تثير التلويحات المستمرة بتدخّل عسكري وشيك في النيجر للمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا "إيكواس" التساؤلات حول احتمالات حدوثه وتداعياته على منطقة الساحل ودول جوار النيجر.
وبعد قمة "إيكواس" الطارئة بشأن النيجر الخميس 10 من أغسطس/آب في العاصمة النيجيرية (أبوجا)، أعطت المجموعة الضوء الأخضر لنشر "القوة الاحتياطية" التابعة للمنظمة الإقليمية، وذلك "لاستعادة النظام الدستوري فى النيجر".
وقال رئيس نيجيريا والرئيس الحالي لـ"إيكواس"، بولا أحمد تينوبو، إنّ قادة المجموعة "لم يستبعدوا أي خيار من على الطاولة، بما في ذلك استخدام القوة بوصفه ملاذاً أخيراً".
ووفق وكالة "أسوشييتد برس"، فإنّ نشر القوة الاحتياطية صعّد التوترات بين النظام العسكري الجديد و"إيكواس" التي أمرت بنشر القوات لاستعادة الديمقراطية المتعثرة في النيجر، وحسب ما قاله مسؤولان غربيان للوكالة، فإنّ المجلس العسكري هدّد بقتل الرئيس المعزول محمد بازوم في حال حصل أيّ تدخل عسكري.
ولا يزال ملف تنفيذ تدخل عسكري في النيجر ضد قادة الانقلاب محلّ مدّ وجذب بين دول تراه سيزيد من تعقيد الوضع في نيامي ومنطقة الساحل التي تعيش هشاشة أمنية، وبين أطراف دولية أخرى تقف وراءه، مثل فرنسا التي تدعم الخيار العسكري لوقف موجة تقليص نفوذ باريس بالساحل الأفريقي.
دون إجماع
ومنذ إطاحة الجيش بالرئيس محمد بازوم في النيجر في 26 يوليو/تموز المنقضي، تُلوّح مجموعة "إيكواس" بالتدخل العسكري في نيامي لإعادة السلطة للرئيس المنتخب، في حال لم يستجب قادة الانقلاب لمطالب المجموعة.
وفي اجتماعها الأخير الذي عُقد في أبوجا، جاء في البيان الختامي أنّ "إيكواس" تُبقي "كل الخيارات مطروحة على الطاولة بشأن النيجر بما في ذلك استخدام القوة"، مع الدعوة إلى "تفعيل القوة الاحتياطية للمجموعة على الفور".
غير أنّ الإقدام على هذه الخطوة يبقى "احتمالاً صعب التنفيذ، بسبب رفض عدّة دول هذا المقترح، وفي مقدمتها الجزائر، وهي الدولة الإقليمية في المنطقة"، حسب المحلل السياسي المالي المهتم بقضايا الساحل الإفريقي محمد ويس المهري.
ويضيف المهري في حديثه مع TRT عربي أنّه حتى برلمان نيجيريا، التي ترأس اليوم "إيكواس"، رفض منح الضوء الأخضر للرئيس بولا تينوبو وللجيش للتدخل عسكريا في الجارة الشمالية النيجر.
ويتابع المهري قائلاً: "البعض يقول إنّ الرئيس تينوبو قد يتخطى قرار البرلمان ويأمر بتدخل عسكري، لكنّ الذهاب إلى مثل هذا القرار أمر صعب حالياً".
ويُرجع المهري أيضاً صعوبة الخطوة إلى القوة العسكرية التي يجب توفيرها لمجابهة جيش النيجر الذي لا تعد قواته سهلة المنال، مثلما حدث في 2017 في غامبيا التي كان جيشها ضعيفاً، وهي محاطة من كل جانب من السنغال المدعومة من فرنسا.
ووفق خبراء، استفادت قوات النيجر، التي تزيد على 13 ألف جندي، من احتكاكها بالقوات الأمريكية والفرنسية الموجودة ضمن قواعد عسكرية بنيامي، مما يجعلها صعبة المواجهة في حال تدخلت قوات "إيكواس" التي تراهن على جيش نيجيريا بوصفه الأقوى، والذي يملك إمكانية تمويل هذه الحرب، لكنّ البرلمان في البلاد يرفض ذلك.
مصالح فرنسية تُرجح التدخل العسكري
ويرى أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر الدكتور زكرياء وهبي، أنّ احتمالية التدخل العسكري لدى "إيكواس" تظل قائمة في ظل الهشاشة المؤسساتية الموجودة للدول الأعضاء، والتداخل الوظيفي بين العسكري والسياسي في دول المجموعة، خصوصاً أنّ المتغير العسكري هو المتحكم في زمام الأمور في الظرفية الحالية.
ويعرب وهبي في حديثه مع TRT عربي عن اعتقاده أنّ "استمرارية الأزمة سوف تفتح المجال للتدخل العسكري الأجنبي، وبالأخص فرنسا التي لا تريد أن ترى المنطقة خارج نفوذها السياسي والعسكري، كونها كانت المستفيد الأول من الناحية الاقتصادية في النيجر، لذا فقد توظّف كل الأساليب للإبقاء على مصالحها في المنطقة".
بدوره، يوضح المحلل السياسي التشادي، محمد طاهر زين، أنّ "التدخل العسكري المحتمل هو خيار أخير، والدول التي تؤيد هذا الخيار هي بالتحديد السنغال وتوغو وساحل العاج وبنين، وتقود هذه الجهود فرنسا، التي أصبحت على وشك الرحيل من النيجر".
ويضيف زين في تصريح لـTRT عربي، أنّ "رفض مجلس شيوخ دولة المقر في نيجيريا قرار التدخل بالإجماع يشير إلى وجود تباين واضح في مواقف دول (إيكواس)، وبالتالي يظل التدخل العسكري خياراً مستبعداً إلى حدٍّ ما، خصوصاً أنّ الدول المجاورة للنيجر، مثل تشاد وليبيا والجزائر، تتفق على عدم المشاركة في هذه الأزمة، أما مالي وبوركينافاسو فقد أعلنتا دعمها للقادة العسكريين في البلاد".
ويتوقع محمد الطاهر زين أنّ "المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا" ستزيد من العقوبات على النيجر بدلاً من استخدام القوة.
تضارب المصالح الدولية
وممّا يُصعّب التدخل العسكري في النيجر عدم اتفاق القوى الدولية الكبرى على القيام بهذه الخطوة، فنظرة الحل الفرنسية، الداعمة للتدخل العسكري حفاظاً على مصالحها، تختلف عن الأمريكية والإيطالية والروسية، بالنظر لاختلاف مصالح كل طرف.
وقالت وزيرة الخارجية الفرنسية، كاثرين كولونا، قبل أيام خلال استقبال رئيس وزراء النيجر السابق حمودو محمدو، وسفيرة النيجر لدى باريس عائشة بولاما كين، إنّ فرنسا "ستدعم بقوة" جهود "إيكواس"، لمواجهة الانقلاب في النيجر.
وأضافت كولونا: "تدعم فرنسا بحزم وتصميم جهود الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس) لدحر محاولة الانقلاب".
وحسب اتهامات المجلس العسكري التابع لقادة الانقلاب في النيجر، فإنّ باريس لم تنتظر خطوة "إيكواس" للقيام بتدخل عسكري، إذ قال المجلس إنّ القوات الفرنسية خرقت المجال الجوي للنيجر وأطلقت سراح إرهابيين، ما أسفر عن تعرّض مواقع للحرس الوطني لهجمات "إرهابية"، لكنّ باريس نفت ذلك دون تقديم تبريرات دامغة تفنّد أعمالاً نُسبت إليها أكثر من مرّة في منطقة الساحل.
لكنّ التحمس الفرنسي يلقى رفضاً حتى من إيطاليا العضو بالاتحاد الأوروبي، إذ سبق لوزير الخارجية الإيطالي، أنطونيو تاياني، أن قال في مقابلة مع قناة Rainews24 الحكومية إنّه "يجب أن نعمل لضمان أن تسود الدبلوماسية في النيجر واستعادة الديمقراطية، واستبعاد أي مبادرة عسكرية غربية لأنّه سيُنظر إليها على أنّها استعمار جديد".
من جهته، يوضح المحلل السياسي المهتم بقضايا الساحل الإفريقي محمد ويس المهري، لـTRT عربي، أنّ "إيطاليا مدركة لتبعات التدخل الأجنبي وحساسيته بالنسبة إليها، بالنظر إلى أنّه سيسهم في تدفق جديد للمهاجرين القادمين من الساحل، وروما هي المعنية الأولى بهذا التدفق، لذلك لا تريد التماهي مع الموقف الفرنسي، إضافةً إلى أنّها لا تريد تكرار ما حدث في ليبيا".
بينما يصف وهبي الموقف الإيطالي بـ"الإيجابي"، وذلك لأنّه يدرك أنّ التدخل العسكري لا يحلّ الأزمة بل يعقّدها.
ويشير أستاذ العلوم السياسة والعلاقات الدولية إلى أنّ تأثير التدخل على الدول الأوروبية وفرنسا تحديداً يظل صعباً نظراً لاختلاف مواقف الدول الأوروبية تجاه الأزمة في النيجر، بالإضافة إلى اختلاف مصالحها في المنطقة.
من جانبه، يعتقد المهري أنّ الموقف الإيطالي يبقى "ضعيفاً"، بالنظر إلى أنّ التصريحات الأوروبية تصبّ في معظمها بما يخدم الموقف الفرنسي.
ويضيف المختص بقضايا الساحل الأفريقي أنّ "فرنسا تحاول بكل الطرق العودة لتمركزها في مالي وبوركينافاسو، وبالخصوص لمحو طريقة طردها من باماكو، لذلك تحاول أن تجعل من النيجر نقطة لاستعادة نفوذها في مالي وبوركينافاسو، خصوصاً أنّ النفوذ الروسي في المنطقة يبقى ضعيفاً، لأنّه لا يزال في بداياته"، حسب رأيه.
لكن رغم ذلك، يرجّح المهري أنّ تنفيذ تدخل عسكري في النيجر يبقى قراراً صعب اتخاذه، وبالخصوص بسبب الموقف الضبابي للولايات المتحدة الذي ابتعد عن الموقف الأوروبي، وأصبح يتحدث عن جهود دبلوماسية للحفاظ على المصالح الأمريكية بالنيجر.
وقال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، في مقابلة مع إذاعة فرنسا الدولية إنّ "الدبلوماسية هي الطريقة المفضلة لحل الأزمة" في النيجر.
جارة النيجر تحذّر من "إشعال المنطقة"
ولا تنحصر تبعات التدخل العسكري الأجنبي في النيجر على تضارب المصالح الأوروبية فحسب، إنّما ستكون له انعكاسات على المنطقة ككل، وفق خبراء أمنيين وقادة دول.
كانت الجزائر قد عبّرت عن رفضها التدخل العسكري، وسبق أن قال الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، في مقابلة له إنّ "أي تدخل عسكري لا ينجرّ عنه إلّا المشكلات"، مذكّراً في هذا الشأن بما جرى في ليبيا وسوريا، حيث لا تزال "المشكلات مطروحة والأمور متشعبة".
ويعتقد تبون أنّ مثل هذا التدخل العسكري يمكن أن يؤدي إلى "إشعال منطقة الساحل الأفريقي" بكاملها.
وحول ذلك، يشير المهري إلى أنّ "تحذير الجزائر نابع من إدراكها أنّ التدخل العسكري في النيجر سيسهم في تمدد نشاط الجماعات الإرهابية، وكذلك وعيها بهذا الخطر مثلما حدث خلال تدخل فرنسا عسكرياً في مالي سنة 2013، خصوصاً أن القرار الذي سيُتخذ ليس قرار الدولة المعنية الجارة النيجر، إنّما هو قرار القوة الخارجية فرنسا".
وتنشر فرنسا 1500 جندي في النيجر، إلا أنّ القادة العسكريين الجدد في نيامي ألغوا الاتفاق الأمني الموقَّع مع باريس.
ويرى وهبي أنّ "تبعات التدخل العسكري في النيجر ستكون خطيرة على كل المستويات، حيث تعدّ النيجر بلداً ضعيفاً من ناحية التنمية، ويعاني مشكلات مرتبطة بضعف الدخل الذي تترتب عنه مصاعب اجتماعية تتعلق بانتشار الفقر والأمراض".
ويُردف أنّ "التدخل العسكري سيؤجج الوضع أكثر فأكثر ويعرّض البلاد لكل السيناريوهات المتشائمة، كما ستكون له آثار سلبية على المنطقة، بالرفع من مخاطر الإرهاب والتجارة غير الشرعية وانتشار الأسلحة".