يستهدفهم الاحتلال تِباعاً.. كيف يستقبل صحفيو غزة استشهاد زملائهم؟ / صورة: AA Archive (AA Archive)
تابعنا

فارقت إيمان (36 عاماً) الحياة أول أمس الأربعاء، "على درب الحرية المعبَّد بالدماء والتضحيات، وفي سبيل نصرة الشعب الفلسطيني المظلوم ونقل معاناته للعالم أجمع"، كما نعاها منتدى الإعلاميين الفلسطينيين في بيانه.

اشتهرت إيمان ببرنامجها "أصل القصة"، الذي كانت تقدمه في إذاعة "صوت الأقصى" المحلية وكان ينقل معاناة الشعب الفلسطيني، كما عُرفت بنشاطها على وسائل التواصل الاجتماعي لنقل ما يحدث من إبادة في غزة للعالم.

لكن الاحتلال لم يدَعْها تكمل م‍سيرتها، مستهدفاً إياها مع زوجها حلمي عابد وأطفالها الثلاثة بلال وألمى وعمر، بمنزلهم بعمارة الملش في حي الشيخ رضوان شمال مدينة غزة، لتترك إيمان رسالة صمود، تضاف إلى سجل الصحفيين الفلسطينيين الذين فقدوا حياتهم منذ بدء العدوان.

"قتلوا إيمان لأنها رفضت النزوح"

تلقى الصحفي الفلسطيني ومراسل قناة TRT عربي سامي برهوم، خبر رحيل زميلته إيمان الشنطي، بصدمة وحزن شديدين٫ ويتساءل في أثناء حديثه عنها متعجباً من وحشية الاحتلال: "ما الذي تشكله إيمان من خطر على إسرائيل، لتسوى الشقة التي تسكنها بالأرض٫ وتفارق الحياة هي وزوجها وثلاثة من أطفالهم؟ ماذا يعني ذلك؟".

ويجيب برهوم عن تساؤله بأن "إسرائيل لا تزعجها فقط الصورة التي تُنقل من الميدان، بل لديهم قرار مع سبق الإصرار والترصد باستهداف حياة الصحفي ولو كان في بيته".

ويتابع برهوم حديثه عن إيمان قائلاً: "كنت أعرفها جيداً من قرب منذ نحو خمس سنوات٫ وهي من الزميلات اللاتي أردن أن تكون لهن بصمة صحفية في نقل الصورة، كانت إيمان في الشمال وقادرة على أن تنزح إلى الجنوب، لكنها فضلت البقاء لتكون صوتاً لما يجري في الشمال ولو كان الثمن حياتها، وقد دفعته".

وبسبب توالي أخبار استشهاد الصحفيين يقول برهوم: "كل يوم ننتظر ونتساءل: هل سنكون نحن الخبر القادم؟ هل سأكون أنا، أم زميل آخر، أم زميلة أخرى؟"، متعجباً من مشاهدة العالم صامتاً أمام الانتهاكات الإسرائيلية للجسم الصحفي الفلسطيني كل يوم".

في السياق نفسه يقول المصور الصحفي في قطاع غزة عطية درويش٫ إنه تلقى خبر استشهاد زميلته إيمان بحزن كبير٫ مشيراً إلى أنه يعرفها منذ سنوات: "كانت زميلة مجتهدة جدّاً في عملها، ولكن الحرب طبعاً فرقتنا".

ويروي لـTRT عربي: "نحن جئنا إلى الجنوب، وظلت إيمان في شمال مدينة غزة صامدة، بل ورفضت أن تخرج من بيتها رغم دخول جيش الاحتلال المنطقة وقصفها، لكنها فضلت أن لا تستسلم وأن لا تنزح إلى الجنوب، حتى استُشهدت في قصف الاحتلال على منزلها".

"كل صحفي بغزة على قائمة انتظار الموت"

برحيل إيمان ارتفع عدد الصحفيين الذين استُشهدوا منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول إلى 193، وفقاً لمنتدى الإعلاميين الفلسطينيين. مع ذلك يستمر الصحفيون في نقل الحقيقة بين الاستهداف والقصف والتجويع والحصار، إضافة إلى الألم النفسي حين يفقدون زميلاً في المهنة.

"مع كل خبر نفقد فيه زميلاً جديداً، نشعر بالصدمة. زملاؤنا تقتلهم إسرائيل أمام أعيننا كل يوم، ولا أحد منا يستطيع أن يفعل شيئاً، ولا أحد من هذا العالم يتحرك لإنقاذنا، منذ اللحظة الأولى كنا نقول: نحن كصحفيين يجب تحييدنا، لكن الاحتلال يردّ بالاستهداف"، بهذه الكلمات يحاول سامي برهوم التعبير عن الأسى الذي ينتابه حين يتلقى خبر استشهاد أحد زملائه برصاص الاحتلال.

ويصف برهوم لـTRT عربي حياة الصحفي الفلسطيني في غزة قائلاً: "نعيش حياة لا تشبه شيئاً سوى الموت، مرّ 14 شهر وأكثر من هذه الحرب المستمرة ونحن في الميدان، في كل لحظة تلاحقنا مشاعر القلق والخوف، لكن نقف ولو على قدم واحدة من أجل أن تستمر هذه التغطية، لأننا نعلم أننا أمام مسؤولية مهنية وإنسانية بنقل ما يجري من مجازر وإبادة وتجويع وحصار وحرب قد تكون الأشرس في هذا العصر الحديث".

ويعرب برهوم عن مشاعره وهو يغطي الإبادة التي يراها بعينيه كل يوم بقوله إنه يحمل مشاعر مختلطة يحاول التعامل معها كل لحظة: "لا أخفي القول إننا بتنا الآن في مرحلة كأننا كلنا كصحفيين على قائمة انتظار الموت، إذ ينفّذ الاحتلال عملية تتبع ورصد وقتلنا واحد تلو آخَر، باتت مشاعر القلق تلازمنا كل يوم، لكن أيضاً نحن نعلم بأن لدينا مسؤولية قد تتغلب على هذه المشاعر".

ويستكمل: "كل يوم نحن أمام قصة لصحفي جديد يفقد شيئاً، يفقد حياته أو شخصاً من عائلته أو بيته، أو يصاب، أو يُعتقل، فالصحفي الفلسطيني يخوض معارك خفيَّة من أجل أن تستمر هذه التغطية٫ مع كل خبر يأتيه وهو يفقد مزيداً من زملائه في ظل استمرار هذه الحرب".

يعيش برهوم في غزة أحاسيس مختلطة بين الثبات والقلق والشعور بالمسؤولية، فبينما حالت الحرب بينه وبين عائلته إذ لم يرَ زوجته وأطفاله المقيمين في تركيا منذ أكثر من عام، يتساءل هل ستبقى أسرته هكذا وحدها بعيداً عنه، وهل سيأتي يوم يُستشهد فيه كمن استُشهد من زملائه.

أما عطية درويش فيعجز عن التعبير عن مشاعره نحو فقدان زملائه بالكلمات، فمن ناحية يُشعِره ذلك بألم عميق وحزن ثقيل، ومن ناحية يؤثّر فيه في أثناء العمل ويُشعِره بتزايد الخطر.

"المجزرة الأبشع في تاريخ الإعلام"

قالت نقابة الصحفيين الفلسطينيين في بيان يوم 2 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بمناسبة اليوم العالمي لـ"إنهاء الإفلات من العقاب على الجرائم ضد الصحفيين"، إن جيش الاحتلال الإسرائيلي ارتكب أكبر مجزرة في تاريخ الإعلام العالمي باستهدافه الصحفيين خلال حربه الحالية على قطاع غزة.

وأكدت النقابة أن عدد الصحفيين الذين قُتلوا في عام واحد في القطاع تجاوز ضعف المعدل السنوي العالمي لضحايا الصحافة، مستشهدة بإحصاءات اليونسكو التي تُظهِر مقتل 82 صحفياً في المتوسط سنوياً منذ عام 2013.

وفي نفس اليوم قال الأمين العام للأمم المتحدة إن السنوات الأخيرة شهدت "معدلاً مثيرا للجزع من الوفيات في مناطق النزاع، لا سيما في غزة التي شهدت أكبر عدد من حالات قتل الصحفيين والعاملين في وسائل الإعلام في أي حرب منذ عقود".

في السياق نفسه أفاد الاتحاد الدولي للصحفيين الثلاثاء الماضي بأن عام 2024 شهد مقتل 104 صحفيين عالمياً، أكثر من نصفهم في غزة، واصفاً قتل الاحتلال الإسرائيلي للصحفيين بأنه استهداف "متعمد" و"مجزرة تُرتكب أمام أعين العالم".

وتشير التقارير إلى أن جيش الاحتلال الإسرائيلي تسبب في تدمير 88 مؤسسة إعلامية، فيما استُشهد 193 صحفياً فلسطينياً بعضهم مع أسرته منذ بدء الحرب في أكتوبر/تشرين الأول 2023، إضافة إلى إصابة 396 آخرين واعتقال 40 صحفياً على الأقلّ.

TRT عربي
الأكثر تداولاً