منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا، لعب المتعهد الأمني "فاغنر" أدواراً نوعية في تقدم القوات الروسية خلالها. وصعد نجم "فاغنر" أكثر في باخموت التي تدور فيها معارك "كسر عظام"، إذ نجح مرتزقتها في السيطرة على بلدة سوليدار الاستراتيجية، وذات الفائدة الاقتصادية لموسكو.
وبعد عام من الحرب، كشفت تقارير استخباراتية أمريكية أخيرة عن أن قوات "فاغنر" تكبدت خسائر بشرية كبيرة. ووفق منسق الاتصالات الاستراتيجية في مجلس الأمن القومي الأمريكي جون كيربي، بلغ عدد قتلى المتعهد الأمني الروسي 9000 شخص، نصفهم قُتلوا خلال الشهرين الأخيرين فقط، إضافة إلى 21 ألف جريحاً.
ومن جانبها، قالت وزارة الدفاع البريطانية بأن مرتزقة فاغنر يمثلون نصف قتلى الجانب الروسي في هذه الحرب. مرجعة ذلك إلى نقص في الإسعافات الطبية التي يتلقاها هؤلاء المرتزقة إثر إصابتهم، مقارنة بما يتلقاه الجيش الروسي.
وعلى ما يبدو أن هذه الأرقام أثارت امتعاضاً كبيراً في إدارة المجموعة، ودفعت رئيسها يغفيني بيغوجين، إلى الخروج عن صمته متهماً قيادة الجيش الروسي بـ"خيانة" قواته، ورفض إمدادهم بالسلاح، وهو ما كذّبته وزارة الدفاع الروسية. فيما تلمح تقارير إلى أن تصريحات بريغوجين الأخيرة، محاولة منه لتوسيع نفوذه في الكرملين.
اتهامات بريغوجين وتكذيب موسكو
اتهم رئيس مجموعة فاغنر الروسية المسلحة، الثلاثاء، هيئة الأركان العامة في بلاده بـ"الخيانة"، حسب ما نقلته "فرانس برس". ذلك برفضها على حد قوله، تسليم المعدات والأسلحة التي تحتاج إليها عناصره المنتشرة في الخطوط الأمامية لجبهة القتال في شرق أوكرانيا.
وقال بريغوجين، في تسجيل صوتي نشره مكتبه الإعلامي على تلغرام: "رئيس الأركان ووزير الدفاع يصدران الأوامر العشوائية ويطلبان، ليس فقط عدم تسليم الذخيرة لمجموعة فاغنر، ولكن أيضاً عدم مساعدتها في مجال النقل الجوي". مضيفاً أن "هناك مواجهة مباشرة هي محاولة لتدمير فاغنر. وترقى إلى خيانة للوطن، في حين تقاتل فاغنر من أجل باخموت وتتكبد خسائر بشرية بالمئات كل يوم".
هذا ونشر المكتب الإعلامي لبريغوجين صورة تظهر ما زعم أنهم عشرات من جنود فاغنر الذين لقوا حتفهم بسبب "شح الذخيرة". وأتبع رئيس فاغنر بالقول: "على من يقع اللوم على حقيقة أنهم ماتوا؟ يقع اللوم على أولئك الذين كان ينبغي أن يقرروا تزويدنا بالذخيرة الكافية. يجب أن يجري التوقيع النهائي إما من قبل (رئيس الأركان العامة) فاليري جيراسيموف أو شويغو. لا أحد منهما يريد اتخاذ قرار".
فيما كذّبت وزارة الدفاع الروسية هذه المزاعم، وأوردت في بيان لها، يوم الثلاثاء، تفصيلاً لكميات الذخيرة التي قُدمت إلى ما سمته "أسراب المتطوعين الهجومية"، وهو الاسم الذي يطلقه الجيش الروسي على فاغنر.
وأوضحت وزارة الدفاع الروسية بأن "كل طلبات الذخيرة للوحدات الهجومية تلبى في أسرع ووقت ممكن"، واعدة بإمدادات جديدة اعتباراً من يوم السبت، كما شددت على أن المعلومات التي تشير إلى وجود نقص "خاطئة كلياً". هذا وأشادت الوزارة بـ"شجاعة المتطوعين" الروس في القتال و"تفانيهم"، منددة "بمحاولات زرع الشقاق غير المجدية والتي تخدم مصالح العدو".
فيما ليست هي المرة الأولى التي ينتقد فيها رئيس المجموعة الأمنية المقرب من بوتين، يغفيني بريغوجين، أداء المؤسسة العسكرية لبلاده. غير أن هذه المرة تعد استثائية، حسب مراقبين، إذ طالت الانتقادات رئيس الأركان فاليري غيراسيموف ووزير الدفاع سيرغي شويغو، وهما شخصيتان رئيسيتان في روسيا، وهو ما يعتبر تصعيداً غير مسبوق.
طموح بريغوجين وامتعاض الجيش
وفي تقرير لها، ربطت وكالة الأنباء الفرنسية، تصريحات بريغوجين الأخيرة بطموحه المتزايد في نفوذ أكبر داخل الكرملين. لافتة إلى أنه بالرغم من أن بريغوجين اكتسب قدراً من الأهمية لم يكتسبه أي لاعب غير رسمي روسي قبله، بخاصة في ما يتعلق بعمليات روسيا في الخارج، يبقى صعوده هشاً.
ونقلت الوكالة عن خبيرة المسائل الروسية في مجموعة كارنيغي الأمريكية للدراسات، تاتيانا ستانوفايا، قولها بأن بريغوجين "موضع إشادة وانتقاد في آن"، وروابطه الحقيقية بالرئيس فلاديمير بوتين تثير الكثير من الروايات والتكهنات. مضيفة أن كل انتصار يحققه "طباخ الكرملين" يعده بمستقبل لامع، لكن كل فشل ينذر بسقوط قريب، لكن "في الوقت الحاضر لا تبدو أيّ من الروايات حوله واقعية بالكامل".
وأوضح ماكسيم أودينيه، من معهد البحث الإستراتيجي في المدرسة العسكرية في باريس، بأن بريغوجين "يسعى إلى خوض مجال النزعة القومية الشعبوية التي تشهد صراعات داخلية منذ وفاة فلاديمير جيرينوفسكي الزعيم التاريخي للحزب الديموقراطي الليبرالي (قومي متطرف) في نيسان/أبريل 2022". مشيراً إلى أن هذا التيار يعد "رهاناً واعداً للغاية" لقيادة مرحلة ما بعد بوتين.
بالمقابل، ربما هناك أطراف معارضة لطموح بريغوجين السياسي والعسكري داخل روسيا، وبالأخص في المؤسسة العسكرية، حيث يثير الدور الذي يلعبه كقائد لمجموعة مرتزقة جرى تجنيد العديد منهم من السجون. وهو ما يؤكده رئيس تحرير موقع "أوكرانيا بالعربي" محمد فرج الله، في حديثه لـ TRTعربي، بالقول: "في أي دولة، مهما كان للعسكري احترامه، إذا أردت أن تهين عسكرياً ضع مرتزقاً يأمره".
وأضاف الصحفي الأوكراني: "اليوم فاغنر هي التي تأمر وزارة الدفاع الروسية، وهناك استياء كبير من أن الجيش الروسي أصبح يؤمر من فاغنر".
هذا وتدخل الحرب في أوكرانيا عامها الأول يوم الجمعة، بعد إطلاقها في 24 فبراير/شباط من العام الماضي. وتشارك مجموعة فاغنر في القتال إلى جانب القوات الروسية، كما تعد العصب الحيوي في العمليات القتالية الدائرة مؤخراً في مقاطعة باخموت شرقي أوكرانيا.