أنهى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اليوم الثلاثاء زيارته الأولى للعراق منذ 13 عاماً، التي وُقّع فيها عدد من الاتفاقيات وأسّسَت لمرحلة جديدة في العلاقات الثنائية بين البلدين، ولآليات عمل مشترك في عدد من المجالات، على رأسها الأمن والمياه والتنمية والاقتصاد.
ومن شأن التوصل إلى تفاهم في تلك الملفات أن يزيد فاعلية وكفاءة التعاون المشترك في القضايا السابقة، في ظل التحديات الأمنية والسياسية والاقتصادية والمناخية التي تواجه الإقليم والمنطقة، وحاجة بلدانها إلى العمل المشترك لتجاوزها.
وفي هذا الإطار جاءت زيارة الرئيس التركي والوفد الوزاري الذي رافقه في الزيارة التي بدأت بلقاء الرئيس العراقي عبد اللطيف رشيد، ورئيس الوزراء محمد شياع السوداني، وشملت لقاءات مع قادة المجتمع السنّي والتركماني، وزيارة إقليم شمال العراق ولقاء قادته.
26 اتفاقية
سبق الزيارة حراك دبلوماسي وسياسي مهّد لها قادة دبلوماسيون وسياسيون من البلدين، فخلال شهر مارس/آذار الماضي أعلن مجلس الأمن القومي العراقي وضع تنظيم PKK الإرهابي على قوائم التنظيمات المحظورة في العراق، كما جرى الاتفاق على تشكيل لجان للتعاون الأمني المشترك بعد زيارات ومحادثات قام بها مسؤولون من البلدين.
وبحضور الرئيس التركي أردوغان ورئيس الوزراء العراقي السوداني جرى توقيع 26 اتفاقية ومعاهدة، أهمها الاتفاقية الإطارية للتعاون في مجال المياه بين حكومتيَ جمهورية العراق والجمهورية التركية، ومذكرة التفاهم حول الإطار الاستراتيجي. وقد وقّع عليهما كل من الرئيس التركي ورئيس الوزراء العراقي.
كما وقّع الوفد التركي المرافق ونظيره العراقي 24 اتفاقية أخرى، شملت مجالات السياسة الخارجية، والتجارة والبنية التحتية والاستثمار والإعلام، والشؤون الأمنية والقضائية، ومذكرات تعاون في مجالات الطاقة والسياسة والتعليم والزراعة، والشؤون الدفاعية والصحية والاجتماعية، بالاضافة إلى التعاون في المجالات التكنولوجية والصناعية والتقنية.
ورافق الرئيس أردوغان في الزيارة وزير الخارجية هاكان فيدان، والدفاع يشار غولر، والداخلية علي يرلي قايا، والتجارة عمر بولاط، والنقل والبنية التحتية عبد القادر أورال أوغلو، والزراعة والغابات إبراهيم يوماقلي، والطاقة والموارد الطبيعية ألب أرسلان بيرقدار، والصناعة والتكنولوجيا محمد فاتح قاجر، ورئيس الاستخبارات التركية إبراهيم قالن، ورئيس دائرة الاتصال في الرئاسة التركية فخر الدين ألطون، ومستشار الرئيس للسياسات الخارجية والأمنية عاكف تشاغطاي قليج.
طريق التنمية
احتلت مبادرة طريق التنمية موقعاً مركزياً من زيارة الرئيس التركي والوفد المرافق له للعراق، ويتوقع للمشروع أن يُحدِث نقلة نوعية في اقتصاد المنطقة ومجالات التعاون المشترك، وتحديداً النقل البري. فالمشروع الذي يتكون من طريق بري وسكة حديد تمتد من العراق إلى تركيا وموانيها، ويبلغ طوله 1200 كيلومتر داخل العراق، يهدف إلى نقل البضائع بين أوروبا ودول الخليج مروراً بتركيا.
وتحت رعاية الرئيس التركي ومضيفه رئيس الوزراء العراقي وقّعت تركيا والعراق والإمارات العربية المتحدة وقطر على مذكرة تفاهم رباعية، تتضمن وضع الدول الموقعة الأطر اللازمة لتنفيذ مشروع طريق التنمية.
وشارك في حفل التوقيع وزير النقل والبنية التحتية التركي عبد القادر أورال أوغلو، ونظراؤه العراقي رزاق محيبس السعداوي، والقطري جاسم بن سيف السليطي، وكذلك وزير الطاقة والبنية التحتية الإماراتي سهيل محمد المزروعي.
وشدد الرئيس التركي خلال المؤتمر الصحفي مع رئيس الوزراء العراقي على الأهمية الحيوية لمشروع طريق التنمية، مضيفاً: "بمذكرة التفاهم التي وقّعناها عززنا تصميمنا على هذا التخطيط الاستراتيجي الذي سيقدّم مساهمة كبيرة في استقرار وازدهار منطقتنا بأكملها وخصوصاً العراق".
كما أكد عزم بلاده على "زيادة حجم التجارة الثنائية بين البلدين، بعد أن تجاوزت العام الماضي مستوى 20 مليار دولار"، قائلاً: "ناقشنا الخطوات التي يجب اتخاذها في هذا السياق مع رئيس الوزراء، وقيَّمنا ما يمكن العمل به لإزالة العقبات المصطنعة".
وبدوره قال رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني إنّ "المشروع سينقل المنطقة اقتصادياً وسيطلق تكاملاً غير مسبوق يعتمد النماذج الاقتصادية النابعة من حاجة أسواقنا المحلية وعلاقتها بالأسواق والتجمعات الدولية" .
وأضاف أن المشروع "ليس مجرد طريق للنقل السريع، بل سيتحول إلى جسر رابط بين شعوب المنطقة وثقافاتها".
وسبق أن أعلن وزير التجارة التركي عمر بولاط عن رغبة بلاده في "الارتقاء بعلاقاتنا مع العراق، أحد أهم الشركاء التجاريين لبلادنا، إلى مستويات أعلى بكثير، وقد بلغ حجم التجارة بيننا 20 مليار دولار في عام 2023، ونفذ مقاولونا 1101 مشروع بقيمة 34.6 مليار دولار في العراق".
وأشار إلى أن تركيا اتخذت مجموعة من القرارات الهامة لتعزيز الشراكات مع العراق في كل المجالات، لا سيما التجارة والخدمات اللوجستية والمقاولات والاستثمارات.
وبالإضافة إلى مبادرة طريق التنمية شهدت الزيارة توقيع البلَدين مجموعة من مذكرات التفاهم والاتفاقيات التي شملت وغطت المجالات التجارية والاقتصادية.
الأمن.. الإرهاب تهديد مشترك
احتلت القضايا الأمنية موقعاً هاماً من المحادثات الثنائية التي رافقت الزيارة وسبقتها، فالخطوات الطموحة التي يسعى كلا البلدين لتحقيقها في مجالات الاقتصاد والتنمية يشكل الإرهاب المهدد الأساسي لها.
وفي هذا الإطار أعلن العراق في شهر مارس/آذار الماضي تنظيم PKK الإرهابي تنظيماً محظوراً في البلاد، وخلال الزيارة الحالية وقّع كلا البلدين مجموعة من الاتفاقيات الأمنية والعسكرية التي تصبّ في زيادة فاعلية مواجهة التنظيمات الإرهابية.
وقال الرئيس أردوغان إنّ التعاون في مجال الأمن ومكافحة الإرهاب كان على رأس بنود اجتماعاته مع كل من الرئيس ورئيس الوزراء العراقي، وجدد الرئيس التركي استعداد بلاده لـ"تقديم كل الدعم الذي ستحتاج إليه الحكومة العراقية في كل خطوة تتخذها في هذا الصدد".
وشملت محادثات الرئيس أردوغان كل الجماعات الإرهابية، بما فيها تنظيم غولن الإرهابي، الذي شملت المباحثات الثنائية جهود التعاون المشتركة للقضاء عليه.
وجدد رئيس الوزراء العراقي تأكيد بلاده أن "أمن تركيا والعراق وحدة لا تتجزأ، والتعاون بيننا مهم للأمن في المنطقة"، مضيفاً أن حكومته تنطلق من الدستور العراقي "ونتمسّك بعدم السماح لأيّ قوّة باستخدام الأراضي العراقية منطلقاً للاعتداء على دول الجوار، مثلما لا نسمح بأي اعتداء على السيادة العراقية".
المياه
تحتل قضايا المياه موقعاً هاماً في العلاقات الثنائية ما بين أنقرة وبغداد، ما انعكس على الزيارة الحالية التي شهدت توقيع الاتفاقية الاطارية للتعاون في مجال المياه بين حكومتي جمهورية العراق والجمهورية التركية، التي تضمنت إنشاء لجنة دائمة مشتركة للتنسيق بهذا الشأن.
وأكد أردوغان أن اللجنة المشتركة التي أُنشئت ستعمل على تعزيز "التعاون في مجال المياه بطريقة عقلانية وعلمية"، مشيراً إلى أن أزمتَي الجفاف والمناخ تؤثران سلباً في تركيا والعراق والعالم أجمع.
أمّا رئيس الوزراء العراقي فأكد بدوره أن "الاتفاق سيستمر لـ10 سنوات، وسيكفل تحقيق إدارة مشتركة وعادلة للموارد المائية"، مضيفاً أن "أبناء شعبنا سيلمسون منافع هذا الاتفاق، الذي سيعود بالنفع أيضاً على الجارة تركيا".