تابعنا
تتركز مخاوف الأسواق في خشية توسّع دائرة الصراع، إذ إنّ إسرائيل وفلسطين ليستا من كبار منتجي النفط إقليمياً أو عالمياً، إلا أنّ اتساع رقعة الصراع في ظل التوترات والتصعيدات الجيوسياسية إقليمياً وعالمياً يثير الخوف من أن يمسّ دولاً منتجة للنفط في المنطقة

في أعقاب الحرب على قطاع غزة، ارتفعت وتيرة التوترات الجيوسياسية ومعها التساؤلات حول تأثيرات الحرب على اقتصاديات المنطقة والعالم، لا سيّما ما يخصّ أسعار أسواق النفط وإمداداته.

وحذّرت وكالة الطاقة الدولية في تقريرها الشهري الأخير حول سوق النفط الخام، من أنّ تصعيد التوتر في الشرق الأوسط يهدّد أسواق النفط العالمية، مشيرةً إلى أنّه رغم أنّ الاضطرابات الجيوسياسية في المنطقة لم يكن لها تأثير مباشر على جانب العرض، فمن المتوقع أن تظلّ أسواق النفط في حالة من الترقب والتقلب مع تطورات الأزمة.

وعزت ذلك إلى أنّ منطقة الشرق الأوسط تمثل أكثر من ثلث تجارة النفط العالمية المنقولة بحراً، فيما تستعد الدول الغربية لقضاء فصل شتاء آخر من دون إمدادات الطاقة الروسية بسبب حرب أوكرانيا.

تقلبات أسعار النفط منذ بداية الحرب

قاربت أسعار النفط على 90 دولاراً للبرميل، لتشهد أكبر انخفاض منذ عملية "طوفان الأقصى"، فيما كانت قد قاربت الأسعار على 98 دولاراً للبرميل في منتصف سبتمبر/أيلول الماضي، بعد أن مددت المملكة العربية السعودية وروسيا تخفيضات الإنتاج الطوعيّة لنهاية العام.

تقلبات أسعار النفط منذ بداية الحرب (Others)

وارتفعت أسعار النفط نتيجة خفض الإمدادات من جانب السعودية وروسيا، إضافةً إلى اندلاع الحرب على غزة، التي تعدّ مصدراً جديداً للمخاطر الصعودية حال تعطل إنتاج النفط أو الإمدادات في المنطقة.

وتتركز مخاوف الأسواق في خشية توسّع دائرة الصراع، إذ إنّ إسرائيل وفلسطين ليستا من كبار منتجي النفط إقليمياً أو عالمياً، إلا أنّ اتساع رقعة الصراع في ظل التوترات والتصعيدات الجيوسياسية إقليمياً وعالمياً يثير الخوف من أن يمسّ دولاً منتجة للنفط في المنطقة، وهو ما يدفع المستهلكين إلى توخي الحذر بشأن إنفاقهم.

وتثير أيضاً دعوة إيران إلى حظر النفط على إسرائيل قلق الأسواق، إذ دعا وزير الخارجية الإيراني أعضاء منظمة التعاون الإسلامي خلال اجتماع المنظمة في المملكة العربية السعودية لذلك.

ورغم أنّ إسرائيل تستورد كل احتياجاتها من النفط تقريباً، فإنّ محللين يرون أنّ مثل هذا الحظر ربما لن يكون له تأثير فوري يُذكر، لأنّها لا تشتري النفط من كبار منتجي الخليج مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة أو إيران.

فضلاً عن ذلك، توجد عوامل محتملة رئيسية لارتفاع الأسعار، بما في ذلك تشديد واشنطن فحوصات الامتثال للنفط الإيراني الخاضع للعقوبات، وتعطيل طهران طرق الشحن.

كما أنّ عواقب أي خطوة أمريكية محتملة قد تؤدي إلى قطع تدفّق النفط الإيراني، ما يعزّز الطلب على النفط الروسي، وهي نتيجة لا ترغب فيها واشنطن أو دول مجموعة السبع الأخرى.

بالموازاة مع ذلك، شهدت أسواق النفط الخام عمليات استحواذ كبيرة في الآونة الأخيرة قد تدفع إنتاج النفط إلى الارتفاع، إذ أعلنت شركة إكسون موبيل استحواذها على شركة بايونير للموارد الطبيعية، مما يجعلها ملكة النفط الصخري الأمريكي.

وفي الوقت نفسه، فإنّ صفقة شركة شيفرون بقيمة 53 مليار دولار لشراء شركة هيس، تمنحها ملكية 30% لأكثر من 11 مليار برميل من الموارد القابلة للاستخراج في دولة غويانا، وهي واحدة من أكبر منتجي النفط الجُدد في العالم.

"مضيق هرمز".. شريان نفطي

يبدو جلياً أنّ الصراع في غزة يسيطر على التنبؤات حول إمدادات النفط بشكل رئيسي، إذ يشعر المستثمرون بالقلق من احتمال امتداد أمد الصراع أو دخول أطراف أخرى، واحتمالية انكماش الإمدادات من منطقة الخليج.

ويظل السيناريو التشاؤمي هو تدخل إيران في النزاع، الذي سيربك تدفق صادرات النفط، إذا ما شنّت إيران هجمات ضدّ السفن عبر مضيق هرمز أو المنشآت النفطية في الخليج.

ويقع المضيق بين سلطنة عُمان وإيران، ويربط الخليج من شماله بخليج عُمان جنوباً، ويعدّ أهم طريق بحري لعبور النفط، ومع مرور نحو 17 مليون برميل من النفط عبر المضيق يومياً، قد يؤدي انسداده إلى تعطيل إمدادات النفط العالمية.

وحسب وكالة رويترز فإنّ نحو خُمس حجم استهلاك العالم الإجمالي من النفط، يمرّ عبر المضيق بشكل يومي.

وأظهرت بيانات من شركة التحليلات فورتيكسا أنّ 20.5 مليون برميل يومياً في المتوسط من النفط الخام والمكثفات والمنتجات النفطية مرّت عبر هرمز، وذلك من يناير/كانون الثاني إلى سبتمبر/أيلول 2023.

وتصدّر كل من السعودية وإيران والإمارات والكويت والعراق معظم نفطها الخام عبر المضيق، لذا فإنّ توسع دائرة الصراع وإغلاق المضيق سوف يؤدي إلى إغلاق تجارة النفط في المنطقة واضطرابها، مما يسبّب ارتفاع أسعار النفط.

توقعات الطلب والعرض

خفّضت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية توقعات الطلب العالمي على النفط للعامين الحالي والقادم، مقدِّرةً توقعاتها بنمو الطلب بنحو 1.32 مليون برميل يومياً، ليصل الإجمالي إلى 102.24 مليون برميل يومياً بحلول عام 2024، وقد انخفضت هذه التوقعات قليلاً عن التقديرات السابقة التي بلغت 1.36 مليون برميل يومياً.

وانخفضت التوقعات بخصوص عام 2023 إلى 1.76 مليون برميل يومياً، مقارنةً بالتقديرات السابقة التي كانت 1.81 مليون برميل يومياً، ليصل الإجمالي إلى نحو 100.92 مليون برميل يومياً بنهاية عام 2023.

ومقابل ذلك، حافظت منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) على توقعات الطلب العالمي على النفط في عامَي 2023 و2024 من دون تغيير، وأبقت على توقعاتها بشأن نمو الطلب على النفط في 2024 عند 2.25 مليون برميل يومياً، ليصل الإجمالي إلى مستوى قياسي جديد عند 104.25 مليون برميل يومياً، ونمو إلى نحو 2.44 مليون برميل يومياً خلال 2023.

ويُعدّ إنتاج النفط الخام من أوبك عاملاً مهماً يؤثر في أسعار النفط، لهذا تسعى المنظمة إلى إدارة إنتاج النفط في بلدانها الأعضاء بشكل فعّال عبر تحديد أهداف الإنتاج.

وتُنتج الدول الأعضاء في أوبك نحو 40% من النفط الخام في العالم، وعلى نفس القدر من الأهمية بالنسبة إلى الأسعار العالمية، تمثل صادرات المنظمة النفطية نحو 60% من إجمالي النفط المتداول دولياً، وبسبب هذه الحصة السوقية، يمكن لإجراءات أوبك أن تؤثر في أسعار النفط العالمية.

رسم بياني يوضح تقلبات أسعار النفط على مدى عقود حسب Statista (Others)

مخاوف تنامي وتيرة الحرب

كانت أولى تبعات تصاعد وتيرة الحرب على غزة إغلاق مواقع عدّة لمصادر الطاقة، تشمل موانئ وحقول نفط وغاز، حسب رويترز؛ إذ أُغلق ميناء عسقلان، وأوقف تشغيل حقل غاز تمار الذي تديره شركة شيفرون، وخط أنابيب "EMG".

وقالت شركة شيفرون في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول، إنّها أوقفت صادرات الغاز الطبيعي عبر خطّ غاز شرق البحر المتوسط بين إسرائيل ومصر، وإنّها تزود الغاز عبر خط أنابيب بديل يمرّ عبر الأردن.

وإلى جانب آثار تسارع واتساع وتيرة النزاع، قد تُفرض عقوبات أمريكية أكبر على صادرات النفط الإيرانية والروسية، مما قد يؤثر -من دون شك- على الإمدادات إلى السوق العالمية ويرفع الأسعار كذلك.

ووضعت وكالة بلومبيرغ ثلاثة سيناريوهات لتداعيات الحرب الإسرائيلية على الاقتصاد وأسواق النفط، وبَنَت تحليلها على النتائج المترتّبة عن الحرب على غزة في 2014، وحرب إسرائيل ولبنان عام 2006، وحرب الخليج كذلك بين عامَي 1990 و1991، لتتوقع التأثير المحتمل على النمو والتضخم عالمياً في 2024، باستخدام نموذج إحصاء "Bayesian Global VAR".

وينصّ السيناريو الأول على حرب محصورة تتمثل في غزو إسرائيلي برّيّ وصراع إقليمي محدود مع إنتاج نفط أقل لإيران؛ يدفع أسعار النفط إلى الارتفاع بنحو 4 دولارات، وارتفاع التضخم العالمي بنسبة 0.1%

أما السيناريو الثاني، فيتحدث عن حرب بالوكالة، تتمثل في حرب متعددة الأطراف في إسرائيل وغزة ولبنان وسوريا، واضطراب واسع في الشرق الأوسط، وتوقّعت الوكالة أن يترتب عليه ارتفاع سعر برميل النفط بما يعادل 8 دولارات، وارتفاع التضخم بنسبة 0.2%.

أما السيناريو الأشدّ، فقد يتمثل في حرب مباشرة بين إيران وإسرائيل واضطراب أوسع في الشرق الأوسط، قد يدفع أسعار النفط إلى الارتفاع بنحو 64 دولاراً للبرميل، ويؤدي إلى تضخم يبلغ 1.2%.

TRT عربي
الأكثر تداولاً