تابعنا
كانت التطورات الجيوسياسية غير المسبوقة التي تعرفها منطقة الساحل في غرب إفريقيا لافتة، خصوصاً بعد أن تمكنت دول بوركينا فاسو والنيجر ومالي من إجبار فرنسا على سحب قواتها العسكرية وتفكيك مجموعة دول الساحل الخمس التي تأسست عام 2014 بدعم فرنسي.

تعرّضت فرنسا واقتصادها لانتكاسة جديدة في الساحل الإفريقي، بعد انسحاب بوركينا فاسو ومالي والنيجر من تكتل المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا "إكواس"، إذ قطعت هذه الدول الثلاث أشواطاً جادة في سياق الابتعاد عن النفوذ الفرنسي وفك الارتباط الاقتصادي مع باريس، والتحرر من الفرنك الإفريقي، وهي عملة المجموعة التي تُطبع في فرنسا.

وأعلنت بلدان الساحل الثلاثة (بوركينا فاسو، ومالي، والنيجر) في 28 يناير/كانون الثاني الماضي، انسحابها من مجموعة "إكواس"، بعدما أصبح هذا التكتل "تحت تأثير قوى أجنبية، خانت مبادئ الكتلة التأسيسية، ما يشكل تهديداً للدول الأعضاء وسكانها"، وفق البيان المشترك لقيادات الدول الثلاث.

إيجاد كتلة متضامنة جديدة

كانت التطورات الجيوسياسية غير المسبوقة التي تعرفها منطقة الساحل في غرب إفريقيا لافتة، خصوصاً بعد أن تمكنت دول بوركينا فاسو والنيجر ومالي من إجبار فرنسا على سحب قواتها العسكرية والأمنية، ثم الإعلان عن تفكيك مجموعة دول الساحل الخمس التي تأسست عام 2014 بدعم فرنسي.

ويقول أستاذ العلاقات الدولية في جامعة محمد الأول بمدينة وجدة، خالد الشيات، إن "خروج الدول الثلاث من المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا، هو محاولة إيجاد كتلة متشابكة ومتضامنة على المستوى السياسية؛ لأنها تعرضت من هذه المجموعة لضغوط بعد الانقلابات العسكرية".

ويضيف الشيات لـTRT عربي، أن هذه الدول الثلاث "جميعها تنتمي لمنظومة ثقافية وحضارية واحدة، وبالتالي أرادت أن توحد المجهودات على المستوى السياسي لكي تعبر عن موقف مشترك؛ يتمثل في عدم اتفاقها مع المنهج الذي تمضي فيه هذه المجموعة في علاقتها مع فرنسا واستمرارها في حماية المصالح الفرنسية".

ويرى أن انسحاب مالي وبوركينا فاسو والنيجر من "إكواس"، هو "مقدمة لبناء منظومة اقتصادية جديدة تقوم على النزعة الحضارية، وعلى النزعة التعاونية الإفريقية الذاتية التي تنتمي إليها هذه الدول، وربما قد يكون ذلك بتعاون مع المغرب، بعيداً عن التبعية للدول الاستعمارية التقليدية".

تعزيز السياسة النقدية

ويسود الترقب حول "تحرّر" الدول الثلاث أيضاً على المستوى الاقتصادي، لا سيّما حفاظ هذه الدول على عملة الفرنك الإفريقي التي تعد جزءاً كبيراً من هيمنة فرنسا على السياسات المالية والاقتصادية لدول مجموعة "إكواس".

ويعتقد الأستاذ الباحث في الدراسات الإفريقية في جامعة محمد الخامس بالرباط، هشام حفيظ، أن "العملة الموحدة للدول الثلاث، سوف تُطرح في المستقبل القريب للخروج من التبعية الاقتصادية والمالية للمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا ولفرنسا على وجه الخصوص".

ويضيف حفيظ لـTRT عربي، أنه "في الواقع، الأمور ستكون معقدة جداً على الدول الثلاث، إنْ لم يكن هناك بديل اقتصادي ومالي فوري وفعّال، خصوصاً أن هناك وعوداً لقوى أخرى (الصين، وروسيا، وربما أمريكا) لتدارك الموقف وتبني سياسة مالية حقيقية تضمن استقرار سعر الصرف لهذه الدول وخلق توازن في الميزان التجاري".

ويعتقد أن "تبني عملة جديدة لتعزيز السيادة النقدية للدول الثلاث، إضافةً إلى الانفتاح على المحيط الأطلسي، سوف يمكّنان هذه الدول من الانخراط الحقيقي في مسلسل التنمية الاقتصادية والبشرية، التي تحتاج إليها الدول الثلاث بشكل كبير".

عملة استعمارية في "إكواس"

وشهدت هذه الدول تأخراً كثيراً على مستوى مؤشرات التنمية، جرّاء الوضع الأمني والسياسي المضطرب، إلى جانب تحكم فرنسا في ثروات واقتصاد هذه البلدان، وبشكل كبير في العملة الموحدة "الفرنك الإفريقي" الذي يعود إلى عام 1945.

وأصدرت فرنسا هذه العملة في مستعمراتها في إفريقيا جنوب الصحراء، حيث لا تزال 14 دولة في غرب القارة الإفريقية ووسطها إلى يومنا هذا تستخدم العملة التي صُمّمت أساساً لتمنح فرنسا امتيازات مالية كبيرة.

ورُبط الفرنك الإفريقي بالعملة الفرنسية الفرنك في البداية، ثم اليورو المتداول اليوم في جميع أنحاء القارة الأوروبية، إذ يضمن ذلك للبنك المركزي في باريس تحكماً مُطلقاً في السياسات المالية للدول الإفريقية المنتمية إلى مجموعة "إكواس"، وعلى رأسها احتياطيات العملات الصعبة.

وأُجبرت هذه الدول في غرب إفريقيا ووسطها، على اقتسام ما تُحصله من تصدير خيراتها ومواردها الطبيعية مع فرنسا، إذ لا يُسمح لحكومات تلك الدول بإنفاق 20% فقط من إيراداتها من مواردها من العام السابق.

بداية إنهاء هيمنة فرنسا

وخلقت دول بوركينا فاسو ومالي والنيجر في غرب إفريقيا -بشكل غير مسبوق- منعطفات في المنطقة، عندما فكّت الارتباط سياسياً وأمنياً في بداية الأمر مع فرنسا، ثم جاء الدور الآن على السياسات المالية.

ويؤكد الخبير في العلاقات الدولية، حسن بلوان، أن قرار انسحاب الدول الثلاث من المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا، هو بداية لإنهاء الهيمنة الاقتصادية والمالية الفرنسية، خصوصاً مع ترقب إنهاء العمل بالعملة الإفريقية الموحدة "CFA" التي تتحكم باريس في طبعها وسكها، وكذلك التلاعب بقيمتها بما يخدم المصالح الفرنسية.

ويوضح بلوان لـTRT عربي، أنه "يمكن لمثل هذه القرارات أن تُنهي نفوذ وتبعية اقتصاد الدول الثلاث لفرنسا التي لم تتخلص بعد دبلوماسيتها من عُقدة الاستعلاء والتفوق تجاه الشعوب الإفريقية، مما زاد من انتشار موجة العداء الإفريقي للاستغلال الفرنسي".

ويشدد على أن "ما يفاقم المأزق الفرنسي داخل القارة الإفريقية هو دخول قوى إقليمية ودولية منافسة من أجل الاستثمار الاقتصادي في الغرب الإفريقي؛ أهمها الصين وتركيا، لكن بآليات جديدة تحفظ الموارد الطبيعية للأفارقة، وتسعى للتوازن والتعاون والمصالح المشتركة من دون التدخل في الشؤون الداخلية للدول".

ويلفت الخبير في العلاقات الدولية إلى أن "قادة هذه الدول الثلاث يتعاملون بكثير من البراغماتية السياسية من خلال الانفتاح على دول جديدة مثل روسيا وتركيا، ثم انخراطها الإيجابي في المبادرة المغربية التي تُمكّنها من ممر حيوي في الأطلسي سيخفف العزلة التي حاولت أن تفرضها فرنسا خصوصاً".

TRT عربي
الأكثر تداولاً