تابعنا
رغم أن دورها الحقيقي وأهدافها الأساسية تكمن في حفظ السلام وحماية حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم ودون تفرقة، لم تلتزم منظمة الأمم المتحدة بذلك في أكثر من موقف وخذلت العالم الإسلامي، بالتغاضي عن المجازر والانتهاكات المرتكبة في حقه.

تعتبر حماية حقوق الإنسان، أحد أهم الأسباب التي قامت من أجلها الأمم المتحدة، وهي منظمة عالمية تأسست سنة 1945 عقب الحرب العالمية الثانية التي شهدت إبادات جماعية وأعمالاً وحشية كثيرة، وتضم عضوية المنظمة جميع دول العالم المستقلة تقريباً.

وكانت الأمم المتحدة شاهدة على الكثير من جرائم الحرب والانتهاكات لحقوق الإنسان، قدمت الدعم والمساعدة في بعضها، واكتفت بتعبيرها عن قلقها وإدانتها لبعضها الآخر. ولكن الأسوأ كان خذلانها وغضها الطرف عن جرائم أخرى.

ولعل أبرز تلك الجرائم والإبادات التي بقيت وصمة عار في تاريخ المنظمة تلاحقها إلى اليوم، مذبحة سربرنيتسا سنة 1995، وحديثاً، مجازر النظام السوري في حق أبناء شعبه بعد اندلاع الثورة سنة 2011.

الأمم المتحدة تخذل مسلمي البوشناق

بعد اندلاع حرب طاحنة في البوسنة والهرسك سنة 1992، شاركت فيها عديد القوى الإقليمية واستمرت حتى سنة 1995، لجأ الآلاف من المسلمين البوشناق وهم مسلمو البوسنة إلى مدينة سربرينتسا، الواقعة في أقصى شرق البوسنة، للهرب من بطش الصرب.

ومع ارتفاع عدد اللاجئين إلى المدينة، وتزامن ذلك مع استمرار الهجمات الصربية على المدنيين، أعلنت الأمم المتحدة، في ربيع 1993 أن المدينة تعتبر منطقة آمنة ومنزوعة السلاح تحت حمايتها. وتم التعهد بحماية وتأمين حياة البوسنيين.

لكن الأمر لم يعجب الصرب كثيراً، وأثار غضبهم واعتبروا في القرار انحيازاً للبوسنيين. فاستجابت الأمم المتحدة للضغوطات التي مارسها عليها الصرب، ونزعت إثر ذلك سلاح المقاتلين الذين كانوا يضطلعون بمهمة حماية المدنيين من الهجمات الصربية المتواصلة.

إلا أن القوات الصربية تجاهلت قرار الأمم المتحدة، بتأمين المنطقة لإيواء اللاجئين، واستأنفت الهجمات بشكل أفظع منذ سنة 1994، ولم تحرك القوات الدولية ساكناً تجاه ذلك، بل اعتبرت أنه من الضروري وفي أسرع وقت الدفع في اتجاه أي حل لتحقيق السلام بأي شكل كان.

وجرى الاتفاق على تقسيم البوسنة والهرسك، بين الصرب البوسنيين والبوشناق المسلمين، إلا أنه جرى التنازل عن مدينة سربرنيتسا ولم تكن ضمن إقليم المسلمين المتفق عليه.

فشن عقب ذلك القائد العسكري الصربي راتكو ملاديتش الشهير باسم سفاح البوسنة، هجوماً على المدينة في 11 يوليو/تموز 1995. وخوفاً من بطش الجيش الصربي الذي ذاع حينها صيت مجازره في بقية المناطق، هرب بعض المسلمين البوشناق وعددهم ما بين 20 و25 ألف شخص، أغلبهم أطفال ونساء، إلى مقر الأمم المتحدة في بوتوتشاري، طالبين الحماية من الجنود الهولنديين التابعين للأمم المتحدة.

لكن المنظمة التي وعدت في السابق بمنح الأمان والحماية للاجئين البوسنيين، استقبلت حوالي 5 آلاف شخص وطردت البقية، الذين لم يجدوا خياراً غير الإيواء إلى مصنع محاذ للمنظمة، فأدركتهم يد البطش الصربية.

ونفذت في المسلمين البوشناق أفظع المجازر التي عرفها التاريخ، على مسمع ومرأى الجميع، وراح ضحيتها حوالي 8 آلاف مسلم أغلبهم من الشيوخ والأطفال.

وبعد سنوات من ارتكاب المذبحة، أصدرت محكمة الاستئناف في لاهاي سنة 2014 قراراً يشير إلى أن قوات حفظ السلام الهولندية، كان بوسعها حينها، إدراك أن الذين لجؤوا إلى مقر الأمم المتحدة في قرية بوتوتشاري، سيتعرضون حتماً للقتل إذا جرى إجبارهم على الرحيل.. وهو ما حدث بالفعل.

بالتالي لا يمكن إخفاء حقيقة أن الجميع تواطأ في الإبادة الجماعية الفظيعة التي حدثت في سربرينتسا. وفي سياق متصل قال الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة كوفي عنان "هذا الفشل (في منع وحماية ضحايا المذبحة) سيطارد تاريخنا إلى الأبد".

الأمم المتحدة تتجاهل مأساة السوريين

منذ اندلاع الثورة السورية سنة 2011 ، لم يتوقف النظام السوري عن قتل واستهداف المدنيين، وارتكاب جرائم ومجازر إنسانية كبرى في حق أبناء شعبه. وتداخلت منذ ذلك الحين وإلى اليوم، القوى الدولية والإقليمية في الحرب الدائرة في سوريا.

فسقط مئات آلاف الضحايا وهجر الملايين من السوريين إلى خارج أراضيهم، ولجأ العديد منهم إلى الخيام على الحدود هرباً من بطش الآلة القمعية والوحشية للنظام.

ونفذ النظام السوري منذ بدء الحرب، حوالي 50 هجوماً باستخدام الأسلحة الكيميائية، على مختلف المناطق والمحافظات، تسبب في سقوط آلاف الضحايا والمصابين، وكشفت عن ذلك تقارير وتحقيقات دولية، أدانت استمرار القوى العالمية ومن بينهم روسيا والولايات المتحدة الدفاع عن نظام الأسد والتغطية على جرائمه.

وبعد سنوات قليلة، وضمن مخطط الترويج لفكرة إعادة السوريين إلى سوريا، ادعت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أن المناطق التي تقع تحت سيطرة النظام السوري، تعتبر مناطق آمنة. في حين أنها تدرك تماماً أن العائدين إلى مناطق النظام سيواجهون حتماً التجنيد القسري أو الاعتقال والتعذيب. لتتجاهل تلك الحقيقة وتدفع بهم إلى المهلكة.

ومؤخراً، ورغم الكشف عن جرائم النظام السوري وإدانته دولياً، عبرت الأمم المتحدة في فبراير/شباط من السنة الحالية عن عزمها انتخاب سفير النظام السوري المعين حديثاً لديها بسام صباغ عضواً في اللجنة الخاصة للأمم المتحدة حول إنهاء الاستعمار لعام 2021.

وتضرب الأمم المتحدة بهذا القرار، مآسي الشعب السوري الذي تعرض للقتل والتهجير والإبادة والقمع، عرض الحائط، وتشرك النظام السوري كحكم في مجال حقوق الإنسان.

تلا ذلك الإعلان، انتخاب النظام السوري في مايو/أيار الماضي عضواً في اللجنة التنفيذية لمنظمة الصحة العالمية التابعة للأمم المتحدة، ومثلت هذه الخطوة استفزازاً لكثير من السوريين الذين تسبب لهم النظام في هدم المستشفيات وقتل المدنيين والمسعفين وجميع العاملين في المجال الصحي.

اعتبرت منظمات حقوقية ومدنية، أن قرار الأمم المتحدة يتعارض مع مبدأ حقوق الإنسان، الهدف الرئيسي الذي قامت من أجله المنظمة. وشددت على كون المنظمة أقدمت على إهانة الضحايا الأبرياء من الشعب السوري، واعترفت بالنظام السوري المتهم بجرائم حرب، كشريك في مجال حقوق الانسان.

تقف هذه الحوادث شاهدة، على انهيار ادعاءات الأمم المتحدة بحفظ الأمن والسلام وحماية حقوق الإنسان دون تفرقة. وإدانة لغض المنظمة الطرف عن مآسي المسلمين وتعرضهم لأبشع الانتهاكات حول العالم، على مر التاريخ.

TRT عربي