

وأوضح الوزير، خلال كلمته في الجلسة الافتتاحية لـ"معرض ومؤتمر أبو ظبي الدولي للبترول" (أديبك) 2023، أنّ تركيا كانت منذ فترة طويلة طريقاً موثوقة للنفط والغاز الطبيعي، مشيراً إلى مرور مليوني برميل من النفط يومياً عبر مضايقها حالياً.

مركز للغاز الطبيعي

وذكر بيرقدار أنّ تركيا تشحن كميات كبيرة من الغاز إلى أوروبا من خلال خط أنابيب الغاز الطبيعي عبر الأناضول (تاناب). وتابع قائلاً: "نرسل حالياً الغاز إلى المجر وبلغاريا ورومانيا ومولدوفا عبر خط أنابيب غرب البلقان، أصبحنا مركزاً للغاز الطبيعي".

ولفت بيرقدار إلى أنّ تركيا التي تهدف إلى تقليل اعتمادها على الخارج في مجال الطاقة، تركّز على الاستثمارات في النفط والغاز والطاقة المتجددة، وترى أنّ استثمارات الطاقة النووية أداة مهمة لتقليل انبعاثات الكربون.

وعن التقدم التركي المتواصل في الملف، يقول أستاذ الاقتصاد والتمويل في جامعة يلدرم بايزيد بأنقرة د. رجب يورلماز، إنه "كان للنجاح السياسي الذي حققته تركيا، على المستويَين الإقليمي والعالمي، تأثير إيجابي في جهودها الرامية إلى تحقيق هدفها في أن تصبح مركزاً للطاقة".

ويبيّن يورلماز في حديثه مع TRT عربي، أنّ هذا النجاح تحقق بالتزامن مع التطورات التكنولوجية التركية في مجال الصناعة الدفاعية؛ وضرب على ذلك مثال أذربيجان وليبيا، مضيفاً أنّ صورتها القوية أعطتها القدرة على الحصول على ما تريد في المنابر الدولية.

يُذكر أنّ الطائرات المسيرة التركية من طراز "بيرقدار تي بي 2"، أثبتت فعاليتها في أذربيجان خلال حرب قره باغ 2020، وفي ليبيا أيضاً عام 2019، وهو ما أكد مكانة تركيا وقوتها الإقليمية والدولية.

سياسة متوازنة

ويوضح يورلماز أنّ سياسة التوازن التركية بين روسيا والولايات المتحدة وعدم تضرّر أنقرة من الحرب الروسية-الأوكرانية مع اختيارها عدم الانحياز إلى أيّ قوة، قادتها إلى اتخاذ الخطوة المنشودة في مجال الطاقة.

في 24 فبراير/شباط 2022، أطلقت روسيا عملية عسكرية في أوكرانيا، اشتعلت أزمة الطاقة العالمية بقطع موسكو الإمدادات عن أوروبا، وإعلان الأخيرة حظر استيراد النفط والغاز الطبيعي من روسيا.

وخلال البحث الغربي عن البدائل، برزت تركيا وسيطاً مهماً لتكون محطة رئيسية لتصدير الغاز إلى أوروبا، خاصةً بعد نجاحها في تنفيذ اتفاقية الحبوب.

وتسارعت مؤخراً فكرة إنشاء مشروع مركز الغاز الطبيعي في تركيا، خاصةً بعد لقاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نظيره الروسي فلاديمير بوتين في سوتشي يوم 4 سبتمبر/أيلول الماضي.

وقال بوتين إنّ شركة "غازبروم" الروسية قدمت خارطة طريق لشركة "بوتاش" التركية لأنابيب النفط والغاز الطبيعي، ما يؤشر إلى تسارع عملية إنشاء مركز الغاز في تركيا.

من جانبه، قال الرئيس أردوغان، إنّ "إنشاء مركز الغاز الطبيعي في تركيا، من شأنه إحراز تقدم في نقل الطاقة وتسعيرها".

خط تركيا-العراق

وإلى جانب ذلك، يشير أستاذ الاقتصاد د. رجب يورلماز، إلى خط الأنابيب بين العراق وتركيا الذي دُشّن منذ عام 1976 وتوقف بسبب أعمال الصيانة العرضية والأحداث السياسية، "وجرى الاهتمام به آخر مرّة بعد الزلزال".

وقال وزير الطاقة التركي في تصريحاته المشار إليها سابقاً، إنّ خط أنابيب النفط العراقي-التركي، الذي كان نشطاً منذ نحو 45 عاماً، تبلغ طاقته اليومية 500 ألف برميل من النفط.

وأشار بيرقدار إلى أنّه بمجرد تشغيل خط الأنابيب العراقي-التركي، سيكون من الممكن توريد 500 ألف برميل من النفط إلى الأسواق العالمية.

ويرى يورلماز أنّ الخطوة "ستمكن تركيا والعراق من جني ثمار تطور هذه العلاقة والانتقال إلى الزمن القوي القديم وزيادة قدرة الخط عبر ربط البصرة بتركيا ضمن المشاريع الكبيرة مثل ميناء الفاو الكبير".

وهنا، يشير أستاذ الاقتصاد التركي إلى مشروع "طريق التنمية" الذي وضعت أسسه عام 2005 وأعلن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني أواخر مايو/ أيار 2023، أنّه سيربط آسيا بأوروبا.

ويبدأ الطريق من ميناء الفاو في الخليج ومن المخطط أن يتكون من طريق بري وسكك حديدية بطول 1200 كيلومتر داخل الأراضي العراقية، وربطه بشبكة السكك الحديدية التركية وصولاً إلى أوروبا.

وتبلغ الميزانية الاستثمارية للمشروع نحو 17 مليار دولار، على أن يُنجز على ثلاث مراحل، تنتهي الأولى عام 2028 والثانية 2033 والثالثة 2050.

وكشفت زيارة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني إلى تركيا في مارس/آذار الماضي، عن توافق بين البلدين حول مشروع طريق التنمية.

يُشار إلى أنّ هذا المشروع يسمح لتركيا بنقل النفط والغاز الطبيعي من العراق إلى الأسواق العالمية، وهو ما يؤكد ويعزّز مكانتها ممراً آمناً للطاقة عالمياً.

ونتيجة لذلك، يقول أستاذ الاقتصاد د. رجب يورلماز، إنّ تركيا هي الباب الوحيد المفتوح للعراق على أوروبا والعالم، مضيفاً: "بهذا الوعي، ينبغي تشكيل العلاقات بين البلدين وإنتاج السياسات بمنطق مربح للجانبين".

ويلفت إلى أنّه "لابدّ من التعاون بشأن الأجندات والقضايا الخارجية بين البلدين، مثل الإرهاب والأمن لتحقيق النمو الاقتصادي وتحسين الوضع الحالي في العراق".

دور مركزي

وفيما يدل على أهمية أنقرة في هذا المجال اليوم، قال وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، إنّ ممرات الطاقة والنقل لا يمكن أن تكون فعالة ومستدامة في المنطقة دون مشاركة تركيا.

وأوضح فيدان في كلمة ألقاها في المؤتمر العاشر لمجلس الأعمال التركي العالمي، في إسطنبول منتصف سبتمبر/أيلول الماضي، أنّ تركيا منفتحة على أي خطة تشجع التعاون في نقطة تلتقي فيها ثلاث قارات.

ولفت وزير الخارجية إلى أنّ "الممر الأوسط" ومشروع "طريق التنمية" الذي يمرّ عبر العراق، يكشفان عن الدور المركزي لتركيا من حيث الربط.

كما بيّن أنّ التطورات التي أثرت بشكل عميق في البيئة العالمية والجيوسياسية، مثل الحرب الروسية-الأوكرانية وجائحة كورونا، أثبتت أنّ "الممر الأوسط" هو طريق بديل يمكن الاعتماد عليه.

ويُعتبر "الممر الأوسط" البديل للممر الشمالي الرابط بين الصين وأوروبا، يعبر من تركيا إلى منطقة القوقاز، ومنها يمرّ ببحر قزوين إلى تركمانستان وكازاخستان وصولاً إلى الصين.

وذكر فيدان أنّ تركيا في موقع يمكّنها من تنويع مصادرها وطرقها وزيادة استثماراتها في مجال الطاقة باستمرار، في هذه الفترة التي تشهد أزمة طاقة عالمية، مضيفاً: "بهذه المؤهلات، نسهم في أمن الطاقة في منطقتنا وخارجها".

ويؤكد موقع "أتلانتيك كاونسل" المتخصص بالأبحاث الدولية، على أنّ رغبة تركيا في لعب دور رئيسي في البُنية التحتية للطاقة الإقليمية ليست مدفوعة بأسباب جيوسياسية فحسب، بل إنّها مجدية اقتصادياً وتقنياً أيضاً.

وبيّن الموقع في تحليل نشره خلال ديسمبر/كانون الأول 2022، أنّ موقع البلاد عند تقاطع خطوط أنابيب هيدروكربونية متعدّدة، بالإضافة إلى قدرتها على تخزين الغاز، يمكن أن يساعدها بالفعل في تشكيل مشهد الطاقة في المنطقة.

TRT عربي