تابعنا
تستحوذ الدول العربية مجتمعة على نحو 50% من سوق تحلية مياه البحر والمحيطات في العالم، وتأتي دول الخليج في مقدمة هذه الدول، إذ أنفقت مجتمعة نحو 33 مليار يورو من أجل إنشاء 550 محطة تحلية خلال الـ20 سنة الأخيرة.

يمضي عديد من الدول العربية في مشاريع تحلية مياه البحر، لتجاوز أزمة العجز المائي، في ظلّ الزيادة السكانية، وشح هطول الأمطار الناتج عن ارتفاع درجة حرارة الأرض والتغير المناخي.

وتراهن هذه الدول على محطات تحلية مياه البحر، باعتبارها حلّاً لتوفير الإمدادات بغرض الشرب وسقي الزراعات، بعد سنوات الجفاف المتتالية، واستنزاف كبير جدّاً للمياه السطحية والجوفية.

وتستحوذ الدول العربية مجتمعة على نحو 50% من سوق تحلية مياه البحر والمحيطات في العالم، وتأتي دول الخليج في مقدمة هذه الدول، إذ أنفقت مجتمعة نحو 33 مليار يورو من أجل إنشاء 550 محطة تحلية خلال الـ20 سنة الأخيرة.

شح المياه وتغير المناخ

يرى الخبير الدولي في قضايا البيئة والتنمية المستدامة سعيد شكري، أن "الظروف المناخية اليوم تفرض تحلية مياه البحر، إذ تُعَدّ من الحلول التي يمكن للدول العربية التي تعاني شحّاً كبيراً في المياه اللجوء إليها من أجل البحث عما يُسمَّى بمصادر المياه غير الاعتيادية".

وتابع شكري في حديثه لـTRT عربي، بأن "تقنية تحلية مياه البحر أعطت نتائج مهمة رغم أنها مكلفة وتحتاج إلى تقنيات جديدة، لكنها في النهاية توفي بالغرض".

ويؤكد الخبير أن "هذه التقنية تعمل على سد خصاص كبير في قضية المياه"، لكنها يجب أن لا تكون "حلّاً وحيداً"، معلّلاً ذلك بأن "الاستدامة تتطلب منا المحافظة على مصادر المياه الاعتيادية، مثل الفرشات المائية، والمناطق الرطبة، ومياه الأودية".

بدوره قال الخبير في التدبير المائي والزراعة الحيوية كمال أبركاني لـTRT عربي: "في العالم نحو 22 ألف محطة تحلية، ويتضاعف إنتاجها بسبب شح المياه في السنوات الأخيرة، لهذا الغرض كانت دول الخليج سباقة إلى تحلية مياه البحر، إذ خصّصَت في أول الأمر للشرب، ثم اتجهت بعد ذلك إلى المجال الزراعي".

وأضاف أن "بين دول الخليج التي كانت سباقة إلى تحلية المياه فارقاً زمنياً بالطبع، وبين دول شمال إفريقيا، على رأسها المغرب والجزائر ومصر، التي بدأت مشاريع التحلية الأساسية ابتداءً من 2015 و2016".

ريادة السعودية

تعزّز السعودية مكانتها العالمية في مجال إنتاج المياه المحلاة، إذ بلغت أكثر من 7.9 مليون متر مكعب يومياً، وفق المؤسسة العامة للمياه المحلاة في السعودية (حكومية)، التي تنتج نحو 75% من إجمالي إنتاج المملكة، فيما تبلغ نسبة إنتاج السعودية من المياه المحلاة عالمياً أكثر من 22%.

وحظي قطاع المياه في المملكة العربية السعودية باهتمام بالغ، إذ شهدت صناعة التحلية كثيراً من الإنجازات على الأصعدة كافة، ثم تواصلت جهود التوسع والتطور في المجال بعد صدور المرسوم الملكي بإنشاء المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة عام 1974.

وبلغ عدد محطات المؤسسة العامة للمياه المحلاة في السعودية 32 محطة موزعة على الساحلين الشرقي والغربي من المملكة، وفق ما يذكره موقع المؤسسة.

تجارب خليجية

تأتي بعد المملكة العربية السعودية دولة الإمارات بنحو 14% من إجمالي الإنتاج العالمي من المياه المحلاة، ويصل عدد محطات التحلية إلى 70 محطة رئيسة في مختلف أنحاء البلاد.

وتبلغ كمية مياه التحلية المستخدمة في الإمارات نحو 2.4 مليون متر مكعب، ومن المتوقع أن تصل إلى ما يقرب من 5.8 مليون متر مكعب بحلول عام 2025.

غير أن الكويت تمثل أكثر الدول العربية اعتماداً على مياه التحلية بنسبة 90%، لأن مياه الأمطار والمياه الجوفية لا تغطّي سوى 10% من احتياجاتها.

ولا تختلف سلطنة عمان كثيراً عن الكويت، من خلال اعتمادها بنسبة 86% على تحلية مياه البحر، كما ضاعفت قطر إنتاجها من تحلية مياه البحر أربعة أضعاف خلال السنوات العشرين الماضية.

أما في البحرين فتتكون البنية التحتية للمياه أساساً من محطات تحلية مياه البحر التي تغطّي أكثر من 80% من احتياجات البلاد من المياه.

تجارب شرق أوسطية

في مصر دفع الوضع المائي السلطات أيضاً إلى التوسع في مشاريع تحلية مياه البحر لسد العجز المائي، إذ تتوفر على 63 محطة تحلية، بطاقة إنتاجية إجمالية تصل إلى 799 ألف متر مكعب يومياً، فيما يجري تنفيذ 19 محطة أخرى بطاقة إجمالية تبلغ 375 ألف متر مكعب يومياً.

من جانبه، يعتزم الأردن، الذي يعد من أفقر دول العالم مائياً، تنفيذ مشروع تحلية مياه البحر الأحمر عبر جر 300 مليون متر مكعب من خليج العقبة إلى محطات لمعالجة المياه في الشمال، وفق ما ذكره أمين عام وزارة المياه والري الأردني ماجد المحاميد، لوسائل إعلام أردنية.

التجربة المغربية

تجارب تحلية المياه في الشرق الأوسط، انتقلت إلى مناطق أخرى في شمال إفريقيا، على رأسها المملكة المغربية التي تعمل بوتيرة سريعة على إنشاء محطات لتصفية مياه البحر، إذ تطمح إلى توفير نحو 1.3 مليار متر مكعب من مياه الشرب والسقي في أفق عام 2030، من خلال محطات معالجة مياه البحر التي أُنشئَت.

التسارع في النمو السكاني الذي شهده المغرب خلال السنوات الماضية، وازدياد استهلاك المياه، أدّى إلى تراجع حصة الأفراد من مياه الشرب، وفق الباحثة في الهندسة البيئية أميمة خليل الفن.

وكان المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن، تَوقَّع أن يبلغ نصيب الفرد من المياه في أفق 2025 أقلّ من 300 متر مكعب سنوياً، في حين أن الحد الأدنى هو 1000 متر مكعب.

لهذا "توجه المغرب منذ سبعينيات القرن الماضي لإحداث محطة لتحلية المياه في مدينة طرفاية جنوب المملكة، ويبلغ منسوبها 70 متراً مكعباً يومياً، توفّر للسكان مياه الشرب"، حسب ما قالته خليل الفن لـTRT عربي.

وأشارت الباحثة إلى أن "المملكة مضت بعد ذلك في هذا التوجه من خلال البرنامج الوطني للماء، وهو ما جعل المغرب يتوفر على عديد من المحطات الكبرى لتحلية مياه البحر، تتميز باعتمادها على مصادر الطاقة المتجددة".

ويتوفر في المملكة المغربية حالياً 12 محطة تحلية، 9 منها تنتج المياه الصالحة للشرب بقدرة إنتاجية تناهز 85 مليون متر مكعب في السنة، فيما تنتج 3 محطات أخرى مياه الري الزراعي والصناعة.

عراقيل مادية وبيئية

وتواجه مشاريع تحلية المياه في بعض الدول العربية صعوبات رئيسية، ترتبط أساساً بالكلفة المرتفعة لعملية التحلية، إلى جانب التحدّي البيئي.

ويقول الخبير في التدبير المائي والزراعة الحيوية كمال أبركاني لـTRT عربي: "المصادر العلمية تشير إلى أن المتر المكعب من المياه المحلاة، تحتاج إلى كلفة تبلغ نحو 1000 دولار بشكل كلي (على مستوى التجهيز)".

وأضاف أن "التحلية في السابق كانت تتطلب تكلفة مالية باهظة، لكن يبدو اليوم أنها انخفضت قليلاً مع انخراط عدة شركات دولية في مجال التحلية وتقنياتها". وتعتمد التقنيات المستخدمة في تحلية مياه البحر على التقطير الحراري أو أنظمة التناضح العكسي لفصل الأملاح عن مياه المحيطات.

من جهته، اعتبر الخبير الدولي في قضايا البيئة والتنمية المستدامة سعيد شكري، في حديثه مع TRT عربي، أن "إكراهات كبيرة تواجه بعض الدول العربية في مُضيّها في مشاريع تحلية المياه، تتجلى في ارتفاع كبير لتكلفة التحلية، وتحتاج إلى تقنيات حديثة، وإلى صيانة كذلك".

ولفت الخبير في قضايا البيئة إلى أنه "على المستوى البيئي، فعملية التحلية ينتج عنها بقايا ملحية يصعب التخلص منها، وتحتاج إلى تقنيات كبيرة لإعادة الاستخدام".

TRT عربي
الأكثر تداولاً