وكان من اللافت مشاركة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في اجتماعات القمة التي عُقدت في 5 ديسمبر/كانون الأول الجاري في العاصمة القطرية الدوحة. / صورة: AA (AA)
تابعنا

جذبت قمّة مجلس التعاون الخليجي الـ44 الأنظار مع انعقادها في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة لأكثر من شهرين.

وكان من اللافت مشاركة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في اجتماعات القمة التي عُقدت في 5 ديسمبر/كانون الأول الجاري في العاصمة القطرية الدوحة.

مشاركة تركيّة

إضافةً إلى قادة دول مجلس التعاون ممثّلة بقطر والسعودية والإمارات والبحرين والكويت وسلطنة عُمان، دُعي الرئيس التركي إلى المشاركة في أعمال القمة.

وخلال كلمته، شدَّد الرئيس أردوغان على ضرورة وقف المجازر الإسرائيلية في قطاع غزة، محذراً من إمكانية أن تتحوّل الحرب إلى حرب إقليمية، قائلاً: "يجب ألا نسمح للمجازر في (قطاع) غزة بأن تتحول إلى حرب إقليمية".

وحذّر الرئيس أردوغان من أن الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو تُعرِّض أمن ومستقبل المنطقة بأسرها للخطر لإطالة حياتها السياسيّة.

وشدّد على أن "أولويتنا إعلان وقف دائم وفوري لإطلاق النار، وضمان تدفق متواصل للمساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة"، مشيراً إلى أنَّ "فقدان أرواح 17 ألف فلسطيني بريء معظمهم من الأطفال والنساء، يعدّ جريمة ضد الإنسانية وجريمة حرب، وأن جرائم إسرائيل لا ينبغي أن تمرّ دون مساءلة".

مشاركة وشراكات

وحول أسباب ودلالات مشاركة الرئيس أردوغان في القمة، يقول الباحث في العلاقات الدولية والشّأن التركي مهند حافظ أوغلو، إن الانعطاف التركي على دول الخليج والانفتاح وإعادة ترتيب السياسة الخارجية جعل من أنقرة رقماً مهماً.

ويوضح حافظ أوغلو في حديثه مع TRT عربي، أن "نتائج هذا الانفتاح وصلت إلى درجة دعوة الرئيس أردوغان لمؤتمر قمة خليجية، ما يعني الحاجة إلى دور تركيا في مستقبل المنطقة، إذ تمثل عمقاً إسلامياً غير عربي، وهذا في غاية الأهمية لدول الخليج".

ويلفت إلى الاستثمار الاقتصادي والتعاون الأمني والدفاعي ومكانة تركيا في حلف شمال الأطلسي (ناتو) وانخراطها في ملفات شرقيّة وغربيّة، مؤكداً أن جميعها أمور تجعل تركيا حاضرة في قمّة كهذه.

وفيما يخصّ هذا البُعد، يعتقد رئيس تحرير جريدة الشرق القطرية جابر الحرمي أن "حرص القادة على دعوة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للمشاركة في قمة الدوحة له دلالات وأبعاد على مستويين، أوّلهما على المستوى الإسلامي، لما تمثله تركيا من ثقل وازن بين الدول الإسلامية".

أما المستوى الثاني، يضيف الحرمي في مقاله، يتمثل في العلاقات الخليجية التركية، إذ تعتبر أنقرة شريكاً استراتيجياً لدول الخليج، وتربطها علاقات استثنائية ومميزة مع جميع الدول الخليجية.

وخلال كلمته، ذكر الرئيس أردوغان أنَّ علاقات تركيا مع دول الخليج تتحسن يوماً بعد يوم، وأن مشاركته في القمة هي إحدى مظاهر دفع العلاقات إلى الأمام.

وأعرب عن اعتقاده أن العلاقات ستتطور من خلال العمل الموحد، مشيراً إلى أن حجم التجارة الثنائية مع دول الخليج زاد 13 مرة خلال الأعوام العشرين الماضية، ووصل إلى 23 مليار دولار في 2022.

وأضاف الرئيس أردوغان أن استئناف مفاوضات اتفاقية التجارة الحرّة بين تركيا ودول مجلس التعاون الخليجي ودخولها حيز التنفيذ في وقت قصير، سيزيد حجم التجارة.

ولفت إلى أن تركيا ستستضيف الاجتماع السادس للآلية الوزارية للحوار الاستراتيجي في مجلس التعاون لدول الخليج، بمشاركة وزراء الخارجية في الربع الأول من 2024.

وأضاف الرئيس التركي أنه يولي أهمية كبيرة لمشاريع النقل التي تربط منطقة الخليج بأوروبا براً عبر تركيا، مبيناً أن هذه المشاريع ينبغي أن تتوَّج في مجال الطاقة.

العدوان على غزة

وعن مدى العلاقة بين حضور الرئيس أردوغان والعدوان الإسرائيلي على غزة، يؤكّد حافظ أوغلو مدى الزخم الذي منحته تركيا لهذه القضية مؤخراً، عبر تأكيد الرئيس التركي المتكرر بوجوب محاكمة إسرائيل.

ويقول الباحث في الشأن التركي إنّ "تركيا بدأت منفردة بالتحرّك لمحاكمة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحكومته عن هذه الحرب الهجميّة في غزة".

ويتوقّع أن تتعاون تركيا مع دول عربية في تقديم ملف شكوى للمطالبة بمحاكمة حكومة الاحتلال دولياً وإعطاء الأمر الزّخم الذي يستحقه هذا الملف.

ويرى حافظ أوغلو أن "تركيا اتخذت قرارها وهي ذاهبة نحو تجهيز هذا الملف للمحكمة الجنائية الدولية، لمحاسبة الحكومة الإسرائيلية الحالية".

وعن أهمية التوقيت، يقول جابر الحرمي إن انعقاد القمة يأتي "في ظروف استثنائية، ووسط تحدّيات وأزمات متفاقمة إقليمياً ودولياً، وملفات مفتوحة على أكثر من صعيد".

وأضاف رئيس تحرير صحيفة الشرق أن "قادة مجلس التعاون الذين يجتمعون بالدوحة تلتفت الأنظار إليهم شعبياً، على صعيد الشعوب الخليجية، وإقليمياً لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، خاصّة ما يتعلق بالعدوان الصهيوني الغاشم على قطاع غزة، والجرائم والمجازر التي يرتكبها الكيان بحقّ أهلنا في غزة".

ولذلك، يرى الحرمي أن "هذه التحديات تفرض اليوم أكثر ممّا كان في السابق على المنظومة الخليجية، مزيداً من العمل البينيّ التكاملي الاتحادي (...)، وهو ما يحتم تقوية الصف الخليجي على مختلف المستويات".

نتائج القمة

استحوذت الأزمة الإنسانية في قطاع غزة، والقضية الفلسطينية بشكل عام، على كلمات وأعمال القمة، إذ أدان القادة في كلماتهم العدوان الإسرائيليّ المستمر على الشعب الفلسطيني.

وأكّد القادة المشاركون أهمية استمرار جهود الوساطة، التي تقودها قطر ومصر والولايات المتحدة، للتوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار في قطاع غزة.

وقال رئيس الوزراء القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في مؤتمر صحفي عقب اختتام القمّة، إن القادة المشاركين ناقشوا "تطورات الحرب على غزة والجرائم التي ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلي، في مخالفة صريحة للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني".

وأشار إلى أنَّ المشاركين "أكَّدوا أهمية استمرار جهود الوساطة للوصول إلى وقف كامل ومستدام لإطلاق النار، وفتح المعابر والممرّات الآمنة لتأمين مرور المساعدات الإنسانية والإغاثية والاحتياجات الأساسية بالقدر الكافي لسكان غزة".

كما أجمعوا على ضرورة "إطلاق عملية سياسية تُفضي إلى سلام دائم وشامل وعادل للشعب الفلسطيني الشقيق مع حقوقه المشروعة، وفق قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية".

وجاءت القمة الخليجية لتجدد التأكيد على نتائج القمة العربية الإسلامية التي عقدت في الرياض في 11 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بشأن غزة.

ووقتها، شدد زعماء الدول العربية والإسلامية في البيان الختامي للقمة على ضرورة وقف العدوان على قطاع غزة، ورفضوا توصيف الحرب الانتقامية الإسرائيلية أنها دفاع عن النفس أو تبريرها تحت أي ذريعة.

ودعا الزعماء إلى كسر الحصار الذي يفرضه الاحتلال الإسرائيلي على غزة، وفرض إدخال قوافل مساعدات إنسانية عربية وإسلامية ودولية إلى القطاع، كما دعوا جميع الدول إلى "وقف تصدير الأسلحة والذخائر إلى إسرائيل".

TRT عربي