تابعنا
أضحت المملكة اليوم أكثر انفتاحاً على شراكات جديدة في المجال العسكري والدفاعي، إذ تعتمد الرباط على مصادر متنوعة للوصول إلى أسلحة أكثر كفاءة، على غرار السوق التركية.

أظهرت السنوات الأخيرة دخول المغرب في عمليات تحديث مختلف وحدات قوّات جيشه بالاعتماد على القدرات الذاتية، والمضي في تأسيس صناعة دفاعية وعسكريّة محلية، رغم السرية التي تحيط تفاصيل هذا المشروع.

وشرعت المملكة المغربية في إعداد مناطق ومنصات صناعية مُخصّصة للصناعات العسكرية والدفاعية، بهدف استقبال الاستثمارات الأجنبية، وتطوير مقدرات "الجيش الملكي المغربي".

وأضحت المملكة اليوم أكثر انفتاحاً على شراكات جديدة في المجال العسكري والدفاعي، إذ تعتمد الرباط على مصادر متنوعة للوصول إلى أسلحة أكثر كفاءة، على غرار السوق التركية.

تركيا.. نموذج يُحتذى به

يذهب محلل الشؤون الدفاعية والأمنية نزار الدردابي، إلى أن "الصناعة العسكرية التركية في إنتاج الأسلحة والمعدات العسكرية عالية الجودة تشكل نموذجاً يحتذى به للمغرب، وخصوصاً أن أنقرة استغرقت أكثر من ثلاثة عقود لتحقيق هذا المستوى من الخبرة".

ويوضح الدردابي في حديثه لـTRT عربي، أن "المغرب يقتني منذ سنوات الأسلحة من تركيا، إذ تعد المملكة أول دولة إفريقية تزوّد نفسها بطائرات من دون طيار من طراز بيرقدار TB2".

وتوجّه المغرب فعلاً إلى تركيا في 2021 من أجل اقتناء 13 طائرة من دون طيار من نوع بيرقدار (TB2) مقابل 59 مليون دولار، وهي الطائرات التي تستعمل لمراقبة المنطقة العازلة جنوب المملكة وأيضاً لمراقبة الحدود مع مدينتي سبتة ومليلية.

صفقات وتعاون

ويقول إسماعيل حمودي، الأكاديمي المتخصّص في السياسة الأمنية للمغرب، إنه "في 2013 أعلن المغرب وتركيا عن رغبتهما في تطوير تعاونهما العسكري على هامش زيارة وزير الدفاع التركي للمغرب".

ويضيف حمودي لـTRT عربي، أنه مع عودة التوتر إلى إقليم الصحراء، "أُعلن عن صفقات اقتناء مسيّرات تركية الصنع، مع ما يعنيه هذا من زيارات عسكرية متبادلة وتداريب ميدانية".

ولا يعتمد المغرب في تحديث جيشه على مسيّرات تركية فقط، بل تحدثت تقارير في بداية عام 2022 عن وجود مفاوضات بين الرباط وأنقرة لاقتناء قاذفات صواريخ من نوع "كيليش 2"، إضافة إلى فرقاطة خفيفة مقابل 222 مليون دولار.

وخلال العام نفسه، أجرت البحرية الملكية المغربية محادثات مع شركة تركية لشراء 15 سفينة، تعزّز عمل خفر السواحل في المملكة للوقاية من الهجرة غير النظامية.

قبل ذلك، وفي عام 2021 أبرم المغرب صفقة مع شركة "أسلسان" (Aselsan) التركية المصنّعة للأسلحة، بقيمة 50.7 مليون دولار، من أجل الحصول على منظومة "كورال" للحرب الإلكترونية.

ملحق عسكري في أنقرة

تظلّ الخطوة الأهم على المستوى العسكري في العلاقات المغربية التركية، هو الإعلان في يوليو/تموز 2022، خلال مجلس وزاري ترأسه العاهل المغربي محمد السادس، عن إحداث منصب الملحق العسكري في السفارة المغربية في أنقرة.

ويوضّح حمودي أن هذا "منصب يحدث فقط في السفارات المغربية لدى الدول التي تربطها بها علاقات تعاون عسكري تتطلب حضوراً عسكرياً دائماً".

ويؤكد الأكاديمي المتخصّص في السياسة الأمنية للمغرب، أنها "خطوة تعكس قناعة المغرب بأن تركيا صارت من الأسواق الواعدة في مجال صناعة السلاح ويمكن الاستفادة من تجربتها".

ويراهن المغرب على تطوير ترسانته العسكرية وتطوير صناعة محلّية للأسلحة، إذ اعتمد في هذا شراكات "غير تقليدية"، مع دول مثل الصين والهند وتركيا، تهدف إلى تنويع مصادره وعقد اتفاقيات للتزوّد بالعتاد ونقل التكنولوجيا، لدعم قطاع الصناعة الدفاعية المغربية.

وتواكب الرباط تطوير هذا القطاع المهم بترسانة تشريعية وقانونية، من خلال إصدار القانون رقم 20.10 المتعلق بعتاد وتجهيزات الدفاع والأمن والأسلحة والذخيرة، وتقنين أنشطة التّصنيع والتّجارة والاستيراد والتصدير ونقل وعبور هذه المعدّات والتّجهيزات.

ويرى إسماعيل حمودي أن هذا القانون "استراتيجي وعصري، لكونه لا يحصر هذه الصناعة في تلبية حاجيات الدفاع والأمن الوطني، بل يعمل على إدراج الصناعة العسكرية ضمن النسيج الصناعي الوطني".

وينص القانون الجديد نسبياً في المملكة، على أن المغرب سيتيح تراخيص تسمح بتصنيع الأسلحة والمعدّات العسكرية والأمنية المستخدمة من طرف الجيش وقوات الأمن على تراب المملكة، مع إمكانية تصديرها إلى دول أخرى.

وبهذا تحاول المملكة الاستفادة من التجربة التركية في هذا المجال، وخاصة أن أنقرة استطاعت أن تفرض صناعتها العسكرية كبديل موثوق لأنظمة غربية، ولا سيّما في صناعة المسيّرات، وتصدّرها إلى دول أجنبية منها المغرب.

الرهان على التصدير

ويلفت محلل الشؤون الدفاعية والأمنية نزار الدردابي إلى أن "الهدف على المدى المتوسط من صناعة الأسلحة، التي تتطلب ميزانية كبيرة جداً، هو تصدير جزء منها إلى الدول الحليفة في إفريقيا".

وبلا شك، فإن "إنتاج الأسلحة في المغرب بتكلفة أقل من تلك التي تنتجها شركات الأسلحة الغربية، سيجعل من الممكن إثارة اهتمام القوات المسلحة للبلدان الإفريقية، وخاصة بلدان الساحل"، بحسب الدردابي.

ومن أجل تشجيع الاستثمارات في الصناعات العسكرية، وضعت رؤية تركز على إنشاء مناطق صناعية متخصّصة في هذا المجال، مع ما سيسمح ذلك بلعب دور مهم في التنمية الاقتصادية وتحقيق الاستقلال تدريجياً في مجال الصناعة الدفاعية.

ويبيّن المحلّل الاقتصادي والمالي، علي الغنبوري، أن هذه الرؤية "تجسّدت من خلال النمو المتواصل لميزانية الدفاع التي وصلت في مشروع قانون المالية (مشروع قانون الموازنة) لسنة 2024 إلى 12.2 مليار دولار، مُخصّصة لاقتناء وإصلاح مُعدات القوات المسلحة الملكية، ودعم وتطوير الصناعة الدفاعية".

واعتبر الغنبوري في حديثه مع TRT عربي، أن "استثمار المغرب في صناعة الأسلحة والمعدات العسكرية خيار استراتيجي، يعزّز موقع المملكة على المستوى الإقليمي والقاري في مجال الاستثمارات العسكرية، مستفيداً من العلاقات والشراكات المتميزة التي تجمعه مع عدد من الشركاء".

من خلال قوانين الموازنات المغربية في السنوات الأخيرة، تبين وجود ارتفاع ملحوظ سنة بعد أخرى لمخصصات التسلح، إذ تجاوز المغرب سقف الـ10 مليارات دولار لأول مرة سنة 2020، حين خصّص نحو 10.1 مليار دولار لشراء وإصلاح معدات القوات المسلحة الملكية، مقابل أقل من 9 مليارات دولار في موازنة عام 2019.

وبعد ذلك استمرّ هذا الرقم في التصاعد ليصل إلى نحو 1.2 مليار دولار في مشروع قانون الموازنة لسنة 2024.

TRT عربي
الأكثر تداولاً