تابعنا
سجلت فلسطين انتصاراً على الصعيد الدبلوماسي الدولي بعد قرار "منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو)" إدراج آثار ما قبل التاريخ، قرب مدينة أريحا القديمة في الضفة الغربية، موقعاً للتراث العالمي في فلسطين.

سجلت فلسطين انتصاراً على الصعيد الدبلوماسي الدولي بعد قرار "منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو)" إدراج آثار ما قبل التاريخ، قرب مدينة أريحا القديمة في الضفة الغربية، موقعاً للتراث العالمي في فلسطين.

وصوتت لجنة التراث العالمي التابعة للأمم المتحدة خلال الاجتماع الخامس والأربعين لها، الذي عُقد في الرياض بالمملكة العربية السعودية يوم 10 سبتمبر/أيلول الجاري، لصالح القرار، رغم جهود إسرائيلية كبيرة لعرقلته.

وبالتالي يصبح موقع "تل السلطان" في مدينة أريحا خامس موقع باسم فلسطين موثق رسمياً لدى "يونسكو" بعد ضمّ كنيسة المهد، وتلال بلدة بتير في منطقة بيت لحم، والبلدة القديمة في مدينة الخليل، والبلدة العتيقة وأسوارها في القدس، إلى القائمة.

وحول القيمة التاريخية للموقع المسجَّل حديثاً، قالت وزيرة السياحة والآثار الفلسطينية رولا معايعة، إنّ موقع تل السلطان في مدينة أريحا يعدّ "أول مثال ناجح للمستوطنات البشرية الدائمة، وأقدم مدينة زراعية في العالم بُنيت في العصر الحجري الحديث، قبل 10 آلاف سنة، في أدنى بقعة على وجه الأرض (250 متراً تحت مستوى سطح البحر)".

وأشارت إلى أنّها شجَّعت الإنسان على الانتقال إلى حياة مستقرة تعتمد على تدجين النباتات والحيوانات والبناء وصناعة الفخار وتطوير النُّظم الاجتماعية والاقتصادية والدينية.

ويقع "تل السلطان" في الجانب الأسفل من وادي الأردن، وذلك على بُعد 10 كيلومترات شمال البحر الميت، وكيلومترين شمال مركز مدينة أريحا، ويضم 29 طبقة من الحضارات القديمة والمباني البارزة، بما في ذلك مبنى "برج أريحا" الدائري الفريد، ويضم درجاً حجرياً داخلياً وممراً بعرض ثلاثة أمتار، ويحيط بالمدينة سور وخندق عمقه ثلاثة أمتار.

إسرائيل: قرارات "مشوَّهة"

تزعم إسرائيل أنّ مدينة أريحا واحدة من المدن ذات الأهمية اليهودية الكبرى، لأنّها وفقاً للتقاليد اليهودية، كانت في مركز الصراع الدائر حول عبور بني إسرائيل نهر النيل إلى الأرض بعد التيه في الصحراء.

وتدّعي -حسب مراجع إسرائيلية- أحقيتها بالمدينة وآثارها على اعتبار أنّها ذكرت مرات كثيرة في التوراة اليهودية، وأنّها تحتوي على آثار ذات أهمية للتاريخ اليهودي، بما في ذلك كنيس يعود تاريخه إلى القرن الأول قبل الميلاد.

ونقلت صحيفة "يديعوت أحرونوت" عن عميحاي إلياهو، وزير شؤون القدس والتراث من حزب "القوة اليهودية" اليميني المتطرف، قوله إنّ قرار "يونسكو" هو "تشويه للتاريخ"، مضيفاً أنّ "المواقع في أريحا مرتبطة بالشعب اليهودي كما جاء في الكتاب المقدس والقرآن والعهد الجديد، وكما ثبت علمياً من خلال ما عُثر عليه من مواقع الآثار هناك".

إلى ذلك، أصدرت وزارة الخارجية الإسرائيلية بياناً قالت فيه إنّ الإدراج هو "حيلة ساخرة" من الفلسطينيين لتسييس "يونسكو"، وأنّها ستعمل على عكس قرارات المنظمة "المشوَّهة".

وقبل التصويت على القرار، نشر عضو الكنيست دان إيلوز، من حزب "الليكود"، على منصة "X"، (تويتر سابقاً)، أنّه كتب إلى رئيسة "يونسكو"، أودري أزولاي، داعياً إياها إلى إلغاء التصويت.

وأضاف محرضاً بأنّ "أريحا هي أولاً وقبل كل شيء مدينة ذات أهمية توراتية"، معتبراً أنّ "طمس هذه الحقيقة هو إهانة لملايين اليهود والمسيحيين في جميع أنحاء العالم".

تعد مدينة أريحا القديمة، المعلم التاريخي الخامس في فلسطين المدرج على قائمة التراث العالمي، أقدم مدينة زراعية محصنة تأسست في العصر الحجري الحديث، ويعود تاريخها إلى ما قبل 10 آلاف سنة. (AA)

فلسطين وإسرائيل في "يونسكو"

نجحت جهود فلسطين بالانضمام إلى "يونسكو" عام 2011 بعضوية كاملة، ومنذ ذلك الوقت حققت كثيراً من الإنجازات داخل أروقتها.

وأدرجت "يونسكو" كنيسة المهد، وطريق الحجاج في بيت لحم، على قائمة التراث العالمي عام 2012، والمشهد الثقافي لمدرجات جنوبي القدس "بتير" على اللائحة عام 2014، و"الخليل، البلدة القديمة" عام 2017، ومؤخراً "تل السلطان" في مدينة أريحا، سبقها الأردن حين أدرج مدينة القدس القديمة وأسوارها على اللائحة عام 1981.

أما إسرائيل فانضمت لـ"يونسكو" عام 1949، وطردتها المنظمة عام 1974 إثر قيامها بحفريات في منطقة الحرم القدسي الشريف، لكنّها سرعان ما عادت عام 1979، وفي عام 2011 توقفت عن دفع حصتها من ميزانية "يونسكو" بعد قرار الأخيرة قبول السلطة الفلسطينية دولة عضوة فيها.

وفي عام 2017، خلال فترة ولاية الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب، انسحبت إسرائيل والولايات المتحدة من المنظمة احتجاجاً على ما وُصف بـ"التحيز ضد إسرائيل"، لكنّ الولايات المتحدة عادت إلى عضويتها في يونيو/حزيران الماضي. ورغم الانسحاب، تواصل إسرائيل العمل كمراقب في لجنة التراث التابعة لـ"يونسكو"، وشارك وفد إسرائيلي في مداولات اللجنة بالرياض.

وتمكنت إسرائيل من تسجيل عددٍ من المواقع الفلسطينية التراثية في الداخل المحتل ضمن قائمة "التراث القومي اليهودي"، منها "مقبرة بيت شعاريم الكبيرة" وهي مقام مهم لحركة التجدد اليهودي عام 2015، والأماكن البهائية المقدسة في حيفا والجليل عام 2008، والتلال التوراتية في مجيدو وبئر السبع عام 2005، وطريق البخور في صحراء النقب عام 2005، ومدينة تل ابيب البيضاء عام 2003، ومدينة عكا القديمة ومسعدة عام 2001.

وفي 21 فبراير/شباط 2010 أصدرت الحكومة الإسرائيلية قراراً يقضي بإدراج موقعي "قبة راحيل" والحرم الإبراهيمي في الخليل ضمن قائمة التراث القومي اليهودي، إلاّ أنّ "يونسكو" أصدرت في أكتوبر/تشرين الأول من العام ذاته، قراراً أكدّت فيه أنّ الحرم القدسي والحرم الإبراهيمي في الخليل ومسجد بلال بن رباح في بيت لحم هي أماكن إسلامية وجزء من التراث الإسلامي في فلسطين.

يُشار إلى أنّ فلسطين تقدمت بقائمة تمهيدية مؤقتة إلى "يونسكو" تضم 14 موقعاً ثقافياً وطبيعياً، تشمل من بينها جبل جرزيم وموقع السامريين ومغارات قمران ومخطوطات البحر الميت وموقع سبسطية.

أدرجت مدينة أريحا القديمة، الواقعة في مدينة أريحا بفلسطين، على قائمة التراث العالمي من قبل منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) (AA)

إنجاز تاريخي

وفي تقرير لها، قالت صحيفة "هآرتس العبرية"، إنّه رغم الجهود الإسرائيلية صوّتت لجنة الأمم المتحدة على إدراج الآثار القريبة من أريحا القديمة ضمن مواقع التراث العالمي في فلسطين.

وأضافت أنّ هذا هو الموقع الرابع في الضفة الغربية الذي يحصل على اعتراف الأمم المتحدة كموقع للتراث العالمي، لكنّه أول موقع يحصل على هذا التصنيف من خلال البروتوكول القياسي بدلاً من معالجته على أساس طارئ.

وحول هذا، يبيّن الدكتور عبد الله معروف، الباحث والمتخصص في علوم القدس والمسجد الأقصى، أنّ "الفرق بين البروتوكول القياسي وبروتوكول الطوارئ هو أنّ الأخير يُطلب من خلاله إدراج الأثر في قائمة التراث العالمي؛ كونه مهدداً بالتخريب لأسباب عدّة، منها إجراءات الاحتلال، أما البروتوكول القياسي فيعني دخول الأثر في القائمة التراث ضمن الإجراءات القياسية المتعارف عليها بشكل عام".

ويمرّ أي موقع يُسجَّل على لائحة التراث العالمي بمراحل لإتمام شروط الانضمام، أبرزها أن يستوفي شرطاً واحداً على الأقل من أصل عشرة وضعتها المنظمة لإدراجه على قائمة "يونسكو" العالمية، ستة معايير معمول بها للتراث الثقافي، وأربعة معايير للتراث الطبيعي.

ويضيف معروف لـTRT عربي، أنّ هذا الإنجاز "يسهم في لفت نظر العالم لمركزية فلسطين في التاريخ البشري، ويثبت أنّ تاريخ فلسطين أقدم بكثير مما تحاول رواية الاحتلال فرضه، والتنبيه إلى خطورة ما تقوم به دولة الاحتلال من محاولات لطمس هذه الحقيقة والتاريخ العريق لصالح روايتها".

قررت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "يونسكو" إدراج مدينة "أريحا القديمة" على لائحة التراث العالمي (AA)

وفي الوقت الذي يحتفل فيه الفلسطينيون الآن بتسجيل أريحا القديمة على لائحة "يونسكو" كأقدم بلدة زراعية محصّنة في العالم، وكبصمة حضارية مهمة لمساهمات فلسطين الاستثنائية في تطور التاريخ البشري، فإنّ إسرائيل "ستعمل بالتعاون مع أصدقائها الكثيرين في المنظمة من أجل تغيير القرار"، وفق بيان للخارجية الإسرائيلية.

ويُعد التراث التاريخي منذ فترة طويلة من بين النقاط الساخنة الكثيرة في الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، فالتوثيق الذي انتزعته أريحا يضمن لها الحماية وفق القوانين والأعراف الدولية، لكن في المقابل هناك آلاف المواقع الأخرى مهدّدة بالتهويد الممنهج من خلال مشروع صادقت عليه حكومة بنيامين نتنياهو، للسيطرة على المواقع الأثرية في الضفة، إذ رصدت لذلك ميزانية أولية بقيمة 34 مليون دولار.

TRT عربي
الأكثر تداولاً