طالبت وزارة الصحة بالضغط على الاحتلال لإرسال الوقود اللازم لتشغيل محطات الصرف الصحي التي توقفت غالبيتها / صورة: Reuters (Reuters)
تابعنا

وحذرت منظمات دولية وإغاثية على رأسها منظمة الصحة العالمية من خطر يهدّد قطاع غزة، تحديداً فئة الأطفال، بعد تحذيرات من إمكانية انتشار فيروس شلل الأطفال، بخاصة في ظل الظروف الصحية والمعيشية الكارثية التي يعيشها سكان القطاع.

وفي ظل استمرار الحرب الإسرائيلية وتدمير الجزء الأكبر من مستشفيات قطاع غزة، وحالة الانهيار التي تعاني منها البنية التحتية، يصبح الظرف متاحاً لأي من الأمراض المعدية لتكون أوبئة قاتلة.

خطر يهدّد غزة والمنطقة

تُجري وزارة الصحة الفلسطينية في غزة بالتعاون مع المنظمات الدولية فحوصات دورية لمياه الصرف الصحي، وفي 23 يونيو/حزيران الماضي أخذت عينات من مناطق متفرقة في دير البلح وخان يونس عولجت في مختبرات شلل الأطفال العالمية، ليُكتشف وجود الفيروس من النوع الثاني في 6 عينات من أصل 7.

في هذا الصدد أشار المتحدث باسم مستشفى شهداء الأقصى في دير البلح الدكتور خليل الدقران في حديثه مع TRT عربي، إلى إن "العينة أُخذَت من مياه الصرف الصحي المنتشرة بين الخيام والأزقة التي فيها النازحون".

وحذر الدكتور خليل الدقران من أن انتشار المرض وعدم السيطرة عليه قد يجعل "أعداد الوفيات الناتجة جراء هذا المرض لا سمح الله بالآلاف من سكان غزة، بخاصة دون سنّ الخامسة".

وفيروس شلل الأطفال من الفيروسات سريعة الانتشار التي يمكن أن تصل إلى مناطق مختلفة بسرعة كبيرة، حسبما أشار أستاذ الصحة العالمي والأكاديمي في جامعة كوبنهاغن فليمنغ كونرادسن، بقوله إن "هذا المرض يحاول العالم بأسره أن يتّحد للقضاء عليه، وإذا انتشر في الشرق الأوسط، فهذا أمر يثير القلق".

وفي الوقت الذي تسببت فيه سياسات جيش الاحتلال في تفاقم الأزمة الصحية في قطاع غزة، عبر إضعاف قدرة القطاع الصحي على مواجهة الأوبئة والأمراض المعدية، قالت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل إن "جيش الاحتلال الإسرائيلي أطلق حملة تطعيم لجنوده في قطاع غزة ضد شلل الأطفال".

وحول أعراض المرض يشير استشاري طب الأطفال شريف مطر في حديثه مع TRT عربي، إلى أن "الأعراض التي تظهر على المصابين بشلل الأطفال تبدأ كأي التهاب فيروسي، بارتفاع في الحرارة وهزال، لكن العرض الأساسي الذي يخيف هو الشلل المفاجئ وارتخاء الأعضاء سواء الأيدي والأقدام وأجزاء أخرى من الجسد".

وينتقل فيروس شلل الأطفال بين البشر بوسائل عدة، يذكرها الدكتور رياض عواد في منشور على حسابه على فيسبوك، منها "تناول المياه الملوثة بالفيروس أو استخدامها في الطهي والاستحمام، بالإضافة إلى الطعام الملوث والرذاذ الخارج من الأنف والفم والسوائل الجسمية".

وحتى هذه اللحظة لم تسجل المستشفيات وصول أي حالات إصابة بالمرض كما يذكر الدكتور مطر، لكن ذلك قد لا يكون مؤشراً على انعدام وجود المرض في القطاع، فيما يقول الدكتور خليل إن جزءاً كبيراً من المواطنين ما زال عاجزاً عن الوصول إلى المستشفيات والمراكز الصحية، ما يعني إمكانية وجود إصابات لم تدخل بعد في المنظومة الصحية.

ويضيف الدكتور مطر أنه في حال انتشر المرض فإن قدرة المختبرات العاملة الآن في قطاع غزة محدودة ولا يمكنها التعامل مع كارثة بهذا الحجم، فمن أصل 36 مستشفى يعمل 16 جزئياً.

أزمة اللقاحات.. بين توفرها والقدرة على توزيعها

يقول استشاري طب الأطفال شريف مطر إن مرض شلل الأطفال يُتغلّب عليه من خلال التطعيم الذي ينقسم إلى نوعين، "الأول عبر التنقيط بالفم، والثاني من خلال حقن فيروس غير منشط بالعضل، وهذه العملية كافية للوقاية من المرض".

ويحذّر المتحدث باسم مستشفى الأقصى الدكتور خليل الدقران من أن "كميات اللقاح اللازمة للوقاية من شلل الأطفال غير كافية، وكذلك الأمر مع الأمراض الأخرى المنتشرة بين النازحين كالتهاب الكبد الوبائي والنزلات المعوية والأمراض الجلدية".

وأضاف أن الأزمة لا تقف عند توفير اللقاحات، بل تمتد إلى كيفية الاحتفاظ بها، قائلاً: "ستحتاج هذه اللقاحات، التي تأتي في شكل قطرات فموية، إلى التبريد، وهذه عقبة أخرى يجب التغلب عليها في منطقة لا تتوفر فيها سوى وسائل شحيحة لتزويد أنظمة التبريد بالوقود".

وأضاف أن الأزمة لا تقف عند توفير اللقاحات، بل تمتد إلى كيفية الاحتفاظ بها، قائلاً: "ستحتاج هذه اللقاحات التي تأتي في شكل قطرات فموية، إلى التبريد، وهذه عقبة أخرى يجب التغلب عليها في منطقة لا يتوفر فيها سوى وسائل شحيحة لتزويد أنظمة التبريد بالوقود".

أما الأزمة الأخرى التي لا تقلّ عن أزمة التبريد، فهي غياب البنية التحتية الصحية القادرة على الاضطلاع بهذه المهمة، فكما قال الدكتور خليل فإن عدداً كبيراً من المواطنين في غزة عاجزون لأسباب عدة عن الوصول إلى المستشفيات والمراكز الصحية، كما أن الطاقم الطبي مُثقَل بالتعامل مع الإصابات الناتجة عن الحرب الإسرائيلية ولا قدرة لديه على مواجهة وباء يصيب السكان.

انهيار الصحة العامة

حذر المدير العامّ لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس على منصة إكس، من أن "تدمير النظام الصحي، وانعدام الأمن، وإعاقة الوصول، والنزوح المستمر للسكان، ونقص الإمدادات الطبية، وسوء نوعية المياه، وضَعف الصرف الصحي، يزيد خطر الإصابة بالأمراض الممكن الوقاية منها باللقاحات، بما في ذلك شلل الأطفال".

في السياق نفسه أوضح الدكتور خليل الدقران أن أول خطوة في مكافحة هذا المرض وغيره تكون بإصلاح وترميم شبكة الصرف الصحي عبر "الضغط على الاحتلال لإرسال الوقود اللازم لتشغيل محطات الصرف الصحي التي توقفت غالبيتها، بالإضافة إلى إدخال معدات إزالة القمامة المنتشرة بين النازحين".

وعادة ما تقدم توصيات بالحفاظ على النظافة العامة والشخصية كأسلوب للوقاية من الأمراض المعدية، لكن هذه التوصيات تصبح غير واقعية ولا ممكنة في ظل الظروف التي يعيشها النازحون في خيامهم.

وهذا ما يشير إليه الدكتور أياديل ساباربيكوف، رئيس برامج الطوارئ لدى منظمة الصحة العالمية في الأراضي الفلسطينية في حديثه مع موقع الأمم المتحدة بقوله: "لسوء الحظ، أغلبية الذين يعيشون في ملاجئ بها مرحاض واحد لـ600 شخص، وربما لتر ونصف إلى لترين من الماء للشخص الواحد، لن يتمكنوا بالتأكيد من اتباع التوصيات التي سنقدمها".

تجربة غزة السابقة

يحتفظ قطاع غزة بذاكرة أليمة مع فيروس شلل الأطفال الذي كان من أهم المهددات لحياة وسلامة الأطفال، ووفقاً للدكتور رياض عواد فقد ظلّ القطاع حتى عام 1978 يعتمد على التطعيم الفموي لمواجهة خطر مرض شلل الأطفال، لكن ذلك لم يمنع انتشار المرض.

ويضيف الدكتور في منشور على حسابه على فيسبوك أنه خلال عامَي 1974 و1976 جرى تسجيل عدد من الإصابات على الرغم من حصول السكان على أكثر من 3 جرعات من التطعيم الفموي.

وهذا الوضع بدأ يتغير عام 1978، مع بداية التطعيم بالحقن بالعضل مع التطعيم الفموي ليتراجع عدد الإصابات كثيراً، حسبما أشارت منظمة الصحة العالمية، وخلال العقود الثلاثة الماضية قُضيَ على الفيروس بعد حملة تطعيم شاملة، وصلت نسبتها عام 2022 إلى ما يقرب من 95%.

TRT عربي