امتنع رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، عن تقديم أي تصورات عملية حول اليوم التالي للحرب في غزة / صورة: Reuters (Reuters)
تابعنا

تعرَّض وزير الدفاع الإسرائيلي يؤاف غالانت، لهجوم واسع من وزراء وشخصيات سياسية محسوبة على اليمين الإسرائيلي، بعد أن انتقد خطط نتنياهو لليوم التالي للحرب في غزة، ودعا إلى إنشاء إدارة محلية لإدارة القطاع بديلاً عن حركة حماس.

وهاجم وزير الدفاع غالانت، الأربعاء، رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو بعد مقابلة ألمح فيها إلى إمكانية إنشاء حكومة عسكرية في قطاع غزة، قائلاً إن هذا الأمر "سيؤدي إلى كثير من الدماء والضحايا"، ودعا نتنياهو إلى اتخاذ قرار ودعم حكومة بديلة لحماس في قطاع غزة.

جاءت الهجوم الأبرز على وزير الدفاع من وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير، الذي دعا لإقالته، مضيفاً أن غالانت "لا فرق عنده بين أن يحكم غزة جنود جيش الدفاع الإسرائيلي، أو يحكمها قتلة حماس، وهذا جوهر مفهوم وزير الدفاع الذي فشل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، ولا يزال يفشل حتى الآن".

وقال وزير المالية بتسلئيل سموتريتش إن "وزير الدفاع غالانت أعلن اليوم في الواقع دعمه لإقامة دولة إرهابية فلسطينية مكافأةً للإرهاب وحماس على أفظع مذبحة للشعب اليهودي منذ المحرقة".

أعاد النقاش داخل إسرائيل التركيز على التصورات الإسرائيلية لفكرة "اليوم التالي" للحرب في غزة، التي يظهر فيها حجم التباين بين الأطراف الإسرائيلية، امتداداً للتباين الآيديولوجي والسياسي بينها. وتحتل قضية شكل الحكم في قطاع غزة ودور السلطة الفلسطينية وإسرائيل فيه أهم النقاط الخلافية بين الأطراف الإسرائيلية.

غالانت: طرح الإدارات المحلية

يعد وزير الدفاع الإسرائيلي يؤاف غالانت، من أوائل مَن قدموا تصورات حول اليوم التالي للحرب في غزة، وتحديداً الكيفية التي سيجري بموجبها إدارة المشهد المدني في القطاع.

وعرض غالانت معالم خطته في 4 يناير/كانون الثاني الماضي، وتضمنت مجموعة بنود نصَّت على مواصلة القتال ضد حركة حماس حتى تحقيق أهداف الحرب الإسرائيلية، وإنهاء حكم الحركة لغزة وإنشاء إدارة مدينة تتولاها "جهات فلسطينية غير معادية لإسرائيل، ولن تكون قادرة على العمل ضدها".

وروَّجت الحكومة الإسرائيلية في ذلك الوقت لخيار التواصل مع "العشائر" الفلسطينية بوصفها جهات يمكن التعاون معها، وشكَّل توزيع المساعدات الإنسانية قضية ذات أولوية لإسرائيل التي أرادت من العشائر أن تؤدي هذا الدور.

وسعى جيش الاحتلال لأن يكون حي الزيتون نموذجاً في تطبيق خطتها، فتواصل مع عشائر فلسطينية لأداء هذا الدور التي بدورها رفضت العروض الإسرائيلية للتعاون، وفي ظل العجز عن إيجاد طرف فلسطيني يتعاون معها، وانتقادات نتنياهو لها فشلت الخطة.

ومع تجدد النقاش حول اليوم التالي عاد طرح غالانت لفكرة الإدارات المحلية بوصفها إطاراً للحكم في غزة بديلاً عن خيارَي "حكم حركة حماس أو الحكومة العسكرية الإسرائيلية".

لكنَّ خطة غالانت لفرض الحكم المحلي تصطدم بصعوبة قبول أي جهة فلسطينية أن تكون متعاونة مع الاحتلال وبديلة عن حركة حماس، وقضية شرعية هذا الجسم الذي سيظل يُنظَر إليه على أنه جاء على ظهر دبابة إسرائيلية، بالإضافة إلى عدم قدرة جيش الاحتلال على القضاء على حركة حماس حتى يتمكن من فرض جسم محلي بديل عنها.

اليمين المتطرف وحلم العودة إلى غوش قطيف

تستند رؤية أحزاب اليمين المتطرف الإسرائيلية وتحديداً الموجودة في الحكومة إلى إعادة الاستيطان إلى قطاع غزة الذي انسحبت منه إسرائيل عام 2005، على اعتبار أن مفتاح جلب الأمن يكمن في تعزيز الاستيطان.

وفي شهر يناير/كانون الثاني الماضي انعقد في مدينة القدس، مؤتمر "النصر والعودة إلى غزة"، بتنظيم من حزب القوة اليهودية بزعامة إيتمار بن غفير بالتعاون مع جمعيات وأحزاب استيطانية يمينية.

شارك في المؤتمر عشرات النشطاء الاستيطانيين، و12 وزيراً من حكومة الاحتلال، وما يقرب من 14 عضواً من الكنيست، وشهد التوقيع على وثيقة "معاهدة النصر وتجديد الاستيطان في قطاع غزة وشمال الضفة الغربية".

وعُرضت في المؤتمر مخططات لإنشاء بؤر استيطانية في مناطق مختلفة من قطاع غزة، وأشار الباحث عليان الهندي، في حديث مع وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا) إلى أن التجمعات الاستيطانية تظل تحتفظ بمخططاتها لعودة الاستيطان إلى غزة.

وأخْلت إسرائيل مستوطناتها من قطاع غزة في شهر أغسطس/آب 2005، بالإضافة إلى عدد من المستوطنات في شمال الضفة الغربية. وفي شهر مارس/آذار الماضي، أقرَّ الكنيست قانوناً ألغى "قانون فك الارتباط" الذي بموجبه أخْلت إسرائيل مستوطنات شمال الضفة الغربية وقطاع غزة.

وبعد إقرار القانون، قالت وزيرة الاستيطان والمهام الوطنية أوريت ستروك، من حزب الصهيونية الدينية، إن " العودة إلى غزة ستشمل أيضاً تضحيات كثيرة، تماماً كما انطوت مغادرتها على عديد من التضحيات".

واستدركت الوزيرة: "لكن لا شك في أن الحديث يدور في نهاية الأمر عن جزء من أرض إسرائيل، سيأتي يوم نعود إليه"، حسب مزاعمها.

نتنياهو وعقيدة "أنْ لا حل"

امتنع رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، عن تقديم أي تصورات حول اليوم التالي للحرب طيلة الأشهر الأربعة الأولى للحرب على الرغم من الضغوط الأمريكية لوضع رؤية سياسية للحرب وما بعدها.

وبعد أربعة أشهر من الحرب الإسرائيلية على غزة، قدم رئيس الوزراء نتنياهو رؤيته للحل السياسي لليوم التالي للحرب، التي تضمنت مجموعة مبادئ تناولت القضايا الأمنية ومستقبل جهة الحكم في غزة.

ووفق رؤية نتنياهو، فإن حكم قطاع غزة سيذهب إلى "عناصر محلية ذات خبرة إدارية غير مرتبطة بالدول أو الجهات التي تدعم الإرهاب ولن تتلقى أموالاً منها".

وفي أكثر من مناسبة أكد نتنياهو رفضه عودة السلطة الفلسطينية للحكم في غزة، مشيراً إلى أن إسرائيل لن تقبل بحكم "حماستان ولا فتحستان" حسب قوله.

لا تقدم رؤية نتنياهو أي حلول عملية، فالإدارة المحلية التي يتحدث عن تشكيلها يظل مصيرها مثل مصير الإدارة المحلية الخاصة بغالانت، كما أن رفضه عودة السلطة الفلسطينية يُفرغ أي خطوات إسرائيلية تجاه قطاع غزة من مضمونها.

هذا الأمر يتفق مع سلوك نتنياهو الذي يؤجل أي نقاش حقيقي حول اليوم التالي للحرب ويربطه بالقضاء على حركة حماس الذي يعدّه" خطوة ضرورية لضمان أنه في اليوم التالي لن يكون هناك أي عنصر تهديد صادر من غزة"، كما جاء في بيان عن مكتبه، الأربعاء.

حالة الغموض هذه تتيح له إرضاء مختلف الأطراف السياسية في إسرائيل، وتحديداً شركاءه في الحكومة من اليمين المتطرف الإسرائيلي، فلا هو يعطي موقفاً بتشكيل حكومة عسكرية في غزة وعودة الاستيطان لها خشية رد الفعل الدولي ومعارضة شخصيات ومؤسسات داخل إسرائيل، ولا هو يعلن عن القبول بالسلطة الفلسطينية أو أي حلول فلسطينية خشية ضغط شركائه في اليمين الإسرائيلي.

إيزنكوت: لا دولة فلسطينية قبل خمس سنوات

قدم عضو مجلس الحرب في الحكومة الإسرائيلية ورئيس الأركان السابق غادي إيزنكوت، في شهر مارس/آذار الماضي خطته لإدارة المشهد السياسي والإداري لليوم التالي للحرب في غزة.

تضمنت الوثيقة التي أعدَّها الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات العسكرية (أمان) عاموس يلدين، مجموعة مبادئ غطَّت الشؤون الأمنية والسياسية والإدارية للوضع الذي ستكون عليه غزة.

ووفقاً للوثيقة فإن مسؤولية علاج القضايا المدنية في قطاع غزة سينقلها "عنصر فلسطيني تكنوقراطي، خاضع لمراقبة مجموعة من الدول العربية الخمس، والولايات المتحدة والمجتمع الدولي، لن يستطيع عنصر الإدارة المدنية هذا الحصول على تمويل أو أي دعم من عناصر الإرهاب أو من جهات تدعم الإرهاب".

وأمنياً ستحافظ إسرائيل على "حرية النشاط العملياتي في غزة وعلى مسؤولياتها الأمنية التي ستزداد مع نقل المسؤولية لعنصر حاكم آخر، وذلك من أجل منع تعاظم أو بناء قاعدة إرهابية في القطاع".

وفي ما يتعلق بقيام الدولة الفلسطينية، رفضت الوثيقة إعطاء أي "التزام إسرائيلي في السنوات الخمس القادمة لإقامة دولة فلسطينية، إذ إن أمراً كهذا سيُفهم على أنه هدية لحماس". فأي تسوية فلسطينية إسرائيلية يجب أن تكون عبر المفاوضات المباشرة، وبعد أن يجري "اختبار قدرة الفلسطينيين على تنفيذ إصلاحات شاملة في السلطة ونزع السلاح وإعمار قطاع غزة، وفق مراقبة دولية وإقليمية".

لبيد وبدائله

طرح رئيس حزب "يوجد مستقبل" الإسرائيلي المعارض يائير لبيد، في شهر أبريل/نيسان الماضي مجموعة من البدائل لسياسة نتنياهو في عدد من القضايا التي تخص سير ومستقبل الحرب في قطاع غزة.

واحتلت قضية "اليوم التالي للحرب" موقعاً مركزياً في طرح لبيد، الذي يرى أن على الحكومة الإسرائيلية البدء في نقاش هذه القضايا مع " دول المنطقة والولايات المتحدة، والسلطة الفلسطينية".

وشدد لبيد على أن السلطة الفلسطينية سيكون لها دور في الترتيبات الأمنية والمدنية في قطاع غزة. مشيراً إلى أن هذا النموذج يعمل في الضفة الغربية، ومن الممكن له العمل في قطاع غزة كذلك.

في السياق نفسه، تقدم الإدارة الأمريكية طرح "السلطة الفلسطينية المتجددة"، الذي يتضمن عملية إعادة تأهيل السلطة الفلسطينية في رام الله تمهيداً لتوليها الحكم في القطاع.

وفي شهر فبراير/شباط الماضي نقلت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية أن الإدارة الأمريكية بالتعاون مع دول عربية وإقليمية تعمل على إعداد خطة سلام طويلة الأمد، وأكدت السعودية في أكثر من مناسبة أن قيام الدولة الفلسطينية والانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة شرط أساسي لأي اتفاق سلام.

ولا يزال رئيس حزب "أزرق-أبيض" وعضو مجلس الحرب في الحكومة الإسرائيلية بيني غانتس، يرفض توضيح توجهاته لليوم التالي للحرب في غزة، لكنه عبَّر عن دعمه وزير الدفاع غالانت في مواجهة الهجوم الذي تَعرَّض له من اليمين المتطرف الإسرائيلي.

TRT عربي