تابعنا
في أوائل أغسطس/آب الجاري، شنت أوكرانيا هجوماً كبيراً عبر الحدود وتقدمت لمسافة نحو 30 كيلومتراً داخل منطقة كورسك الروسية وسيطرت على بلدة سودزا الحدودية في عملية مفاجئة شارك فيها آلاف الجنود الأوكرانيين.

ويعتبر هذا التوغل الأعمق لأوكرانيا في روسيا منذ بداية الحرب بين الطرفين عام 2022، واعتبرت أوكرانيا هذه الخطوة "محاولة لاستنزاف القوات الروسية بهجمات خفيفة وسريعة وزعزعة استقرار روسيا"، وفق ما قاله مسؤول أمني أوكراني لوكالة الصحافة الفرنسية.

وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أمس الخميس إن قوات بلاده تواصل التقدم داخل الأراضي الروسية بعد هجومها المفاجئ، كما أعلنت كييف الأربعاء أسرها 100 جندي روسي، في حين أكدت روسيا أنها وقفت أي تقدم آخر، كما أعلنت السلطات الروسية حالة الطوارئ في المنطقة.

ووصفت وسائل الإعلام الأمريكية أن التوغل بمثابة "تحول جذري" بعد أن رفعت أوكرانيا علمها في بلدة سودزا، وهي المرة الأولى التي "تغزو فيها قوات أجنبية أراضي موسكو" منذ الحرب العالمية الثانية.

هجوم مفاجئ

يتناقض التوغل الأوكراني في منطقة كورسك بشكل صارخ مع الهجوم المضاد الفاشل الذي شنته أوكرانيا الصيف الماضي. إذ جرى التخطيط للهجوم الحالي سراً بهدف تحويل القوات الروسية بعيداً عن خطوط المواجهة في أوكرانيا، والاستيلاء على الأراضي لاستخدامها ورقة مساومة، حسبما ذكره تحليل صحيفة نيويورك تايمز.

وأدى الهجوم العسكري إلى سيطرة قوات كييف على عشرات القرى وأسر مئات السجناء وإجبار عشرات الآلاف من المدنيين على الإخلاء فيما أصبح أكبر هجوم على البلاد منذ الحرب العالمية الثانية.

وأوضح مسؤولون أمريكيون لنيويورك تايمز أن توغل أوكرانيا في جزء من روسيا من المرجح أن يجعل من الصعب على موسكو شن هجوم كبير متجدد شرق أوكرانيا، و"هو نوع من العمليات المفاجئة التي قد تفرض في نهاية المطاف تكاليف حقيقية على الكرملين".

وهو ما أكده وزير الدفاع الأوكراني السابق أندريه زاجورودنيوك في مقابلة قال فيها إن أهداف أوكرانيا في كورسك تشمل تشتيت انتباه القوات الروسية عن منطقة دونباس بشرق أوكرانيا حيث أحرزت روسياً تقدماً مطرداً لعدة أشهر وتسعى للسيطرة عليها بالكامل.

من جهته، قال زيلينسكي إن رئيس القوات المسلحة الأوكرانية، أوليكساندر سيرسكي ، أبلغه "بالتحرير الناجح لبلدة سودزا من القوات الروسية" حسب قوله، ويبلغ عدد سكان البلدة قبل الحرب نحو 5000 نسمة. وتقع على بعد نحو 10 كيلومترات (نحو 6 أميال) من الحدود مع أوكرانيا. وتضم البلدة محطة قياس للغاز الطبيعي الروسي الذي يتدفق عبر خطوط الأنابيب الأوكرانية، وفق وكالة أسوشيتد برس.

وأكد زيلينسكي أن قواته تنشئ مكتباً للقيادة العسكرية الأوكرانية هناك، فيما قالت نائبة رئيس الوزراء الأوكراني إيرينا فيريشتشوك إن كييف تعمل على إقامة "منطقة أمنية" في كورسك وتعتزم تنظيم مسألة المساعدات الإنسانية، وفتح ممرات لإجلاء المدنيين الراغبين في الذهاب إلى روسيا أو أوكرانيا.

"أوكرانيا ستدفع الثمن"

ورداً على الهجوم المفاجئ، قال نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي دميتري مدفيديف إن "روسيا ستحاسب أوكرانيا على الأضرار التي ألحقتها بمقاطعة كورسك، وستجعلها تدفع الثمن "بشكل أو بآخر".

كما أعلنت وزارة الدفاع الروسية أنها أنشأت مجلساً تنسيقياً بشأن قضايا الأمن العسكري في المناطق الحدودية، وترأس وزير الدفاع الروسي أندريه بيلوسوف الاجتماع الأول للمجلس، حسبما نقلته وكالة "تاس" الرسمية الروسية أمس الخميس.

وقال بيلوسوف "أمرت بإنشاء مجلس تنسيقي بشأن قضايا الأمن العسكري في المناطق الحدودية: مناطق بيلغورود وبريانسك وكورسك. والغرض منه تحسين كفاءة الدعم الشامل للمجموعات القتالية التي تشارك في حراسة حدود الدولة وحماية أراضي وسكان المناطق".

من جهته، اتهم مساعد الرئيس الروسي نيكولاي باتروشيف، التحالف العسكري الذي تقوده الولايات المتحدة والغرب بالضلوع بشكل مباشر في التخطيط لهجوم أوكرانيا على منطقة كورسك، مشيراً في مقابلة مع صحيفة "إزفستيا" الروسية اليوم الجمعة إلى أن تصريحات الولايات المتحدة عن عدم تورطها في الهجوم غير صحيحة.

ونقلت الصحيفة عنه قوله "جرى التخطيط للعملية في منطقة كورسك بمشاركة أيضاً من حلف شمال الأطلسي والمخابرات الغربية"، مضيفاً أن "تصريحات القيادة الأمريكية بأنها لم تتورط في جرائم كييف بمنطقة كورسك ليست صحيحة.. لولا مشاركتها ودعمها المباشر لما غامرت كييف بالدخول إلى الأراضي الروسية".

من جانبه، كتب السيناتور الروسي، ليونيد سلوتسكي، أن الرئيس الأمريكي جو بايدن اعترف بتورط واشنطن في هجوم كورسك، وقال عبر قناته على تليغرام: "يعلن بايدن أن هدفه خلق معضلة لبوتين، معترفاً بالتورط المباشر للولايات المتحدة في مغامرة زيلينسكي العسكرية في كورسك. إن واشنطن على اتصال مباشر ومستمر بالأوكرانيين"، وفق ما نقلته قناة "روسيا اليوم".

فيما نقلت وكالة الإعلام الروسية عن نائب برلماني روسي قوله اليوم الجمعة إن التوغل الأوكراني المدعوم من الغرب في روسيا "يضع العالم على مشارف حرب عالمية شاملة".

وقال النائب ميخائيل شيريميت: "بالنظر إلى وجود عتاد عسكري غربي مع استخدام ذخيرة وصواريخ غربية في الهجمات على البنية التحتية المدنية، فضلاً عن الدليل الدامغ على مشاركة أجانب في الهجوم على الأراضي الروسية، فإنه يمكن أن نستنتج أن العالم على شفا حرب عالمية ثالثة".

ما غاية أوكرانيا؟

وحسبما نقلت صحيفة نيويورك تايمز عن مسؤولين أمريكيين وأوكرانيين، بدأت موسكو بسحب بعض قواتها من أوكرانيا في محاولة لصد هجوم كييف على غرب روسيا، إذ تتمثل غاية أوكرانيا في "تشتيت القوات الروسية وإجبار موسكو على تغيير خططها القتالية في أوكرانيا"، على حد تعبير المسؤولين.

وأكد المسؤولون الأمريكيون الأهمية الاستراتيجية المحتملة للضربة الأوكرانية ونجاحها، مع الإشارة إلى أنهم سيتابعون تطوراتها من كثب قبل الوصول إلى استنتاجات نهائية. وشددوا على دور هذه الضربة في تعزيز الروح المعنوية المتراجعة للقوات الأوكرانية وسكانها المنهكين من الحرب.

واليوم الجمعة، قال أحد مساعدي زيلينسكي، ميخايلو بودولياك، إن "هجوم كييف غير المسبوق على روسيا يهدف إلى إقناع موسكو بالخوض في عملية تفاوض منصفة من خلال إلحاق هزائم تكتيكية كبيرة"، مضيفاً على منصة إكس "في منطقة كورسك، يمكننا أن نرى بوضوح كيف تُستخدم الأداة العسكرية بموضوعية لإقناع روسيا بالدخول في عملية تفاوض منصفة".

لكن أوردت نيويورك تايمز في تحليها المنشور أمس الخميس أن العملية في حد ذاتها لن تدفع روسيا إلى طاولة المفاوضات، ووفقاً لمسؤولين أمريكيين "تعهد الرئيس الروسي فلاديمير بوتن بعدم التفاوض فيما تحتل أوكرانيا روسيا، وقال المسؤولون الأمريكيون إنه "ينبغي أن نأخذ كلامه على محمل الجد".

ما أبرز ردود الفعل؟

وقال الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو، حليف الرئيس فلاديمير بوتين، إن روسيا وأوكرانيا يجب أن تتفاوضا لإنهاء الصراع بينهما لتجنب امتداد الحرب إلى بيلاروسيا.

واعتبر لوكاشينكو أن الغرب يشجع كييف على القتال لأنه يريد أن "تدمر كل من أوكرانيا وروسيا الأخرى"، وذلك وفقاً لمقتطفات نشرت أمس الخميس على الموقع الإلكتروني للرئاسة البيلاروسية.

فيما نشرت وزارة الدفاع الأمريكية أمس أيضاً بياناً قالت فيه نائبة السكرتير الصحفي للبنتاغون، سابرينا سينغ، إن كبار المسؤولين العسكريين الأمريكيين والأوكرانيين ناقشوا الهجوم على إقليم كورسك الروسي وكذلك الحرب المستمرة بين أوكرانيا وروسيا.

وأضافت سينغ أن وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن تحدث مع وزير الدفاع الأوكراني رستم عمروف "في محاولة للحصول على فهم أفضل لأهدافهم". لكنها أكدت أن الهجوم الحالي على كورسك لا يغير نوعية الأسلحة التي يقدمها التحالف الداعم لأوكرانيا وأشارت إلى أن الأسلحة المقدمة للقوات المسلحة الأوكرانية تغيرت منذ الهجوم الروسي في فبراير/شباط 2022.

وقالت سينغ إن مجموعة الاتصال الدفاعية الأوكرانية بدأت في إرسال أسلحة أساسية مضادة للدروع والطائرات إلى أوكرانيا. وتغير هذا الوضع مع استمرار الحرب، إذ أصبح لدى الأوكرانيون الآن طائرات إف-16، كما يتلقى جنود المشاة الأوكرانيون تدريبات متطورة، ويقودون ناقلات النفط الأوكرانية ودبابات ليوبارد الألمانية ودبابات أبرامز الأمريكية، وغير ذلك الكثير.

في حين أكد القائد العسكري الأعلى لحلف شمال الأطلسي (الناتو) الجنرال كريستوفر جي كافولي أمس الخميس أن "التوغل نجح حتى الآن"، وقال خلال حديثه في مجلس العلاقات الخارجية في نيويورك: "يكفي القول إنه يبدو أن الأمور تسير على ما يرام".

بدوره، كتب جوزيف بوريل، الممثل الأعلى للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية في الاتحاد الأوروبي ونائب رئيس المفوضية الأوروبية، أن "الاتحاد الأوروبي يدعم بشكل كامل نضال الشعب الأوكراني"، مؤكداً دعم الاتحاد الأوروبي الكامل لنضال شعب أوكرانيا، بقوله "لم يتمكن بوتين من كسر مقاومة أوكرانيا ضد هجومه غير المبرر ويُدفع الآن إلى الانسحاب إلى الأراضي الروسية".

في حين أعرب الرئيس الفنلندي ألكسندر ستوب عن دعمه القوي "لحق أوكرانيا في الدفاع عن نفسها". وفي مؤتمر صحفي عقد في 13 أغسطس/آب، أكد أن "فنلندا لا تفرض أي قيود على استخدام أوكرانيا للأسلحة التي توفرها فنلندا، بشرط التزام القانون الدولي".

TRT عربي - وكالات
الأكثر تداولاً