تابعنا
تُعَدّ الصين أكبر شريكٍ تجاري للسعودية، فقد بلغت التجارة المتبادلة بين الدولتين 116 مليار دولار في 2022، أي أكثر من أربعة أضعاف قيمة التجارة السلعية المتبادلة بين السعودية والولايات المتحدة، كما أنّ الصين هي أكبر مشترٍ للنفط السعودي في العالم.

وقّعت الرياض وبكين خلال يونيو/حزيران الماضي اتفاقيات استثمارٍ بقيمة تزيد على 10 مليارات دولار، تتضمن 30 اتفاقية وصفقة في عدد من القطاعات، منها التكنولوجيا ومصادر الطاقة المتجددة والزراعة والعقارات والمعادن وسلاسل التوريد والسياحة والرعاية الصحية.

كما سبق أن عزّزت المملكة علاقاتها مع الصين في مجال الطاقة من خلال صفقة بقيمة 3.6 مليار دولار أُبرمت في مارس/آذار الماضي، تشتري بموجبها شركة أرامكو السعودية 10% من شركة رونغشنغ للبتروكيماويات المحدودة الصينية، وتزودها بـ480 ألف برميل يومياً من النفط الخام.

وتُعَدّ الصين أكبر شريكٍ تجاري للسعودية، فقد بلغت التجارة المتبادلة بين الدولتين 116 مليار دولار في 2022، أي أكثر من أربعة أضعاف قيمة التجارة السلعية المتبادلة بين السعودية والولايات المتحدة، كما أنّ الصين هي أكبر مشترٍ للنفط السعودي في العالم.

محطات تطور العلاقة

كانت أول زيارة لرئيس صيني إلى الرياض تلك التي أجراها جيانغ زيمين عام 1999، وأسفرت عن عقد اتفاقية تعاون نفطي سمحت للشركات الصينية بالاستثمار في سوق النفط السعودية، وفي المقابل فتحت بكين الأبواب لشركات المملكة للمشاركة بعملية التكرير الصينية، ونجم عن الاتفاق زيادات ضخمة وسريعة في مبيعات الطاقة.

وعلى وجه الخصوص، فإنّ فكرة إنشاء منطقة تجارة حرّة بين الصين ودول الخليج مسألة مطروحة منذ إطلاق منتدى التعاون الصيني العربي عام 2004، لكنّ التعاون التجاري والاستثماري بين الصين ودول الخليج استمر على مستوى ثنائي خلال السنوات الماضية، ولم يصل إلى محادثات على مستوى مجلس التعاون الخليجي ككتلة اقتصادية.

وخلال زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ للسعودية في مطلع عام 2016، وقّع البلَدان 14 اتفاقية ومذكرة تفاهم، منها مذكرة تعزيز التعاون المشترك في الحزام الاقتصادي لطريق الحرير، ومبادرة طريق الحرير البحري للقرن الحادي والعشرين، والتعاون في الطاقة الإنتاجية.

وازدهرت العلاقات السعودية-الصينية عام 2019 بعد زيارة ولي العهد محمد بن سلمان العاصمة بكين، التي ترأس خلالها وفد بلاده في أعمال الدورة الثالثة للجنة السعودية-الصينية المشتركة، وخلال الزيارة جرى استعراض آفاق الشراكة الثنائية في نطاق رؤية المملكة 2030 ومبادرة الحزام والطريق.

وفي ديسمبر/كانون الأول 2022 وقّعت السعودية مع الصين اتفاقيات استثمار بقيمة 50 مليار دولار أمريكي، خلال القمة الصينية السعودية التي عُقِدت في العاصمة الرياض.

مصالح مشتركة

وعن علاقات البلدين، قال وزير الطاقة السعودي عبد العزيز بن سلمان إنّ الطرفين يتمتعان بقدرٍ كبير من التعاون، موضحاً أنّ الطلب على النفط في الصين يتزايد، وأنّ بكين ستنخرط بشكل أكبر في أنشطة نقل البترول.

وفي هذا الصدد يقول الكاتب والباحث اليمني نبيل البكيري إنّ بكين تسعى لتسجيل حضور اقتصادي وسياسي بعقد مثل هذه الصفقات، أمّا الرياض فتسعى لتعويض التراجع الأمريكي بوصفها حليفاً استراتيجياً لفترة طويلة، بالإضافة إلى وجود توجه سعودي جديد يقضي بتنويع مصادر علاقاتها واقتصادها.

ويوضّح البكيري في حديثه مع TRT عربي أنّ "الصين تريد أن تتقدم بعد التراجع الأمريكي في أفغانستان وحالياً منطقة الخليج العربي"، مضيفاً أنّ ما يجري هو مؤشر على تحولات كبيرة في ميزان العلاقات الدولية، وشكل من التنافس الكبير بين الغرب -أمريكا تحديداً- والصين".

ويتحرّك كلّ طرفٍ وفقاً لأهدافه الخاصة، في ظل حالة الارتباك في المشهد الدولي الراهن وانشغال الغرب والروس بحرب أوكرانيا، التي تُعتبر أهم مؤشر ارتباك للقوى الكبرى، حسب البكيري.

ويوافقه في الرأي الباحث في العلاقات الدولية والاقتصاد السياسي معاذ العامودي، ويقول: "مع اشتداد التنافس بين الولايات المتحدة والصين وروسيا في عالم يزداد استقطاباً، تختار السعودية ودول الشرق الأوسط الأخرى تنويع شراكاتها العالمية، وذلك بعد الفراغ الذي تركه تراجع الدور الأمريكي في المنطقة".

ويضيف لـTRT عربي: "لذلك رأينا السعودية أصبحت عضواً مراقباً في منظمة شنغهاي، كما تسعى إلى النفاذ في مصرف التنمية الجديد التابع لمجموعة بريكس، وكثيرٍ من التحالفات الجديدة التي تتشكل بعيداً عن التحالفات الغربية".

ويؤكد العامودي المنفعة المتبادلة من تطوّر العلاقات بين الصين والسعودية، لافتاً إلى أنّ "الصين بحاجة إلى السعودية ضمن بحثها عن ضمان تدفق مستمر لمصادر الطاقة، خصوصاً في ظل مبادرة الحزام والطريق، ناهيك بما تمثله أسواق الخليج الاستهلاكية من سوق جديدة للمنتجات الصينية".

ويشير الباحث في العلاقات الدولية إلى أنّ تعاون السعودية مع الصين يأتي بالتوافق مع رؤية 2030، التي انطلقت لتنويع الاقتصاد السعودي بعيداً عن النفط والغاز، والتوجّه نحو الاستثمار والانفتاح على التجارة والأعمال.

ويوضّح العامودي أنّ دخول الصين في تسكين الصراع والخلاف بين السعودية وإيران باعتبارهما الكتلتين الأكبر في منطقة الخليج ومضيق هرمز -المورد الأكبر للطاقة بالعالم- جاء بهدف إيجاد بيئة مستقرة تسمح بجذب رؤوس الأموال للاستثمار في الاقتصاد.

سيناريوهات محتملة

ويبدو أنّ مستقبل العلاقات بين الرياض وبكين سيشهد تغيرات مفصلية، ويرى أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الأول المغربية خالد الشيات أنّ لها ثلاث سيناريوهات محتملة، الأول يمثل مواكبة السعودية لنظام تعدد الأقطاب على المستوى الدولي، وهي سياسة جيّدة بالنسبة إلى الدول الأقل تأثيراً في العلاقات الدولية كما هي حال المملكة.

ويضيف لـTRT عربي: "أمّا السيناريو الثاني فهو أن تتجاوز الصين حدود ما هو اقتصادي وتجاري، لكي تلعب دوراً إستراتيجياً بعيداً عن عقيدتها الخارجية"، مستدركاً بالقول: "لكن -حتى الآن- أعتقد أنّ العلاقات بين الجانبين مقتصرة على الجانب الاقتصادي، ولم تصل إلى الجانب العسكري، بل إنّ جزءاً كبيراً من أمن السعودية رهين بالوجود الأمريكي".

أما السيناريو الثالث فيوضّح الشيات أنّ السعودية قد تعمل على الموازنة بين البُعد الإستراتيجي والبُعد التجاري الاقتصادي.

ويعتقد خبراء العلاقات الدولية أنّ المصالح الجوهرية لكل طرفٍ قادرة على حل وتذليل العقبات أمام المكاسب الاقتصادية المرجوة، والوساطة السياسية ليست بالضرورة تغيير في ملامح السياسة الخارجية، بل قد تكون مجرّد مقاربة إقليمية لم تكُن الولايات المتحدة قادرة على حلّها.

ولم تكُن الصين شديدة الاهتمام بالشرق الأوسط حتى النصف الثاني من القرن الماضي، إلى أن أطلق الزعيم السابق دنغ شياو بينغ (1978-1989) برنامجاً يطوي الاكتفاء الاقتصادي ويتبنى الانفتاح على العالم الخارجي.

وقبل ذلك افتتحت مصر العلاقات الدبلوماسية بين العرب والصين عام 1956، تلاها كل من سوريا واليمن والعراق والمغرب والجزائر والسودان والصومال وتونس وموريتانيا والسعودية، واستمر تطور العلاقات إلى أن تحقق بالكامل مع جميع الدول العربية بحلول عام 1990.

وفي إطار حماية استثماراتها الضخمة وضمان نموها الاقتصادي، التزمت الصين لعقودٍ سياسة الحدّ الأدنى من الانخراط في الصراعات الإقليمية، إلا أنّ ملامح جديدة ظهرت في الآونة الأخيرة، أبرزها تبني دور الوسيط لإعادة العلاقات بين السعودية وإيران، وهو ما اعتبره خبراء نجاحاً دبلوماسياً ينبِّئ بمصالح جيوسياسية أوسع.

TRT عربي
الأكثر تداولاً