أثارت وثيقة "اليوم التالي للحرب على غزة"، التي قدمها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بعد 140 يوماً من العدوان وسلسلة ضغوط داخلية وخارجية، تساؤلات حول أهدافها ومضامينها ودلالاتها، وإمكانية تحويلها من بنود على الورق إلى واقع في قطاع غزة.
وتضمنت الوثيقة كثيراً من البنود، لكن أبرزها استمرار جيش الاحتلال بحربه على غزة حتى تحقيق الأهداف، وإقامة منطقة أمنية داخل القطاع، والسيطرة الأمنية الإسرائيلية الكاملة على الحدود بين غزة ومصر، فضلاً عن "اجتثاث ما سمته التطرف في المؤسسات الدينية والمناهج والبرامج التعليمية".
كما شملت خطة نتنياهو تفعيل خطة إغلاق وكالة الأونروا وربط بدء عملية إعادة الإعمار بتحقيق نزع السلاح، ورفض إقامة دولة فلسطينية والاعتراف بها من طرف واحد على أي بقعة غربي نهر الأردن.
وبعد أيام قالت هيئة البث الإسرائيلية إن الإدارة الأمريكية أبلغت إسرائيل أن دولاً عربية -لم تسمّها- تعكف على صياغة خطة لـ"اليوم التالي بعد الحرب" في القطاع، تتضمن بنداً يقضي بـ"دمج حركة حماس في منظمة التحرير الفلسطينية"، مضيفة أن واشنطن هددت بالمضي قدماً فيها بصحبة هذه الدول في حال لم تتخذ إسرائيل قرارات بهذا الصدد.
ونقلت صحيفة واشنطن بوست عن مسؤولين أمريكيين وعرب أن إدارة الرئيس بايدن وبعض شركائها في الشرق الأوسط يعملون على وضع خطة شاملة تهدف للوصول إلى دولة فلسطينية مستقلة ومعترف بها، ودولة إسرائيلية آمنة مندمجة بالكامل في المنطقة، في وقت يؤكد نتنياهو ووزراؤه من اليمين المتطرّف رفضهم المطلق قيام دولة فلسطينية.
"رؤية تُقدم الأمن أولاً"
ويقول الأكاديمي والباحث السياسي الدكتور إبراهيم ربايعة، إن خطة نتنياهو بشأن اليوم التالي للحرب محاولة تقديم رؤية إسرائيلية تُعلي مفهوم الأمن أولاً، وتكسر فكرة إقامة دولة فلسطينية التي تزايد الحديث عنها دولياً وتقبل بدلاً منها "كياناً فلسطينياً إدارياً تابعاً".
ويبين ربايعة في حديثه مع TRT عربي أن إسرائيل تريد التخلي عن المسؤولية الإدارية وتكلفة الاحتلال، بينما تحتفظ بالمسؤولية الأمنية، مشيراً إلى أن هذا ما دأبت على هندسته خلال العقود الماضية في الضفة الغربية لتقديم احتلال غير مكلف ولكن بسيطرة أمنية عالية.
وحول الأونروا، يشير إلى أن الوكالة جسم دولي تابع للأمم المتحدة، أنشئ بقرار أممي على قاعدة إدارة شؤون اللاجئين من دون استبدال حق العودة، مؤكداً أن إسقاط الأونروا ضروري لإسرائيل لضرب فكرة حق العودة، وهذا ليس بجديد، وإنما متصل بجهود أمريكا خلال حديث رئيسها السابق دونالد ترمب عن صفقة القرن.
ويعتقد ربايعة أنه لا يوجد فرق جوهري بين الرؤية الإسرائيلية والأمريكية فقط في المسميات، إذ تتحدث إسرائيل عن "صفقة القرن ناقص"، بينما قال بايدن إن هناك جهوداً لدراسة حلول خلاقة للتغلب على فكرة السيادة والأمن، وبالتالي هو لا يختلف مع إسرائيل بهذه الجزئية.
ويلفت الباحث السياسي إلى أن بايدن يختلف مع تل أبيب من حيث المبدأ بنقطتين، الأولى في أن فلسطين "كيان سياسي" ولا تريده إسرائيل هكذا، وإنما "إدارياً تابعاً"، إذ ترفض الأخيرة أي كيان سياسي آخر، باستثنائها غربي نهر الأردن.
أما النقطة الثانية -بحسب ربايعة- فتتمثل في فكرة السيادة الجزئية، وهي فكرة تقبل بها واشنطن ولا تريدها إسرائيل بالمطلق، إذ إن فكرة الدولة تتعارض مع فكرة السيطرة الأمنية إسرائيلياً وفق هذه الرؤية.
"خطة التفافية"
بدوره يقول أستاذ العلوم السياسية في الجامعة العربية الأمريكية الدكتور أيمن يوسف إن خطة نتنياهو جاءت للالتفاف على عديدٍ من الخطط والأفكار التي طرحت من أكثر من جهة، منها الخطة الأمريكية التي تركز على أهمية أن يكون هناك سيطرة وسلطة فلسطينية متجددة في قطاع غزة والضفة الغربية، وهي خطة مدعومة من عديد من الدول الأوروبية وحتى العربية والوسطاء الإقليميين والدوليين.
ويصف يوسف لـTRT عربي خطة نتنياهو بأنها غير منطقية وغير واقعية، مضيفاً أنه لا يمكن لأحد أن يقود المشروع الفلسطيني في الضفة أو غزة إلا إذا كان لديه شرعية جماهيرية أو شرعية فصائلية، في وقت تبحث إسرائيل عن أشخاص، وليس مشروعاً فلسطينياً متكاملاً.
ويؤكد أن نتنياهو غير جاد في هذه المرحلة، ويريد تخفيف الضغوط الدولية واحتواء بعض الضغوط الداخلية عليه، ويحاول الظهور للرأي العام الإسرائيلي، أن لديه خطة متكاملة بمرحلة ما بعد الحرب والعدوان على غزة.
مساعٍ عربية متسارعة
وحول الجهود العربية يؤكد ربايعة أنه يتسارع في اتجاه حل القضية الفلسطينية، لأنه أصبح هناك قناعة عربية بضرورة الحل لأسباب عدّة، الأول متصل بطول أمد الصراع وضرورة إنهائه كالتزام أخلاقي لدى العرب.
ويتعلق السبب الثاني -وفق ربايعة- بالعبء الجيوسياسي، لأن القضية الفلسطينية أصبحت عبئاً جيوسياسياً، إذ أظهرت الحرب الحالية توتراً يشوب الإقليم، وأنه لا يقتصر أي صراع متصل بالقضية الفلسطينية على فلسطين، "وبالتالي هذا العبء مكلف سياسياً واقتصادياً للدول العربية وعلى مستوى استقرار الدول وأمنها الإقليمي لاحقاً".
ويردف: أما ثالث الأسباب فيخص الملف الإيراني، بوجود مقاربة عربية تقول إن حلَّ القضية الفلسطينية المدخلُ للحد من النفوذ الإيراني في المنطقة وتحالفاته، فحل القضية يلغي الحاجة لمثل هذه التحالفات، ويقدم نموذجاً جديداً يسمح بتوسع العلاقات الإقليمية تحت إطار التعاون الإقليمي وانخراط الجميع بهذه المنظومة، حسب ربايعة.
من جانبه يقول الدكتور أيمن يوسف إن مصر تقدمت بخطة لوقف العدوان وعقد صفقات تبادل بين المقاومة والاحتلال، ويرى أنها الأكثر شمولية بخصوص المصالحة وترتيب البيت الداخلي، بعدما تضمنت إطاراً زمنياً ومكانياً، معتقداً أنه سيكون هناك تجاوب فلسطيني معها.
ويلفت يوسف إلى أن الخيارات الفلسطينية ليست كثيرة، سواء في الضفة أم غزة، لذلك يوجد تفاعل مع بعض المشاريع التي تُطرح، مجدداً التأكيد أنّ المشروع المصري الأكثر قرباً للمشروع الوطني الفلسطيني، لأنه يمثل الجميع، ولا يستثني أحداً.
خطة نتنياهو والصحافة العالمية
وأفردت الصحافة العالمية مساحة واسعة لخطة نتنياهو، إذ قالت صحيفة هآرتس إنها "غير قابلة للتطبيق من التصريحات الأحادية الجانب، التي لا تستحق مراجعة جادة، وهي قائمة من التصريحات التي تشكل سيطرة إسرائيلية مفتوحة على غزة من دون أي جانب سياسي إيجابي".
ورأت الصحيفة العبرية أن "عملية إعادة إعمار غزة -وفق خطة نتنياهو- تعني أنها لن تُنفذ أبداً، كما تشير إلى أن إسرائيل ليس لديها أي نية لمغادرة غزة".
وكتبت صحيفة نيويورك تايمز، إن خطة نتنياهو "تتناقض تماماً مع كل ما ظلت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن تسعى إلى تحقيقه منذ شهور".
وفي الإطار ذاته، رأت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية أن خطة نتنياهو لغزة بعد الحرب "تُعبّر عن رغبة واضحة في إعادة السيطرة على القطاع، من خلال الجمع بين أساليب الاحتلال والعقاب الجماعي"، مضيفة أن أحد أهدافها دغدغة مشاعر اليمينيين الداعمين لنتنياهو.