سيكون على الناخبين الأمريكيين الاختيار مجدداً بين الرئيس الديمقراطي جو بايدن وسلفه الجمهوري دونالد ترمب في الانتخابات الرئاسية المقررة في 5 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، وذلك بعد ضمانهما الأصوات المطلوبة في الانتخابات التمهيدية لحزبيهما، ومن المنتظر ترشيحهما رسمياً في مؤتمرَي الحزبين صيف هذا العام.
وتغلَّب بايدن في الانتخابات الرئاسية الماضية على ترمب -الذي كان يتطلع لولاية رئاسية ثانية- بحصوله على 306 من مندوبي المجمع الانتخابي، متخطياً الرقم السحري المطلوب (270)، في حين نال الرئيس المنتهية ولايته آنذاك 232 صوتاً انتخابياً فقط.
تفوُّق بايدن على ترمب لم يكن على مستوى المجمع الانتخابي فحسب، بل تُرجم بتصويت شعبي بنيله 81.2 مليون صوت بنسبة 51.3%، مقابل 74.2 مليون لحاكم البيت الأبيض السابق بما يعادل 46.9%.
"جولة إعادة"
وتشكل "رئاسيات 2024" جولة إعادة بين بايدن -الذي سيبلغ 82 عاماً من عمره- في شهر الانتخابات المقبلة، وترمب الطامح إلى العودة إلى البيت الأبيض متحدياً الملاحقات القانونية التي تطارده، بما فيها اتهامه بمحاولة قلب نتيجة الانتخابات الماضية.
وبعد معرفة هوية مرشحَي الحزبين الديمقراطي والجمهوري أظهر استطلاع رأي أجرته وكالتا رويترز وإبسوس تقدماً طفيفاً لبايدن أمام ترمب بنقطة مئوية، إذ نال الأول 39% مقابل 38%، فيما قال 11% من المشاركين في الاستطلاع إنهم سيصوتون لمرشحين آخرين، و5% قالوا إنهم لن يصوتوا، مقابل 7% لم يتخذوا قرارهم بعد.
لكن ترمب تقدم في الولايات السبع المتأرجحة -التي شهدت منافسة محتدمة في انتخابات 2020- بحصوله على 40% من الأصوات مقابل 37% لبايدن، فيما نال المرشح المستقل روبرت إف كينيدي جونيور دعم 15% من الناخبين المسجلين في حالة ظهوره على ورقة الاقتراع.
ويبدو أن حلم بايدن في البقاء للمرة الرابعة في البيت الأبيض -بعد ولايتين كان فيهما نائباً للرئيس الأسبق باراك أوباما ورئيساً في ولاية ثالثة- مهدَّداً بقوة في ظل جملة من المتغيرات التي قد تؤثر في الناخب الأمريكي وتدفعه إلى التصويت لمنافسه الأبرز.
الاقتصاد والهجرة
يقول الخبير في الشؤون الأمريكية خالد ترعاني إنه "لا أحد يستطيع توقع هوية الفائز، لكن استطلاعات الرأي -باستثناء استطلاع رويترز- تمنح ترمب تقدماً مريحاً أمام بايدن"، لافتاً إلى أن المشهد قد يتغير بسبب محاكمات ترمب وتطورات قد تطرأ في الفترة المقبلة.
ويوضح ترعاني في حديثه لـTRT عربي أن أسباباً داخلية وخارجية قد تحول بين بايدن وولاية رئاسية ثانية مثل الوضع الاقتصادي والتضخم الذي يُعَدّ مشكلة للرئيس الديمقراطي، مؤكداً أن الاقتصاد وكمية المال في محفظة الناخب الأمريكي هما العامل الأكبر في الانتخابات.
وارتفع التضخم في الولايات المتحدة في فبراير/شباط الماضي بنسبة 0.4% خلال الشهر و3.2% مقارنة بالعام الماضي، وهي أعلى قليلاً من توقعات الخبراء للمعدل السنوي (3.1%).
وتبرز أيضاً قضية الهجرة غير الشرعية والأزمة على حدود الولايات المتحدة، وفق ترعاني الذي يقول إنّ الحزب الجمهوري نجح في جعلها مشكلة بايدن في ظل تساهل الديمقراطيين معها، ودخول الملايين من المهاجرين غير الشرعيين خلال حقبة بايدن.
ويلفت إلى أن ترمب قد وعد بإقامة جدار بين الولايات المتحدة والمكسيك ولم يحقق شيئاً منه، لكنه لا يزال ناجحاً في جعل هذه المشكلة لبايدن، واصفاً إياها بأنها واحدة من أهم المشكلات.
حرب غزة
ويعتقد الخبير في الشؤون الأمريكية أن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة ستلعب دوراً مهماً في الانتخابات الأمريكية المقبلة لأن بايدن تمادى بدعم الاحتلال، كما أنه فشل في صدّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عندما تحداه وبدا رئيساً ضعيفاً.
واستدل ترعاني بتوجيه بايدن الجيش الأمريكي بإنشاء ميناء عائم قبالة سواحل غزة بعدما فشل في الضغط على إسرائيل لإدخال المساعدات الإنسانية عبر المعابر البرية رغم تكدسها، وتغاضي تل أبيب عن اعتراض المستوطنين للشاحنات المتجهة إلى القطاع.
ويلفت إلى أن "بايدن كان متواطئاً منذ بداية الحرب وتبنّيه السردية الإسرائيلية بقطع الفلسطينيين رؤوس أطفال يهود ومزاعم أخرى ثبت كذبها"، إذ اتخذتها إسرائيل مبرراً لارتكاب الإبادة الجماعية، فضلاً عن شهر إدارته الفيتو في مجلس الأمن، وصولاً إلى ضعفه حالياً وفشله في الضغط على حكومة نتنياهو لتمرير المساعدات.
ويشدد ترعاني على أن السياسة الخارجية لا تحدد هوية حاكم البيت الأبيض، "فالشعب الأمريكي لا يصوت على السياسة الخارجية وإن كانت مهمة".
ويلفت إلى أن الحملة التي بدأت من ميشيغان -وهو أحد منظميها في 2 ديسمبر/كانون الأول الماضي- في طريقها لكي تغير المعادلة القائمة، وتجعل السياسة الخارجية تسهم في جعل بايدن رئيساً لولاية واحدة ومعاقبته على دوره في الإبادة الجماعية وربط خسارته بتواطئه ضد الفلسطينيين.
ويوضح أن "هذه ستكون سابقة في تاريخ الجالية العربية والمسلمة ومحبيها باستهداف رئيس أمريكي وإسقاطه بناء على قضية سياسة خارجية"، كاشفاً عن حالات سابقة كانت فيها السياسة الخارجية عاملاً مهماً في الانتخابات مثل حرب فيتنام في فترة الرئيس ليندون جانسون، لكنه قال إنها استثناء وليست القاعدة.
ومطلع الشهر الأخير للعام المنقضي أعلن قادة مسلمون من ولايات أمريكية سحب دعمهم لبايدن في انتخابات الرئاسة، وأطلقوا حملة ضد إعادة انتخابه، بسبب مواقفه من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.
وفي حملة أطلقوا عليها "التخلي عن بايدن"، تعهّد المنظمون من ولايات ميشيغان ومينيسوتا وأريزونا وويسكونسن وفلوريدا وجورجيا ونيفادا وبنسلفانيا -وهي ولايات لها تأثير انتخابي تاريخياً- بأن يكون بايدن رئيساً لولاية واحدة فقط.
ونهاية فبراير/شباط الماضي صوّت أكثر من 100 ألف ناخب ديمقراطي في ولاية ميشيغان التي تحتضن أكبر عدد من الأمريكيين العرب في الولايات المتحدة، بـ"غير ملتزم" خلال الانتخابات التمهيدية التي حسمها بايدن، مما يعني عدم مساندة هؤلاء أي مرشح ديمقراطي بعينه.
عُمر بايدن
ومن الأسباب التي قد تضع بايدن خارج البيت الأبيض تقدمه في السنّ، إذ أصبح متهالكاً في السنّ وعجوزاً وبطيئاً ذهنياً وجسدياً، علاوةً على أنه أكبر رئيس أمريكي في تاريخ الولايات المتحدة، وهو ما قد يدفع البعض إلى الإحجام عن التصويت له، كما يرى ترعاني.
ويلفت خبير الشؤون الأمريكية إلى بعض الإشاعات التي تتحدث عن إمكانية استبدال مرشح آخر ببايدن، رغم أن القضية حُسمت انتخابياً، موضحاً أن الحزب الديمقراطي في مؤتمره العام قد يتفق على تسمية شخص آخر ويدفع به إلى المعترك الانتخابي رغم كونه احتمالاً ضئيلاً.
لكن هذا الأمر لم يحدث في أمريكا سوى مرات نادرة، بتسمية الحزب مرشح رئاسة ليس من خلال الانتخابات التمهيدية وإنما بتزكية من المؤتمر العام، وفق ترعاني الذي يؤكد أنها ستكون سابقة تاريخية في القرن الحادي والعشرين، وقد يكون حاكم كاليفورنيا غافن نيوسوم المرشح الأبرز لخلافة بايدن.
وفي الشهر الماضي كشف استطلاع رأي أجرته مؤسسة إبسوس بالتعاون مع شبكة إيه بي سي نيوز أن 86% من الأمريكيين يعتقدون أن بايدن أكبر سناً بصورة تفوق الحد من أن يخدم فترة رئاسية أخرى، مقابل 62% فقط يعتقدون أن ترمب (77 عاماً) كبير في السن بصورة لا يمكن معها أن يشغل منصب الرئيس.